الردع لدى الاحتلال: بين ترميم الصورة والتحديات

جيش الاحتلال

شهدت السنوات الثلاث الماضية تطوراً في المواجهة بين كيان الاحتلال ومحور المقاومة بمختلف ساحاته خاصة مع تراجع قدرة جيش الاحتلال على حسم "المعارك الصغرى" أو تعديل مسار التهديد الوجودي المتنامي في إيران ومنها امتداداً إلى محور المقاومة برمته. أدى ذلك الى تحوّل في قضية "الردع" لدى الاحتلال مع تداول مفردات جديدة في التوصيف. هذا ما استدعى قراءة شاملة من أجل تقييم حالة الردع.

يأتي هذا التقييم بناءً على

1/ توصيفات الردع

2/ منشأ الأزمة

3/ طرق المعالجة المطروحة

4/ التوقعات المستقبلية

5/ حركة محور المقاومة لتقويض الردع

6/ تقييم إمكانية المعالجة

7/ ملحق: أهم التصريحات والتعليقات الإسرائيلية

لمحة حول الأحداث الأخيرة

برزت في الآونة الأخيرة أحداث متتالية، كانت حركات وفصائل وقوى المقاومة لاعبًا أساسيًا ومتحكّما بمجرياتها إلى حد كبير، وقد مثلت المواجهات التي جرت اختباراً للكيان المؤقت دفعته لإعادة التفكير في بلورة سياسات من شأنها استعادة الردع الذي بدأ الحديث عن تآكله واستغلال محور المقاومة لهذا الضعف. وكان من أبرز هذه الأحداث التي دفعت الكيان لتغيير لغة نخبة الكيان في التعبير عن حالة الردع:

1/ "عملية مجدو" وتصاعد عمليات المقاومة الفلسطينية التي أوجعت الكيان، وتزامنت مع إطلاق الصواريخ من غزة ولبنان وسوريا.

2/ معركة "ثأر الاحرار": اغتيال قادة الجهاد الإسلامي، وشن حملة عسكرية على غزة.

3/ عملية "جنين" الأخيرة والتي شكّلت ضربة قوية للكيان المؤقت، والتي أعقبها عملية فردية في مستوطنة "عيلي".

4/ تحركات حزب الله على الجبهة الشمالية، ونصبه لخيمتين على الحدود.

أولًا: توصيفات الردع

كثرت التوصيفات والمفردات التي استخدمها قادة الكيان ومسؤوليه وإعلامييه وخبرائه، والتي تناولت وصفًا لمتغيرات حالة الردع بعد التطورات الأخيرة سواء على الساحة الفلسطينية أو حتى في معادلاته مع باقي قوى المحور لا سيما حزب الله، والتي دلّت على أن حالة "الرّدع" تمر في مسار تحول تصاعدي وتراكمي. وقد جاءت التوصيفات على الشكل التالي:

_ تلاشى

_ تآكل

_ تأرجح

_ فُقد

_ تراجع

_ تضرر

_ محدود

_ تصدّع

_ ضعف

ثانيًا: منشأ الأزمة

أظهرت موجة العمليات الأخيرة، المعضلة الأمنية التي يعيشها الكيان المؤقت، من جهة الحاجة للعمل والرد لأجل تثبيت الردع على كل الجبهات وكثرت الأسباب التي إلى زيادة تعقيد الاستجابة لهذه الحاجة:

1/ الانقسام الداخلي حول التعديلات القضائية والأزمة الداخلية المتفاقمة والحادة التي قلّصت هامش مناورات الكيان الاستراتيجية.

2/ صعوبة معالجة رفض الخدمة في مختلف وحدات الجيش، في ظل العصيان بين المقاتلين والضباط ووحدات النخبة في الجيش في معظم المعارك. وبالتالي، تأثير الأزمات الداخلية على كل من الأجهزة الأمنية والعسكرية.

3/ غياب الاستراتيجية القابلة للنجاح تجاه الساحة الفلسطينية.

4/ العجز عن الدخول في معركة متعددة الساحات، في ظل مواجهة تهديدات غير مسبوقة وعلى جبهات متعددة.

5/ توتر العلاقات بين كل من الكيان الإسرائيلي والولايات المتحدة الاميركية خاصة مع وصول حكومة نتنياهو المتطرفة إلى سدة الحكم، في ظل ابتعاد الأخيرة عن الشرق الأوسط وانشغالها بروسيا والصين، بالإضافة إلى ضعف الدعم الدولي.

