ثمة زيارات بين روسيا وإيران لا تمرّ في المشهد العالمي مرور الكرام. خاصة عندما تأتي في ظلّ أجواء إقليمية يمكن أن تؤدي إلى تغيير الجغرافيا السياسية في المنطقة. ولذلك، تعتبر التطورات الإقليمية في آسيا الوسطى والقوقاز، جزءًا من جدول أعمال زيارة وزير الدفاع الروسي إلى إيران سيرغي شويغو، والتي تشمل أيضًا تتبع المشتريات العسكرية للبلدين من بعضهما البعض. ووفقًا لتقارير وسائل الإعلام الإيرانية، فإن تطوير الدبلوماسية الدفاعية، وتوسيع التعاون الثنائي، فضلًا عن التعامل مع التهديدات المشتركة والإرهاب الدولي هي من بين الموضوعات الرئيسية للاجتماعات.
يقرأ المحللون الإيرانيون أن زيارة شويغو في هذا التوقيت مهمة لاعتبار أن وزير الدفاع الروسي هو مسؤول عسكري، ونظرًا لموقعه الأمني، فإنّ الرحلة التي تمّت، لديها مهمة تشرف على التطورات الأخيرة في القوقاز، خاصة أنّ الروس لطالما لعبوا أدوارًا لحلّ بعض التحديات التي يمكن أن تسبب أزمات خطيرة في الجوار الإيراني. ولاعتبار أن روسيا وإيران عملا سويًا لرفع المظلة الأمنية فوق المنطقة الإقليمية، مثل سوريا وأفغانستان بالإضافة إلى القوقاز، والتي تمتدّ إليها أصابع الكيان الإسرائيلي تحت المظلّة الأمريكية.
حضر شويغو في مقر القوة الجو فضائية التابعة لحرس الثورة الإسلامية. وتم عرض أحدث طرازات الطائرات بدون طيار والأسلحة الصاروخية، خاصة أنظمة الصواريخ، وكذلك الصواريخ الباليستية متوسطة وطويلة المدى. وكانت إيران قد سبق أن شاركت في شهر آب أغسطس الماضي في معرض أرميا 2023 العسكري في موسكو. ومن بين المعدات التي عُرِضت في الجناح الإيراني، قنابل بالابان الموجهة، وقنابل القائم، وصواريخ ساديد، والماس، والعواصف. وصاروخ أبابيل الذي يبلغ مداه 86 كيلومترا الذي تمّ عرضه لأول مرة في الجناح الإيراني في معرض الدفاع الروسي.
إلى ذلك، فإنّ هذه الزيارة، جاءت بعد أربعة أسابيع من زيارة قائد الجيش الإيراني، كيومارس حيدري إلى موسكو، وإعلانه عن اتفاقات، وصفها بـ "الجيدة"، مع القوات المسلحة الروسية. وعليه، يتّهم الغرب إيران بأن هذه الزيارات والاتفاقات، تقدّم فيها إيران لموسكو طائرات من دون طيار، وأسلحة أخرى، لاستخدامها في الحرب ضدّ أوكرانيا. إلا أن إيران تنفي باستمرار هذه الفرضية، وتقول إن المسيرات التي تستخدمها روسيا في هذه الحرب، استلمتها موسكو قبل بدء الحرب مع الغرب الجماعي في أوكرانيا.
تأتي زيارة شويغو أيضًا مع اقتراب الموعد النهائي لفرض حظر الأسلحة الإيراني بموجب القرار 2231، حيث أصبح بإمكان طهران تصدير واستيراد مجموعة من الأسلحة إلى بلدان مختلفة. صحيح أن الولايات المتحدة ستلتزم برفع الحظر، لأسباب قد تحمل نوايا خفض التصعيد المباشر مع إيران، إلا أن لعبة تقسيم الأدوار تبقى حاضرة على المسرح العالمي، إذ أعلنت مجموعة من الدول الأوروبية الاستمرار في إجراءات الحظر السابقة. وذلك على الرغم من محاولات إيران الدائمة لطمأنة الأوروبيين، أنّ قدرتها على تطوير صواريخ عابرة للقارات، لا يعني أنها فعلت ذلك. وأنها تعمل على تطوير ترسانتها العسكرية لأهداف دفاعية فقط، لا تتخطى مسافة الـ 2000 كلم. وهي المسافة التي تطال بها إيران الكيان الإسرائيلي المؤقت، الذي لا يتوانى عن اللعب حتى على حدود إيران، خاصة في النزاع القائم بين أذربيجان وأرمينيا، من أجل تغيير ترتيب المنطقة وموازين القوى بالاشتراك مع بعض دول الصراع القوقازي.
العدوّ الأول لروسيا وطهران، الولايات المتحدة، تراقب عن كثب تطوير روسيا وإيران لشراكتهما الدفاعية. وما يسمى بالعقوبات العسكرية، والتي كان من المفترض أن تمنع طهران من تطوير ترسانتها العسكرية، جعلت الأمريكي عاجزًا أمام عدد كبير من الحكومات في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية وحتى أوروبا، كلها تريد شراء المسيرات الإيرانية وأسلحة أخرى متطورة. خاصةً أن إيران هي التي تقرّر إذا كانت ستصدّر هذه الأسلحة أم لا.