الأربعاء 01 تشرين ثاني , 2023 04:20

احتواء تركيا للاستجابة الشعبية والحزبية في نصرة غزة

جمهور تركي رياضي مؤيد لفلسطين

لم تمنع المعرفة المسبقة ببراغماتية أردوغان المعهودة سيل الانتقادات لموقف الحكومة التركية من أحداث غزة في أولى أيام الطوفان الأقصى. وعلى الرغم من منطق "النهج الأكثر واقعية" الذي يغلب على سياسة أنقرة منذ فترة إلا أن برودة موقف الأخيرة ما كانت مرضية لا للداخل التركي ولا لجماعة حماس؛ وسرعان ما نحى الخطاب التركي باتجاه منعطف في خط الدفاع عن حماس. وما بين الأيام الأولى التي عبّر فيها أردوغان عن رفضه لاستهداف المدنيين "مهما كانت الجهة التي تقوم بذلك، ودعا الطرفين إلى ضبط النفس والأيام الأخيرة التي انتقد خلالها الهجمات العسكرية الإسرائيلية على غزة ورفع حدة الخطاب ضد الكيان المؤقت، تظهر العلاقة المتصاعدة لتركيا بالكيان المؤقت مجددًا منذ العام 2022 كالمشي على حافة الهاوية؛ ما رأى البعض في الخطوة استدارة مستجدة بعد مؤشرات اهتزاز علاقة تركيا بحماس بينما بالغ البعض في تقييم الموقف الجديد للرئيس التركي وتحدث عن احتمالية تغيير المعادلة بين تركيا والكيان. وعليه، تحاول الورقة قراءة التحوّل في الموقف التركي وتأثيراته والاتجاهات الجديدة الممكنة.
التحول في الخطاب التركي 
 شكّل نهاية الأسبوع الماضي مفاجأة لمتابعي مواقف أردوغان من الحرب على غزة وحماس. في الأيام الأولى، وصلت السفينة التركية محمّلة بالخضروات والفواكه إلى فلسطين، لكن ليس في إطار المساعدات الإنسانية للمدنيين الذين تلقوا أطنانًا من القذائف، لكن للمستوطنين الإسرائيليين. وكان أردوغان قال بصريح العبارة: "لا مشكلة لتركيا مع دولة إسرائيل"، لكن نهاية الأسبوع حملت معها لهجة عالية النبرة، أعلن من خلالها أن "حماس حركة تحرير لا منظمة إرهابية". 
 تعرّضت حماس لحملة انتقادات من حزب "العدالة والتنمية" التابع لأردوغان، وللمرة الأولى وصفت وسائل الإعلام التركية المملوكة للحزب الحاكم المرئية والمكتوبة، ونسبتها أكثر من 90%، ما قامت به حماس بأنه "إرهاب"، وماثلت ما بين استهدافها المدنيين وممارسات إسرائيل المتكررة بحق الفلسطينيين، ووصفت استهداف المستوطنين بأنها "جريمة حرب". وبرزت مؤشرات عدة على تضرّر علاقة الحركة بأنقرة، في مقدمها الطلب التركي من قيادات في الحركة مغادرة أراضيها، وفق ما نشره تقرير موقع «المونيتور» الأميركي، الأمر الذي نفاه "مركز مكافحة التضليل التابع" لدائرة الاتصال في الرئاسة التركية. وبحسب المخابرات التركية، فإن قرار المغادرة اتخذ بناء على تبليغ قيادات الحركة ومنهم الرئيس السياسي، "إسماعيل هنية" الذي كان موجودًا في أنقرة يوم طوفان الأقصى، بعدم إمكانية السلطات التركية ضمان أمنهم في ظل التهديدات الإسرائيلية. بيد أن الكاتب والمحلل السياسي التركي مراد يتيكين، لاحظ أن نفي الرئاسة التركية، "نُشر على استحياء" عبر تويتر باللغة العربية فقط، ولم يُنشر باللغة التركية، مفسرًا ذلك بأن أنقرة أرادت توجيه رسالة إلى الشارع العربي وفي الوقت ذاته محاولة إخفاء الأمر عن الشارع التركي.
