ثمّة علاقة طردية بين الاقتصاد والأمن، لا يمكن أن يزدهر أو يبقى اقتصاد دولة أو كيان مستقرًا في ظل تراجع الأمن أو فقدان القدرة على ضبطه، سواء بسبب تهديد خارجي أو أزمة داخلية. والحال في الواقع أن كيان الاحتلال يرزح منذ 15 أسبوعًا على التوالي تحت تداعيات مظاهرات المعارضة، التي لا تزال تنذر بصدام داخلي دموي بين تياري اليمين واليسار. وقد وصل هذا الكيان الى نقطة النقاش الجدي حول تفككه، بفعل تلك الأزمة الداخلية الحادة، وبتزامنها مع تعاظم تهديدات المقاومة في ساحاتها الموحّدة التي تضع الاحتلال على حافة "سيناريو يوم القيامة" وهي الحرب متعدّدة الجبهات.
كل ذلك، أدى الى خفض "شركة تقييم المخاطر المتكاملة العالمية – موديز"، يوم الجمعة 14/4/2023، تصنيفها الائتماني للكيان المؤقت من "إيجابي" الى "مستقر"، محذّرة من مستقبل اقتصاد الاحتلال. يعد هذا التصنيف وبقاؤه عاليًا أمرًا بالغ الأهمية بالنسبة لكيان قائم على الاستثمارات وتدفق رؤوس الأموال، خاصة في مجال "الهايتك"، وحرصه على أن يبقى مساحة للشركات الأجنبية والمتعدّدة الجنسيات. بالإضافة الى اهتمامه باستقرار عملة "الشيكل" والحفاظ على قيمتها مرتفعة ومقبولة في سوق العملات.
أوضحت "موديز" أنّ هذا التغيير "يعكس تدهور الحكم الإسرائيلي، كما يتضح من الأحداث الأخيرة حول اقتراح الحكومة لإصلاح النظام القضائي في البلاد ومن الطريقة التي حاولت بها الحكومة تنفيذ. فالإصلاح دون السعي إلى إجماع واسع يشير إلى إضعاف القوة المؤسسية والقدرة على التنبؤ بالسياسات. نتيجة لذلك، أصبحت المخاطر على تصنيف إسرائيل متوازنة الآن، مما أدى إلى نظرة مستقبلية مستقرة".
وكانت الوكالة قد حذرت حكومة الاحتلال في وقت سابق من الآثار الاقتصادية المترتبة على سياساتها التشريعية المقترحة. وقالت في آذار / مارس الماضي إنه إذا نفّذت التعديلات القضائية فمن شأنها أن "تضعف ماديًا قوة القضاء وذلك سيكون سلبيًا للائتمان وله مخاطر على الآفاق الاقتصادية لإسرائيل".
"الهايتك" يصعّد ضد نتنياهو
إنّ قطاع التكنولوجيا الفائقة (الهايتك) هو أحد المحركات الرئيسية لاقتصاد الاحتلال، بل وإنّه القطاع الذي يدعي به الكيان التميّز والتفوّق في العالم. وقد انضم العاملون فيه الى سلسلة الاحتجاجات التي طالت مؤسسات الكيان. مع تحذيرات "موديز"، أصدر المقر الاحتجاجي لعمال التكنولوجيا العالية بيانًا حمل فيه نتنياهو واليمين المتطرّف مسؤولية الإضرار بالاقتصاد وبهذا القطاع، ووصفهم البيان بـ "الذين تجاهلوا بشكل متعجرف كل تحذيرات الاقتصاديين ورؤساء الصناعات، وسيكونون مذنبين بتدمير قيمة التكنولوجيا الفائقة والاقتصاد والإضرار بالأمن والصحة والتعليم".
قال خبير اقتصادي من جامعة "رايشمان" العبرية، البروفيسور عمر معاب، إنّ "الأمر لا يختلف عما يقوله أي شخص مطلع على الأبحاث الاقتصادية، ويتماشى مع الإجماع بين 300 من كبار الاقتصاديين في إسرائيل". فيما رفضت حكومة الاحتلال هذا التصنيف، وزعم كلّ من رئيسها بنيامين نتنياهو ووزير المالية فيها بتسلائيل سموتريتش، في بيان مشترك، أنّ "الاقتصاد الإسرائيلي مستقر وقوي".
الا أنّ الخبير الاقتصادي علّق على ذاك البيان بالقول، إنّ "رسالتهم لا معنى لها ومليئة بالخداع والتشويش، والسؤال ما هي مصلحتهم؟ فهناك ضرر لا يمكن إصلاحه هنا، حتى على المستوى الاقتصادي الفوري. هذه أمور لا رجعة فيها أو سيستغرق إصلاح الضرر عقودًا لقد فعلوا ذلك بالفعل".
انتقد أيضًا عضو "الكنيست" ووزير المالية السابق أفيغدور ليبرمان، الذي ينخرط في صفوف المعارضة، أداء حكومة نتنياهو وقال بشأن تراجع التصنيف الائتماني للكيان إنّ "الأمر لا يتعلق بهذا فقط، الجميع سينظر إلى فواتير الكهرباء التي يدفعونها، والأسعار في السوبر ماركت، والرهون العقارية كل هذا حدث في غضون ثلاثة أشهر".
تفلت "خيوط اللعبة" من يد نتنياهو، وتتكبّل مخططاته في كلّ مرّة يصطدم بها بتهديد مفصلي ينذر إمّا بتفكك الائتلاف الحكومي الحالي أو بشلل الكيان وخطر الصدام الداخلي. فبعد التراجع خطوة الى الوراء وزعم إفساح المجال للمفاوضات مع المعارضة بعد تهديد أغلب المؤسسات بالإضراب (حين أعلن نتنياهو عن إقالة وزير الجيش يوآف غالانت)، هل يجبر الوضع الاقتصادي والإضرار بـ "الهايتك" نتنياهو على التنازل أكثر بعد؟
الكاتب: مروة ناصر