أمام واقع المقاومة المتصاعدة منذ سنتين في الضفة الغربية المحتلّة، والتي اعتبرت جنين الملهمة لباقي المناطق، حيث تأسست على غرار "كتيبة جنين" كتائب أخرى تابعة لسرايا القدس، ومجموعات من المقاومة الشعبية ومن الفصائل الأخرى، ركّزت مستويات الاحتلال على جنين ومخيمها باعتباره "نواة المقاومة وجذورها"، وأرادت، بحملات الاعتقالات والاغتيال التي لم تؤت أوكلها، مما اضطرها الى التوجه نحو خيار العدوان واسع، أن تقتلع هذه المقاومة. لكن هل تمكّن الاحتلال من تحقيق أهدافه الكبرى من هذا العدوان؟ في الإجابة، ينقل صحفي من مخيم جنين وقائع المعركة في حديثه مع موقع "الخنادق".
المخيم تحت سيطرة المقاومة
أكّد الصحفي والكاتب الفلسطيني من جنين، عصري فياض، أنّ "قوات الاحتلال دخلت من المحاور الجانبية واعتدت على مساحة تشكّل حوالي الـ 40% من المخيم، فيما بقيت المساحة الأكبر أي حوالي الـ 60% تحت سيطرة المقاومة الفلسطينية". وأضاف أنّ "قوات الاحتلال لم تدخل الى قلب المخيم، مثلًا "حارة الحواشين"، اقتحم الجيش أطرافها وليس عمقها، "جورة الذهب"، وهي قلب المخيم، "حارة الصوّان"، والى جانب 4 أو5 حارات من قلب وعمق المخيم لم يدخلها جيش الاحتلال".
كذلك، أوضح "فياض" أنّ كمائن المقاومة أجبرت الاحتلال على التخفيف من استخدامه للآليات في الشوارع من أجل نقل الجنود، وتحوّل الجيش الى تكتيك آخر، "هو هدم جدران المنازل والتقدّم عبرها. لكنّ المقاومة أدركت هذا التكتيك، وواجهته بنصب الكمائن أيضًا. وفي هذا الإطار أعلنت كتائب القسّام – الضفة الغربية عن "وقوع عدد من جنود الاحتلال في كمين محكم ومنسق بين السلاح العسكري في المخيم، أثناء محاولتهم التقدم عبر أحد المنازل".
بالإضافة الى ذلك، شدّد "فياض" أنه "حين تصبح المواجهة من مسافة صفر بين المقاومين الفلسطينيين وجنود الاحتلال، يلجأ الجيش الى التعزيزات الجوية والقصف عبر المسيرات"، مشيرًا الى أنّ "معظم الشهداء الذين ارتقوا لم يستشهدوا بفعل الرصاص المباشر بل بسبب القصف من الجو".
أهالي المخيم لم يتخلوا عن المقاومة
هذا من الناحية الميدانية العسكرية، أمّا بالنسبة لهدف الاحتلال في تفكيك معادلة التكامل بين الشعب والمقاومة، وسحب ورقة قوية من يد المقاومة ساهمت بشكل كبير في تصاعدها وهي الالتفاف الشعبي حولها، كانت خطة الاحتلال في التهجير وتدمير المنازل. وهنا وصف الصحفي من جنين "فياض" أن العارف بالمخيم سيلاحظ كيف غيّرت جرافات وآليات الاحتلال معالمه.
فـ "الاحتلال دمّر العديد من الشوارع في مخيم جنين، وعلى الأقل 4 شوارع باتت تبدو وكأنّ زلزالًا قد ضربها، ولا يمكن للمشاة السير فيها بسبب الركام. بالإضافة الى القصف المتواصل على المنازل عبر المسيرات. ومعظم بيوت المجاهدين المطاردين قصفها الاحتلال".
لكن تابع "فياض" أنّ "عدد سكان المخيم الذي يتراوح ما بين 17 ألف نسمة و14 ألف نسمة (هناك تفاوت في الأعداد بين احصائيات وكالة الغوث وبين الحكومة الفلسطينية)، لم يخرج منه الا حوالي الـ 4000، ومعظمهم من أطراف المخيم، حيث تكثّفت اعتداءات الاحتلال، ويمكن القول بأنّ الذين خرجوا من السكان هم من لديهم أطفال أو من لم تعد بيوتهم صالحة للبقاء فيها بفعل القصف والجرف".
اعتقالات طالت المدنيين
من ناحية أخرى، نفّذ الاحتلال بالتزامن مع العدوان حملة اعتقالات واسعة، ادعى فيها القاء القبض على عدد من المقاومين الفلسطينيين، الا أنّ "فياض" شدّد على أنّ الاحتلال لم يعتقل الا المدنيين"، ويذكر من معارفه من اعتُقل له أخ بعمر 59 عامًا وهو تاجر، وابن أخ سائق سيارة أجرى، مضيفًا "الاحتلال اعتقل صهري وحقق معه ومع ابنتي". وأوضح أن "من بقي في البيوت ويعتقلهم الاحتلال هم من المدنيين فلا يمكن أن يبقى مقاتلًا في منزله حاليًا".
المقاومة في تطور.. العدوان لن ينقذ الكيان
لربما حقق الاحتلال بعضًا من الأهداف التكتيكية في الميدان بزعمه ضبط أنفاق وورشات تصنيع العبوات التابعة لكتيبة جنين، وبإعادة مشاهد النكبة والتهجير الى ذاكرة الشعب الفلسطيني، وتدميره للبنية التحتية للمخيّم مع إدراكه صعوبة إعادة الترميم في ظل غياب السلطة الفلسطينية عن دورها الحقيقي تجاه المناطق والمخيمات، لكنّ قياس نجاح الأهداف الكبرى والاستراتيجية يكمن في الإجابة عن السؤال الآتي: هل سيُخلّص هذا العدوان مستويات الاحتلال من المقاومة في جنين والضفة؟ الإجابة وصلت باكرًا وفي أقل من 24 ساعة، حين قال المسؤول السابق لجهاز الاستخبارات "أمان"، تامير هايمان، أنّ "الأمر لا يتعلّق بتفكيك شيء ما، لأنّ المقاومة موجودة في قلوب الناس ودوافعهم". وبالتالي فإنّ المقاومة مستمرة وتتطور بوتيرة سريعة.
إذ، سجّلت المقاومة في جنين، وفي مقدمتها الكتيبة التابعة لسرايا القدس، أعمال عسكرية نوعية في معركتها "بأس جنين"، بما يثبت أنها انتقلت من العمليات عند الحواجز والمستوطنات الى المقاومة المنظّمة القادرة على إدارة حرب، وخوض أيام قتالية متتالية، مع صمود عدِيدها ومخزونها، والأهم حفرها الأنفاق الممتدّة على أمتار، وتصنيعها محليًا للعبوات الناسفة، التي أوقعت آليات الاحتلال في كمائن نوعية. وذلك رغم إجراءات الاحتلال الأمنية المشدّدة والتنسيق الأمني للسلطة الفلسطينية، وهنا يرى الاحتلال نقلًا لتجربة قطاع غزّة ومقاومته.