 بعد اثنين وعشرين يومًا من القصف الإسرائيلي المدمر، حمل أردوغان على إسرائيل بالقول "أنتم محتلون وغزاة". وتوجه للكيان المؤقت بالقول: "نعلن أمام العالم بأسره أنك مجرمة حرب". وندّد بازدواجية المعايير في المجتمع الأمريكي والدولي في التعامل ما بين أحداث أوكرانيا وغزة، محدّدًا موقفه من حماس بأنها "ليست تنظيمًا إرهابيًّا وإنما مجموعة تحرر ومجاهدين تناضل لحماية مواطنيها وأراضيها"، ومهددًا الكيان ومتوعّدًا بالقول: "إسرائيل ستكون محتاجة إلى رحمة تركيا، وستأتي وتبحث عنها"، ومندّدًا بالغرب "المذنب الرئيسي" في المجازر. واللافت أنه نحا باتجاه اللغة الدينية الطائفية باتهامه الغرب بأنه يسعى لتوفير "جو جديد من الحملات الصليبية". وكان وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، أكد خلال كلمته في "مؤتمر القاهرة للسلام"، على أنَّ ما تفعله "إسرائيل" في قطاع غزة "جريمة بحقّ الإنسانية من دون اختلاق أعذار". إدانة تركيا المذابحَ التي تحدث للشعب الفلسطينيّ في غزّة، داعيًا "إسرائيل" إلى التوقّف عن ذلك.
 يأتي هذا الخطاب الشديد النبرة أو "الناري" من الرئاسة دعمًا لفلسطين في عشية احتفال الذكرى التاريخية لمرور قرن على قيام الجمهورية، في مطار أتاتورك القديم في إسطنبول، ما يظهر التعارض الكبير ما بين دعوات التهدئة وضبط النفس وتوجيه الاتهامات وتحويل اتجاهها. المناسبة التي رأى بعض الباحثين الأتراك فيها فرصة استغلها أردوغان لمكسب شخصي سياسي عبر "التنافس مع أتاتورك الذي يعمل على تقويض إرثه العلماني شيئًا فشيئًا". هذا التحوّل انعكس على مسؤولين في حماس، فاستعادوا ارتياحهم لموقف تركيا لما أورده الرئيس أردوغان في خطابه الأخير، كما ظهر في الإجراءات الأمنية المشددة التي اتخذتها السلطات القطرية والتركية لحماية تنقلات قيادات في حماس على أراضي البلدين.
محددات الموقف التركي من طوفان الأقصى
 يمكن قراءة الموقف التركي من أحداث غزة انطلاقًا من عدة محددات، أبرزها:
تطور العلاقة التركية مع الكيان المؤقّت والوضع الاقتصادي التركي
 أطلقت تركيا مؤخرًا عملية تطبيع العلاقات مع إسرائيل وتبريد القضايا العالقة بينهما في سياق خطة الإنعاش الاقتصادي وتعزيز المصالح الاقتصادية التركية سيما بخصوص سياسات الطاقة في شرق البحر الأبيض المتوسط. وبعد خلاف دام عقد من الزمن (2011)، بسبب حادثة السفينة التركية، مافي مرمرة، في كسر الحصار عن غزة، التقى أردوغان برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، للمرة الأولى منذ سنوات، في نيويورك في 20 أيلول الماضي على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة. وكان يفترض أن يزور وزير الطاقة التركي، ألب أرسلان بيرقدار، الكيان المؤقّت في أسبوع طوفان الأقصى لمناقشة مشروع خط الأنابيب الذي سينقل الغاز الطبيعي من الكيان المؤقت إلى أوروبا عبر تركيا.
مكانة تركيا في النظام الدولي
 إنه من الملفت أن يقيم الحزب الحاكم الاحتفال الجماهيري في اسطنبول لدعم غزة، بالتزامن مع توقيع أردوغان على بروتوكول قبول انضمام السويد إلى حلف الأطلسي (الناتو) في رسالة صداقة إلى أميركا والغرب، وإرساله إلى البرلمان. تسعى أنقرة إلى الحفاظ على مكانها الوسطي وعدم الرهان بالمكانة الدولية. وقد شهدت السياسة التركية العديد من التعديلات لأجل إصلاح العلاقة مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ومحاولة حل المسألة القبرصية. وفي هذا التوقيت، يعلن الوقوف مع غزة وحماس والقضية الفلسطينية ويتودد للحلف والأمريكي اللذين يتبنيان صراحة الهجوم الإسرائيلي. لطالما بحثت أنقرة لملء الفراغ كما في كسر حصار غزة (2010)، واحتواء حماس أثناء خلافها مع النظام السوري. وفي حين يشكل طوفان الأقصى والحرب على غزة فاتحة مرحلة جيو استراتيجية فارقة في ميزان القوى الإقليمية وربما الدولية، وتاليًا في بناء قواعد النظام العالمي الجديد، يجد أردوغان نفسه والمجموعة البرلمانية لحزبه أمام مطرقة غزة وسنديانة السويد لجهة تحديد جدول الأعمال والاتجاهات اللازمة في العلاقة مع الغرب، وتحديدًا في موضوع الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني.
