السبت 06 كانون الثاني , 2024 10:32

الكيان المؤقت.. وأطماع الليطاني

مقاوم يرصد القصف الاسرائيلي في جنوب لبنان

لا نبالغ ان قلنا ان المطامع الصهيونية في لبنان كانت قائمة منذ أن أخذت الحركة الصهيونية تعد العدة لإنشاء الكيان المؤقت في فلسطين، وأن جهود الصهيونية في سبيل هذه المطامع لم تنقطع في أي وقت من الأوقات وهي لا تزال قائمة حتى اليوم.

أما مرد هذه النزعة التوسعية فهو أهمية لبنان الجنوبي للحركة الصهيونية من وجهتين حيويتين:

  1. الوجهة الأولى هي وجود منابع مياه الأردن ومجرى نهر الليطاني ومصبه في تلك المنطقة.
  2. والوجهة الثانية هي الأهمية العسكرية والاستراتيجية لهذه المنطقة بالنسبة للكيان المؤقت.

وليس خافياً، أن هذين الاعتبارين يشكلان شغل الصهيونية الشاغل في جميع الأوقات والظروف.

وقد احتجت الحركة الصهيونية بشدة على اتفاقية سايكس- بيكو السرية، وكيف أعلنت عدم اعترافها بأي "تقسيم" لفلسطين تتفق عليه الدول فيما بينها. ومن الواضح ان الإشارة الى "التقسيم" وتعني فصل لبنان الجنوبي عن فلسطين، وكانت المقالة التي نشرتها "فلسطين" في 5 أيار 1917 الى أن بانياس كانت ضمن ممتلكات القبائل اليهودية.

كذلك اكدت جميع البيانات الصادرة عن الحركة الصهيونية الى رغبة الصهاينة في الاستيلاء على لبنان الجنوبي. وفي أحد مسودات المذكرة التي قدمتها الحركة الصهيونية الى مؤتمر السلام طالب هيربرت صموئيل (سياسي بريطاني وأول مندوب سامٍ عينته بريطانيا في فلسطين المنتدبة، وهو يهودي صهيوني) بإدخال ضفتي نهر الليطاني والحد الشمالي الأعلى لمنابع نهر الأردن قرب راشيا ضمن حدود الوطن القومي اليهودي.

وفي المذكرة الرسمية ذاتها التي قدّمتها الحركة الصهيونية الى مؤتمر السلام نجد أن المطامع التوسعية في لبنان الجنوبي تحتل المكان الأول في مطالب الصهيونية ومخططاتها، وتقول المذكرة:

إن حدود فلسطين سوف تتبع الخطوط العامة الموضوعة كما يلي:

"تبدأ من الشمال عند نقطة البحر الأبيض المتوسط بالقرب من صيدا وتتبع منابع المياه التي تنبع من سفوح سلسلة جبال لبنان حتى جسر القرعون ثم الى البير، وتتبع الخط الفاصل بين حوض وادي القرن ووادي التيم ثم الى اتجاه جنوبي يتبع الخط الفاصل بين المنحدرات الشرقية والغربية لجبل الشيخ..."

وفي 2 تشرين الثاني/نوفمبر1919 اقترحت نشرة "فلسطين" الناطقة باسم الصهاينة مد الحدود الى شمال صيدا، وإدخال مدينة صيدون القديمة ضمن الأراضي الفلسطينية، فيشمل الساحل الفلسطيني بذلك ضواحي مدينة بيروت.

وفي 6 كانون الأول/ديسمبر 1919 حددت زعامة الحركة الصهيونية أطماعها بلبنان الجنوبي على الشكل التالي: "الحقيقة الأساسية فيما يتعلق بحدود فلسطين هي أنه لا بد من ادخال المياه الضرورية للري والقوة الكهربائية ضمن هذه الحدود، وذلك يشمل مجرى نهر الليطاني ومنابع مياه نهر الأردن وثلوج جبل الشيخ".

وفي اجتماع حضره فرانكفورتر (صهيوني أميركي كان يتمتع بنفوذ لدى الرئيس ولسون) والقاضي برانديس، وبلفور (صاحب "الوعد") واللورد بيرسي، جرى حديث حول الشروط الضرورية لتحقيق البرنامج الصهيوني في فلسطين. وقد وجد المجتمعون أن هناك ثلاثة شروط أساسية هي:

"أولاً، أن فلسطين يجب أن تكون الوطن القومي لليهود لا أن يكون لليهود وطن قومي في فلسطين وحسب.

ثانياً، يجب توفير مجال اقتصادي رحب لفلسطين اليهودية واكتفاء ذاتي وحياة اجتماعية صحية. وهذه يعني حدوداً مناسبة لا مجرد حديقة صغيرة في فلسطين. ويعني ذلك السيطرة على المياه في الشمال...".

لكن بعد ان توصلت بريطانيا الى اتفاق مع فرنسا حول الحدود بين مناطق الانتداب، أبدى زعماء الحركة الصهيونية سخطهم على هذا الاتفاق الذي أفقدهم "الليطاني" والأردن الأعلى وجبل الشيخ وحوران، وحاولوا جهدهم لتغيير الحدود سلمياً عن طريق إقامة جاليات في لبنان وسوريا.

لم تنثن، الحركة الصهيونية عن محاولاتها للاستيلاء على منابع المياه في لبنان قبيل قيام الكيان المؤقت وبعد قيامه، فقامت الحكومات الإسرائيلية بالاجتياحات لجنوب لبنان لكن كانت ارض الجنوب ولادة،  وكانت ولادة المقاومة التي تصدّت بالسلام والمعرفة والوعي لغطرسة صهيون، وسطرّت دماء الشهداء دروس العزة والكرامة، ورفعت سياج حماية للبنان، وجعلت أحلام العدو كوابيس تدك عقول جنرالاته وساسته.


الكاتب:

نسيب شمس

-كاتب وباحث سياسي




روزنامة المحور