بعد عدة أسابيع من بدء الاجتياح الإسرائيلي لقطاع غزة، تصدر مصطلح "اليوم التالي" للحرب وسائل الاعلام العبرية الغربية وكثُر ذكره على لسان المسؤولين في إشارة إلى أن القضاء على حماس بات أمراً مَقضياً والحاجة الآن تكمن في نقاش "ما يلي". لكن بعد 8 أشهر على الغزو، والهجوم الذي شنه وزير الحرب الإسرائيلي على رئيس الحكومة أمس، والهجوم المضاد الذي قام به الأخير ملمحاً ليوآف غالانت دون أن يذكره، يشي بأن "اليوم التالي" محض دعاية في الحرب النفسية، وأن استنزاف جيش الاحتلال سيستمر في ظل اتساع الهوّة بين أعضاء الليكود من جهة ووزراء الحكومة من جهة أخرى.
خاطب غالانت نتنياهو بنبرة غير مسبوقة، مطالباً بخطة واضحة "لليوم التالي". ومُبدِيَاً هواجس المؤسسة الأمنية من تسلمها إدارة القطاع عسكرياً ومدنياً. وقال في مؤتمر صحفي أنه سيعارض "أي حكم عسكري إسرائيلي للقطاع لأنه سيكون دموياً ومكلفاً وسيستمر أعواماً"، داعياً نتنياهو إلى "إعلان أن إسرائيل لن تسيطر مدنياً على قطاع غزة، وإيجاد بديل لحركة حماس". وأشار إلى انه حاول منذ تشرين الأول/ أكتوبر الترويج لخطة لإقامة بديل حكم فلسطيني غير عدائي لحماس لكنه لم يتلق أي رد من الحكومة الإسرائيلية".
وتزامن خطاب غالانت مع تصريحات لوزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن قال فيها إنه "يتعين على إسرائيل وضع خطة واضحة ومحددة لمستقبل قطاع غزة... لا يمكن أن يُترك فراغ في غزة لتملأه الفوضى".
بعد ساعات قليلة من تصريحات غالانت، رد نتنياهو -دون ان يذكر اسمه- بهجوم مضاد بالقول أن "القضاء على حماس دون ذرائع هو الشرط الأول لليوم الثاني للحرب". مضيفاً أنه "ليس مستعداً لاستبدال حكم حماس بالسلطة الفلسطينية". واصفاً الأخيرة بأنها "كيان معادٍ... ليس هناك ما يمكن الحديث عنه في "اليوم التالي" في غزة".
وكان نتنياهو قد رفض المقترحات الأميركية بأن تلعب السلطة الفلسطينية دوراً قيادياً في غزة بعد الحرب، أو النظر في مسار إلى إقامة دولة فلسطينية، بحجة أن ذلك "سيكافئ حماس على فظائعها التي ارتكبت في 7 أكتوبر". ويعتقد محللون اسرائيليون إن "رفضه معالجة جوهر الصراع الإسرائيلي الفلسطيني يحبط تأييد الدول العربية في التخطيط للأمن بعد الحرب: من سيريد أن يأتي ويحكم ويكون أساساً شرطة الاحتلال الإسرائيلي؟ إسرائيل تغلق جميع السبل التي تبدو معقولة".
من جهتها، سخرت صحيفة إسرائيل هيوم العبرية من هذا الطرح. وقالت في تقرير أن "المستوى المهني بأكمله في نظام الأمان يعتقد أن هذه مناقشة ضرورية. إن مقاتلي جيش الدفاع الإسرائيلي يخاطرون بحياتهم وأحياناً من أجل احتلال الأحياء التي احتلوها بالفعل. لكن نتنياهو، ليس مستعداً لمناقشة هذا الأمر قبل هزيمة حماس، ما هو بالضبط تعريف "هزيمة حماس" الذي أفترضه؟ فهو لا يتعلق بإجراء تجريبي، بل بتاريخ: هزيمته ستُعلن، بحسب نتنياهو، قرب انتخابات 2026".
كما علقت صحيفة هآرتس العبرية بالإشارة إلى أن "هذه التصريحات تعبر عن عن قلق متزايد بين الوزراء الثلاثة وقادة الأجهزة الأمنية من الاتجاه الذي تسلكه الحرب مع حماس. القضية ليست فقط "اليوم التالي" والتوصية بأن تحدد الحكومة هدفاً دبلوماسياً بالإضافة إلى أهدافها العسكرية. هناك أيضاً تساؤلات حول توقف مفاوضات الرهائن، واستمرار القتال في رفح، والانقسامات المتزايدة مع مصر والولايات المتحدة".
الواقع، أن كلا من نتنياهو وغالانت محق في هواجسه. اذ أن نتنياهو يدرك بأن أهدافه من الحرب لم تتحقق بعد، فيما يخشى غالانت من الاستمرار بهذا المسار لن يزيد المؤسسة الأمنية إلى تكاليف بشرية ولوجستية بفعل الواقع الميداني.
وتشير صحيفة واشنطن بوست الأميركية في هذا الصدد إلى انه "في كانون الأول/ ديسمبر الماضي عندما أعلن الجيش الإسرائيلي النصر في مخيم جباليا، قال إنه كسر قبضة حماس على معقلها التقليدي في شمال قطاع غزة. وقال العميد إيتسيك كوهين، قائد الفرقة 162، حينها: "جباليا ليست جباليا كما كانت من قبل"، مضيفاً أن "مئات الإرهابيين قُتلوا واعتقل 500 مشتبه بهم... بعد خمسة أشهر، عادت القوات الإسرائيلية إلى جباليا" مرة أخرى.
الكاتب: غرفة التحرير