علاقة السياسة الداخلية التركية مع الإسلام السياسي
تأثرت العلاقة التركية بحماس بعد فشل "الربيع العربي" ودخول تركيا الحرب في سوريا وازدياد التحديات الإقليمية والدولية على الأولى باتجاه ضرورة مراعاة الموقف السلبي من جماعة "الإخوان المسلمين"، وتأثيراته على العلاقة التركية مع حماس في وقت سعت فيه أنقرة إلى المصالحة مع الدول العربية كمصر والإمارات والسعودية. هذا التذبذب ما بين المعسكر القطري الإخواني والمعسكر الخليجي المناوئ، شهدت علاقة تركيا بحماس العديد من حالات التأرجح، مع الأخذ بعين الاعتبار الحفاظ على الظهور تحت راية القضية الفلسطينية مهما تطورت العلاقة مع الكيان المؤقت.

أسباب التحوّل في الموقف التركي
الضغوط الداخلية الشعبية والرسمية والإعلامية الناجمة عن رد الفعل الإسرائيلي غير المتكافئ والتصعيد العسكري والمجازر بحق المدنيين الفلسطينيين واستهداف دور العبادة والمستشفيات وقوافل النازحين؛ وكانت قوى تركية داخلية على رأسها رئيس حزب "المستقبل"، رئيس الوزراء السابق أحمد داوود أوغلو، قد انتقدت "تقاعس حكومة بلاده عن دعم الفلسطينيين كما يجب". كذلك تصاعد الغضب في الشارع التركي، وقامت التظاهرات في العديد من المدن الرئيسة، وتم استهداف السفارة بالمفرقعات النارية مع عدم السماح للمواطنين الأتراك من الاقتراب منها، حتى ارتفع التهديد الأمني على دبلوماسيي الكيان المؤقت لدرجة اتخاذ الأخير قرر إخراجهم. هذا، ويتبنّى مدير "مركز الأبحاث السياسية والاقتصادية" (سيتا) القريب من الحزب الحاكم، برهان الدين دوران، القول إن سياسة العقاب الجماعي في غزة دفعت إلى التحول إلى لهجة الانتقاد. كما اتخذت صحافة المعارضة التركية اتجاهًا لاذعًا للغاية في تعليقها على نتنياهو، حيث نشرت وسائل الإعلام الرئيسية، سوزكو، صورة كاملة على الصفحة الأولى له كـ "مصاص دماء".
الحاجة إلى احتواء وضبط الشارع التركي الشعبي والحزبي بإظهار الاهتمام بالقضية الفلسطينية، فقد نجح تصريح رئيس "الحركة القومية"، دولت باهشلي، بإيعاز من أردوغان حول وجوب إقامة دولة فلسطينية على أساس حدود عام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، في التفاف رؤساء الأحزاب حول الحكومة من باب تأييد الطرح، وفي مقدمهم رؤساء أحزاب المستقبل، والسعادة، والرفاه الجديد، وفي الحصول على تأييد لدى المحافظين والقوميين، وقطاع من الشعب التركي على مواقع التواصل. ويظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة "عريضة" أن غالبية الأتراك سيكونون على استعداد لانضمام القوات التركية إلى قوة حفظ السلام في غزة (في حالة تشكيلها)، ويؤيدون بأغلبية ساحقة وقف الأعمال العدائية وينتقدون الرد الإسرائيلي.
صورة تركيا أمام الرأي العام الخارجي المندد بالحرب على غزة واستحالة الحياد في ظل موقف الرئيس أردوغان وحزبه الحاكم من القضية الفلسطينية. قامت السياسة الخارجية التركية على مبدأ التضامن مع الفلسطينيين ما ساهم في خلاف دام عقدًا من الزمن مع إسرائيل وأصدقائها الإقليميين. 
