معاريف: جنين ستواصل إقلاقنا

مخيم جنين

توازياً مع اخفاق كيان الاحتلال في تحقيق كل أهدافه أثناء العملية الأخيرة التي أطلقها في مخيم جنين، والتي خسر خلالها عدداً من جنوده وآلياته، تركز المؤسسة الأمنية على نتائج العملية والآثار المترتبة عليها. وتقول صحيفة معاريف العبرية في هذا الصدد، ان " جنين ستواصل إشغالنا وإقلاقنا كعش إرهاب بلا توقف" حتى بعد انتهاء العملية الأخيرة.

النص المترجم:

بعد انتهاء حملة "بيت وحديقة"، وبعد أن يتبدد ضباب المعركة من على سماء جنين ويعود الباعة المتجولون ليعرضوا بضائعهم، وحين يعود مقاتلو الجيش الإسرائيلي إلى قواعدهم بسلام، وتضيف شعبة العمليات في هيئة الأركان ملفاً آخر إلى الخزانة الكبيرة مع تفاصل الحملة لينتظر صفحات الباحث واستخلاص الدروس تحت العنوان "بيت وحديقة نغير المعادلة" سيحوم في أجواء الصيف الحار هذا السؤال الخالد: "ماذا بعد؟".

الصيف، قبل 56 سنة بالضبط، في الأيام التي تلت حرب الأيام الستة، حين كان الجميع يسيرون هنا سكرى النصر ويشعرون أنهم أسياد هذه البلاد، ضممت إلى قوة خاصة كانت مهمتها العثور على دبابات الجيش الأردني المصابة والمتروكة أثناء القتال، لأجل ترميمها. وصلتُ إلى جنين وقتذاك، إلى منطقة المعركة المريرة التي وقعت في سهل دوتان المجاور. بأحاسيس النشوى التي رافقتني في حينه، مثل كثيرين آخرين، فكرت بنفسي بأن جنين وسهل دوتان لن يحظيا بعد اليوم بمشاهدة الحروب والدبابات والآليات الحربية. لم يخطر ببالي أن المرابع الجميلة التي تنمو هناك في هذه الفترة من السنة، ستنسحق تحت آليات الحرب بعد 56 سنة.

منذ زمن تحولت جنين لتصبح رمزاً ومدينة لجزء من الإرهاب الفلسطيني. فلئن كانت مكة رمز الإسلام فجنين مكة الإرهاب. لماذا جنين بالذات؟ ولماذا لا نجعل نهاية لجنين مرة واحدة وإلى الأبد؟ هذه أسئلة يسألها كثير من الإسرائيليين من ذوي نوازع الغضب والثأر منذ زمن بعيد، ويتلقون الجواب حملة إثر حملة. مثل نبتة تقتلع ولا تختفي، يطل هذا الإرهاب من جديد. السؤال الواجب: ألم يحن الوقت لإعادة التفكير في المسار، والبحث عن سبل أخرى للتصدي للإرهاب الذي يهزنا، ويخلق نفسه في كل مرة من جديد ويواصل جباية ثمن دموي باهظ؟ في الجانب الآخر جيل فلسطيني شاب له أحلامه وإراداته، يسأل نفسه: حتى متى سنبقى تحت الاحتلال وفي فقر وبلا مستقبل؟ نحن ملزمون بالعمل لنوقف هذه المعاناة ولنعمل ما لم يعمله آباؤنا وأجدادنا منذ أكثر من خمسين سنة. يدور الحديث عن جيل لم يشهد الحروب، ولا الانتفاضات التي حدثت هنا.

جيل يرى أمام ناظريه حياة الرفاه والثراء والغنى الإسرائيلي، وليس مستعداً ليستسلم لمرارة مصيره وهذا الواقع الذي يعيش فيه وليس فيه ذرة مستقبل وأفق، وهذا دون صلة بحق العودة إلى الأراضي المحتلة وإلى رواسب الماضي. بينما، أي شاب طبيعي في عصرنا، كان مستعداً ليقبل ويسلم بمثل هذا الواقع.

بالطبع، الإرهاب ليس الجواب لمثل هذا الواقع، مثلما هو الصراع ضد الإرهاب. وعندما نحاول حل مشكلة أليمة وجذرية بهذا القدر، فإننا ملزمون بأن نستوعب بأن الإرهاب ضد الإرهاب ليس الحل، وأن النار لا يمكن إطفاؤها بالنار. كي نعطي لهذا الواقع جواباً حقيقياً وصحيحاً، فالمطلوب زعامة شجاعة، لا تتضمن آراء مسبقة ولا مؤثرات وضغوط، زعامة مستعدة للتصدي بشجاعة للواقع، واعية لكل إخفاقات الماضي، ورغم ذلك مستعدة للسير بشجاعة نحو تنازلات واتفاقات حتى لو كانت أليمة للطرفين؛ فبدون تنازلات سيتعذر الوصول إلى إنهاء هذا الصراع الخالد.

الواضح أن الوصول إلى حل سيبقى أمراً متعذراً مع قيادة أبو مازن وبنيامين نتنياهو؛ فكلاهما زعيمان فشلا على مدى الطريق في إيجاد حل للمشكلة، وكلاهما عديما الشجاعة والإرادة اللازمة للوصول إلى اتفاق، وكلاهما يخضعان لمؤثرات ولضغوط تمنعهما من الوصول إلى حل. من هنا، وفي الواقع كهذا ستواصل جنين إشغالنا وإقلاقنا كعش إرهاب بلا توقف حتى بعد"بيت وحديقة".


المصدر: معاريف

الكاتب: أفرايم غانور




روزنامة المحور