6/ عدم الرد على إطلاق حزب الله لطائرات بدون طيار على منصات الغاز العام الماضي، في التوترات التي رافقت فترة المفاوضات حول ترسيم الحدود البحرية، الأمر الذي أسس لانطباع مؤثر حول قدرة على التحرّك العسكري لدى الكيان.

7/ الأثر الكبير الذي فرضته العمليات الفدائية الفلسطينية في وعي الاحتلال ومستوطنيه.

8/ خسارة المرونة في قرار الحرب وتأكيد عجز الكيان عن شن الحرب الخاطفة.

ثالثًا: طرق المعالجة المطروحة

طرح مسؤولو وقادة كيان الاحتلال مجموعة متنوعة ومختلفة من الإجراءات والطرق التي تهدف لمعالجة أزمة الردع التي يعاني وقد اختلفت وفقًا للحدث والظروف التي تبعت الحالة:

_ التخطيط لشن هجمات تستهدف كل خلايا وفصائل المقاومة. وبالتالي، اتخاذ إجراءات أكثر قوة وحزمًا تهدف إلى استعادة الردع.

_ الدعوة لوقف الانقلاب القانوني.

_ الدعوة لإبقاء لبنان كجبهة هادئة.

_ تكثيف الهجمات في قطاع غزة.

_ الإبقاء على نمط المعركة بين الحروب في سوريا.

_ السيطرة على المدن الفلسطينية في شمال الضفة لفترة محدودة، وتعزيز دور السلطة الفلسطينية والتنسيق معها.

_ تخفيف الاستقطاب والتوترات في "المجتمع الإسرائيلي".

_ تخفيف التوترات في الساحة الفلسطينية والتمسك بالوضع القائم في حرم المسجد الأقصى.

_ تقويض مكانة "حماس" الآخذة في الازدياد في الساحة الفلسطينية.

_ العودة لسياسة الاغتيالات.

_ رفع الثمن الذي يدفعه أعداء الكيان في كل جولة، ووضع عقبات أمام روتين بناء قوته العسكرية، بهدف التأثير في قرار الدافع والقدرة.

_ تطوير وتفعيل أدوات جمع المعلومات الاستخباراتية الاستباقية، والقيام بعمليات عسكرية داخل الضفة الغربية ومخيماتها.

_ إنهاك "العدو" ومهاجمة ورش الأسلحة في الضفة.

رابعًا: التوقعات المستقبلية

أمام الواقع الذي يعيشه الكيان المؤقت من أزمات داخلية، وأزمات على مستوى علاقاته مع "حلفائه" لا سيما الولايات المتحدة، بالإضافة إلى التطورات الميدانية التي فرضتها قوى المقاومة، من المتوقع أن ينتهج العدو الخطوات الآتية في المستقبل:

1/ إقدامه على تعزيز سياسة الاغتيالات والعمليات الأمنية سواء في الداخل أو في إحدى دول المحور.

2/ اللعب على وتر العلاقة بين الفلسطينيين أنفسهم عبر تعزيز دور السلطة الفلسطينية ووضعها في مواجهة المقاومين.

3/ الاستمرار في شن حملات عسكرية محكمة ومحدودة النطاق شمال الضفة الغربية.

4/ استمرار استهداف الوجود الإيراني والجيش الوطني في سوريا.

5/ احتمال الانجرار لجولة قتالية مع حزب الله لتصدير الأزمة الداخلية التي بدأت تتفاقم في ظل فشل القنوات الدبلوماسية في إزالة الخيمتين على الحدود. وبالتالي، اندلاع مواجهة شاملة على الجبهة الشمالية، بهدف استعادة صورة الردع.

خامسًا: حركة محور المقاومة لتقويض الردع

اتخذ محور المقاومة خطوات عدّة لتقويض الردع لدى الكيان المؤقت، والتي لا بد من الاستمرار في انتهاجها لا سيما في هذه المرحلة الصعبة التي تمر فيها المنطقة كما في ظل الأزمات الداخلية التي يمرّ بها الكيان:

1/ التنسيق العالي بين مكونات محور المقاومة لا سيما حزب الله، حماس والجهاد الإسلامي في ظل اللقاءات المستمرة فيما بينهم.