نزعة دور الوساطة والمصلحة: يعتمد أردوغان على دور الوسيط في تثبيت مكانة تركيا الدولية، لما يوفره دور "الوساطة" و "التفاوض" من صورة وسطية لأنقرة في الاعتدال ومنع التصعيد، ومن إبراز دور تركيا كلاعب إقليمي أساس لا غنى عنه، ومحل ثقة لدى الأطراف المتنازعة. وقد برزت الوساطة التركية مؤخرًا في الحرب الروسية- الأوكرانية، بحيث تحافظ على ثقة الرئيس الروسي بوتين وتعزّز علاقتها بخصمه الاستراتيجي، الحلف الأطلسي، مع استمرار مسعى الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. على الرغم من التأخر التركي في قراءة التداعيات الجيواستراتيجية لليوم السابع من تشرين الأول، إلا أنها استدركت في استدارة حادّة. وقد حاول مسؤولو الاستخبارات التركية الدخول على خط الوساطات في المرحلة الأولى من الصراع وإجراء اتصالات مع حماس في موقف تنافسي ما بين قطر ومصر وتركيا، بعدما تحوّلت الاتصالات بين تركيا وحماس في معظمها إلى قطر، مع احتفاظ مصر بدورها التقليدي والـ "موثوق" من الجانب الإسرائيلي. 
العديد من الدول الغربية طالبت أنقرة بالسعي للإفراج عن مواطنيها، وتتوقع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أن تبذل تركيا، إلى جانب مصر وقطر، جهودًا لإطلاق سراح الرهائن لدى حماس، وفقًا للمحلل السياسي التركي، مراد يتيكين، مع العلم أن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين حذف الإعلان عن حديثه مع نظيره التركي لتشجيع "دعوة تركيا لوقف إطلاق النار والإفراج عن جميع الرهائن الذين تحتجزهم حماس" على حسابه على وسائل التواصل الاجتماعي، في اليوم التالي للطوفان. كما لم تشمل زيارة بلينكن اللاحقة إلى القوى الإقليمية، مصر والأردن والمملكة العربية السعودية والبحرين والإمارات العربية المتحدة وقطر، تركيا، مما أعطى رسالة مفادها أن إدارة بايدن ليست متعاطفة مع فكرة الوساطة التركية. وفي حركة دبلوماسية سريعة على خط الوساطة، بدأت المحادثات مع الجناح السياسي لحماس عبر قنوات مباشرة، فاتصل أردوغان برئيس المكتب السياسي لحركة حماس، هنية، يوم الاحتفال الجماهيري، ومن ثم اتصل بالأمين العام لحلف شمال الأطلسي، ينس ستولتنبرغ، للموضوع ذاته. حديثًا، يتم تناقل اقتراح تركي يقضي بنشر قوات تركية للسلام بين الجانب الاسرائيلي وقطاع غزة لتهدئة الأوضاع على غرار قرار 1701 لكن بحلة عربية. كما اقترح أردوغان تنظيم "مؤتمر سلام فلسطيني – إسرائيلي" دولي يضم جميع الفاعلين في المنطقة، بحيث تكون تركيا أحد الضامنين للجانب الفلسطيني بحضورها الإنساني والسياسي والعسكري.
التفاعل الأمريكي والغربي مع التحوّل التركي
  الهدف النهائي للرئيس أردوغان من خطاباته هو الحضور والتأثير في تسوية ما بعد الحرب المتعلقة بغزة وأن يكون لاعبًا رئيسيًا في عملية الوساطة وإعادة الإعمار. وتقوم تركيا بتعديل النهج الدبلوماسي والاستراتيجي باتزان يتمحور حول ضرورة العودة إلى مفاوضات حل الدولتين وعلاقات العمل الإيجابية مع القاهرة والقدس. ومن الواضح أن أنقرة تتحرك بدور الوساطة بما يؤمن علاقاتها مع الجانبين بأقل قدر من الضرر للمصالح التركية. وحتى الآن، لا يريد أردوغان إثارة غضب إسرائيل، إنما يريد أردوغان اغتنام الفرصة لعرض "صورة لزعيم عالمي يحاول حل الأزمات الدولية"، وفق ما تفيده تجربة الحرب الروسية الأوكرانية ودبلوماسية ممر الحبوب.