2/ تعزيز نشاط الغرفة المشتركة في غزة لمواجهة الاعتداءات الاسرائيلية.

3/ الحفاظ على "وحدة الساحات" وتعدد ساحات المواجهة بشكل متزامن أو بشكل موزع.

4/ الحفاظ على الوتيرة المرتفعة لعمليات المقاومة لا سيما في الداخل المحتل، كما والتصعيد متعدد الساحات.

5/ اعلان حزب الله بشكل متكرر حيازته المعرفة بنقاط الضعف التكتيكية والاستراتيجية والمجتمعية للكيان مما يسمح له بحرية التحرك والمبادرة لرسم معادلات جديدة.

6/ تطوير المقاومة الفلسطينية طرق دفاع خاصة للتصدي لحملات "الاقتحام العميق" التي يقوم بها الجيش و"الشاباك" و"الوحدات الخاصة" التابعة لـ "حرس الحدود".

7/ رفع معدّل العمليات في الضفة الغربية كما داخل الكيان.

سادسًا: تقييم امكانية المعالجة

يشهد الكيان المؤقت تفاقمًا وتصعيدًا في أزمته الداخلية، والتي بدأت تظهر على الساحة من جديد مع إقرار المصادقة على قانون "تقليص المعقولية"، الأمر الذي أعاد الاحتجاجات إلى وتيرتها المرتفعة، الى جانب الفوضى في كل أنحاء الكيان. هذا ما يضع "إسرائيل" أمام تحديات داخلية جديدة قد تدفعها إلى تصدير أزماتها، سواء على صعيد الضفة الغربية وغزة أو حتى على صعيد الجبهة الشمالية (حزب الله)، بالإضافة إلى اللجوء لعمليات اغتيال تستهدف كبار قادة محور المقاومة، الأمر الذي يعيد خلط الأوراق من جديد، ويشدّ عصب الداخل اليهودي بحيث يستطيع نتنياهو كسب المزيد من الوقت في بلورة سياسات تؤمن استمرار حكومته كما تنفيذ مخططاته. إلا ان العدو سيكون أمام أثمان مرتفعة خاصة في حال المواجهة مع حزب الله الذي بدأ ينتهج تكتيكات جديدة تساعده في التحكم بأي معادلات جديدة، في ظل الضعف الإسرائيلي ومحاولاته المتكررة الفاشلة لا سيما تلك الاخيرة في مخيم جنين.

أمام هذا الواقع المعقد، تجد قيادة الكيان السياسية ومركز اتخاذ القرار العسكري أن الحل الأمثل هو في الحفاظ على المستوى المنخفض الشدة للقتال، وعدم الدخول في اختبارات قاسية وخطيرة، مع استمرار عمليات الاستنزاف لمجموعات المقاومة في الضفة وملاحقة الأفراد، واستدامة وتيرة عمليات الأيام القتالية، بزعم تقليص نمو قدرات المقاومة في الداخل الفلسطيني، بحيث لا تصل إلى مستوى من النمو يشكل خطراً غير قابل للاحتواء. غير أن هذه السياسة نفسها تعاني كذلك من التعثر، نظراً لنجاح المقاومة في الضفة وغزة في القيام بنقلات أساسية على مستوى القدرات والموارد، وهي في تطور مستمر وإن بشكل بطيء، على صعيد التسليح كماً ونوعاً، وفي تطور متسارع على المستوى القتالي التكتيكي.

ثامنًا: أهم التصريحات والتعليقات الإسرائيلية

1/ عاموس يادلين:

_ "تآكل الردع الإسرائيلي: عدم الرد على إطلاق حزب الله لطائرات بدون طيار على منصات الغاز العام الماضي واستعداد إسرائيل لإجراء مفاوضات على الحدود البحرية مبدفع رشاش إلى الرقة: لقد أدى ذلك إلى تآكل الردع. بالإضافة إلى ذلك، ينبغي تقدير أن الأزمة الداخلية في إسرائيل شجعت نصر الله على تقدير أن إسرائيل ستجد صعوبة في الرد".

_ "الردع تآكل أمام أعدائنا الذين يراقبون عن كثب الانقسام الداخلي لدينا".

2/ يوآف ليمور (محلل عسكري):

 "في الأشهر الأخيرة ونتيجة لظروف مختلفة، تآكل الردع الإسرائيلي، مثل ما حذرت المخابرات بشكل دراماتيكي في كل المنطقة، نحن نرى هذا المحور من طهران حتى غزة هو محور نشط ويجب أن نكون حذرين جدًا حتى لا يتحرك مجددا".

3/ ليلاخ شوفال (المتخصصة بالشؤون العسكرية في صحيفة "إسرائيل هيوم"):

 "إن سياسات الاحتواء والرد غير المباشر لإسرائيل، عززت كثيرًا الثقة بالنفس لدى نصر الله الذي زاد من قيمة رهانه، وقد أضيف إلى تآكل الردع الإسرائيلي، بالطبع ولا سيما بعد الوضع الداخلي المتزعزع في الأسابيع الأخيرة...".

4/ اللواء احتياط تامير هايمان، (مدير معهد دراسات الأمن القومي):

_ "ما رأيناه كان إطلاق نار فلسطيني واسع النطاق من لبنان. إنه ليس إطلاق نار من قبل حزب الله، لكن من الصعب تصديق أن حزب الله مل يكن على علم به. التفسير الفوري هو رد فعل لما حدث في المسجد الأقصى، كجزء من التعريف الواسع الذي نشأ في الساحة نصر الله الزائف والمبالغ ً اعتبر "تدنيس الفلسطينية / العربية لما ا للمسجد الأقصى". العامل الداعم لذلك هو شعور بالثقة بالنفس والذي ينبع من تفسير خاطئ للأحداث الأخيرة (مجدو، حريش، إلخ).. ما أضعف الردع الإسرائيلي. عامل داعم آخر هو الوضع الداخلي في إسرائيل. كما قدرنا، أعداؤنا لن يستغلوا ذلك لشن هجوم مع سبق الإصرار، لكن بالنظر إلى الصدفة أو الصواعق المتفجرة مثل المسجد الأقصى، فإنهم سيستغلونها".

_ "أقترح أيضا أن نتوقف عن استخدام عبارات مثل "حملة لاستعادة الردع": استعادة الردع ليست هدفًا عملياتيًا، لأنه لا يمكن قياسها. الأهداف الصلبة هي إنهاك العدو ومهاجمة ورش الأسلحة والمسلحين".

5/ يائير جولان، (قائد المنطقة الشمالية في الجيش سابقًا):

"الشرخ الداخلي وانقسامنا هو من جرأ أعدائنا على مهاجمتنا، على نتنياهو الإعلان عن وقف التعديلات القضائية والتفرغ للتحديات الأمنية وحينها فقط نستعيد قوة الردع".

6/ الجنرال يوسي كوبرفاسر (رئيس شعبة الأبحاث الأسبق في جهاز الاستخبارات العسكرية- أمان):

 "الجبهة الثانية تتمثل في تراجع الردع الإسرائيلي أمام حزب الله، وهو ما ظهر في هجوم مجدو، ما يعكس تصعيداً في جرأته. صحيح أن الكثير يخفى حول ما حدث بالضبط، لكن من الواضح أن قوة في لبنان، تتمتع بمستوى مهني عسكري مثير للإعجاب نسبيًا بما في ذلك الوصول المتقدم، والقدرة على عبور الحاجز الحدودي، قررت إرسال مسلح بشكل جيد إلى الداخل، وقد نجح في تنفيذ هذه العملية.. كل هذا دون أن يكون أي شخص في إسرائيل على علم بالنية، والقرار، والتنفيذ."

7/ البروفيسور أفرايم عنبر (رئيس معهد القدس للاستراتيجية والامن):

 "إذا كان هناك بالفعل انخفاض في الردع الإسرائيلي (من الصعب قياس الردع)، فإن الطريقة المثبتة لإعادته هي باستخدام القوة بشكل فعال، لذلك استخدام قوة الجيش الإسرائيلي مع الاستعداد لتحمل الخسائر هو ما يبني الردع".

8/ إيهود أولمرت (رئيس حكومة أسبق):

"ما يضرّ الردع هو تراخي الحكومة في الشمال، الفجوة كبيرة بين ما تقوله وما لديها من الشجاعة لفعله".

9/ غادي إيزنكوت (رئيس الأركان السابق عضو الكنيست):

"الردع الإسرائيلي في المنطقة تراجع إلى مستوى لا أذكر مثله منذ عشرات السنين وثمة ارتفاع في معقولية حصول تصعيد واسع".


المصدر: مركز دراسات غرب آسيا




روزنامة المحور