 بعد تصريحات 28 تشرين الأول التي اتهم فيها أردوغان إسرائيل بارتكاب "جرائم حرب"، أعاد المسؤولون الإسرائيليون وصف انسحاب الموظفين الدبلوماسيين من أنقرة في وقت سابق من الأسبوع بأنه إعادة تقييم للعلاقات وليس كإجراء أمني احترازي، بيد أن مصير المصالحة التركية مع الكيان، التراجع أو الإلغاء الكلي، يتوقف على مدى تبنّي أنقرة رسميًّا للاتهامات. أما بالنسبة للعلاقة مع واشنطن، فقد يتم تأخير إجراء بشأن شراء تركيا للطائرات المقاتلة من طراز F-16، من بين أمور أخرى، وهو رهن على ما إذا كانت تصريحات 25 تشرين الأول كانت بمثابة ازدهار خطابي للاستهلاك المحلي أو قرار بالتوقف عن الابتعاد عن حماس. وتمثل ظروف وتطورات الحرب تحديات حساسة أمام حسابات أردوغان في تعيين النهج الأمثل في حال الغزو البري الإسرائيلي وطول الحرب وازدياد الضغط الشعبي عليه، ما يمكن أن يؤثر في رفع حدة التوترات المتصاعدة في العلاقات التركية الإسرائيلية.
خلاصة وتقييم
 تتحرك أنقرة انطلاقًا من ضرورة موازنة موقفها بعناية والسعي لتجنب تداعيات جديدة بعدما أدى هجوم حماس إلى تعطيل الخطط والتوازنات في علاقات تركيا الخارجية، وكذلك على المستوى العالمي. لطالما حافظت تركيا على مناصرتها للقضية الفلسطينية مع تهدئة العلاقات مع الحركة، لكنها تسعى أيضًا إلى ضبط طريقة التعاطي مع الكيان المؤقت لعدم تعريض العلاقة المتجددة معها للخطر.
 رفع أردوغان حدة الخطاب عاليًّا؛ مسارعًا بذلك لحجز دور في المرحلة الجيو استراتيجية الراهنة وتداعياتها المقبلة، ولو على مستوى "الوسيط" حاليًّا، وإبداء الجهوزية لضمان "تسوية مستقبلية". احتدّ الخطاب التركي لكن لم تُتخذ أي إجراءات عملية على المستوى الدبلوماسي لجهة استدعاء السفير أو التهديد بقطع العلاقات، أو التحذير من عدم ضمان الأمن المدني الإسرائيلي في تركيا من غضب الشعب في حال استمرار المجازر، فضلًا عن استخدام ورقة الاستثمارات التركية الإسرائيلية المشتركة. وبذلك، تتماثل حالة تركيا مع بقية الدول العربية التي تشهد "هبّات" شعبية كمصر والأردن، في احتواء الاستجابة بغية تبريد أجواء الداخل عبر إلقاء الثقل على الدولة والظهور أمام كل من القوى الشعبية والحزبية بأنها تقوم بواجبها تجاه القضية الفلسطينية بما يخفف من الاحتقان الداخلي. 
 وعليه ووفق المعطيات الحالية، لا يترتب على التحول في الخطاب التركي أي نتائج ولا يبنى عليه أكثر من استثمار سياسي في احتفال تاريخي، سيما في حال لم تشهد الحرب في غزة تطورات تفرض ديناميكية مختلفة على الموقف الرسمي التركي، ما يجعل عملية الاحتواء ضعيفة وهشّة وشكليّة لا تكفي لمواجهة غضب الشارع والضغط الحالي في ظل استمرار الحرب على غزة وقتل المدنيين من النساء والأطفال. قد تتعرض حكومة أردوغان للمزيد من الضغوط لقطع العلاقات مع حماس واتخاذ موقف أكثر صرامة ضد إيران، وستحاول تركيا من موقعها في الناتو، ممارسة نفوذها، لكن اتساع الصراع سيفرض على أنقرة اختبار الصراع الحقيقي بين الشعبوية الداعمة لفلسطين والداعمة لحكومة أردوغان والواقعية السياسية والامتثال لضغوط الخارج بعيدًا عن الآمال والتطلّعات الشعبية.

للحصول على الملف بصيغة pdf إضغط هنا.


المصدر: مركز دراسات غرب آسيا




روزنامة المحور