الإثنين 03 حزيران , 2024 08:43

مستقبل سوريا لن يحسم في بروكسل ومؤتمراتها

مؤتمر بروكسل حول النازحين السوريين

لم يحتج مؤتمر بروكسل أكثر من بضع ساعات خلال اجتماعه ليقر مبلغ 7.5 مليار يويرو مساعدات للسوريين في الدول التي لجؤوا إليها. ويبدو من هذا القرار أن الأزمة السورية الإقتصادية الخانقة مستمرة على الأقل حتى العام القادم، ولربما أعوام تليها، اذ لم يشبع الأميركي والفرنسي من مص دماء الشعب السوري والدفع نحو إفقاره، وبات أكبر آمال السوريين التدافع في البحر نحو أوروبا ومنها إلى باقي دول العالم الغربي والتي منها يتدفق المال. والمؤتمر الذي عقد في 27 أيار المنصرم ناقش مستقبل سوريا، مصيبة هذا التعاطي مع أية دولة في العالم على أن مصيرها ومستقبلها يناقش في الدول الغربية وكأننا في بدايات القرن العشرين، في وقت بدأت فيه قارات بأكملها، وخاصة أمريكا الجنوبية وأفريقيا تتقيأ الغرب كما يتقيأ الطفل المريض، بينما يتصرف كالمسعور من أجل الحفاظ على قوته في مصر وبر الشام. ومنذ العام 2011، دفع الإتحاد الأوربي مبالغ بقيمة 30 مليار يورو ليس لدعم النازحين السوريين، ولكن من أجل دعم حلفائه له واستمرار وقوفهم إلى جانبه وإلى جانب الأميركيين في حربهم التي ابتدأت على النظام المقاوم في سوريا من أجل هزيمته.

يعود المؤتمرون ليطرحوا الحل السوري من خلال القرار 2254، والذي ينص فيما ينص على تقويض صلاحيات رئيس الجمهورية وتقاسمها مع رئيس مجلس الوزراء. أي المطلوب بلد بلا رأس وبلا أذرع، وبلا قوة ولا آلية للعمل تحت مسمى توزيع القوى السياسية وتحويل البلد لى مجموعات من الكانتونات العرقية والطائفية على الطريقة اللبنانية أو الطريقة العراقية. وبذا يتم تقسيم مجلس الشعب حتى لا تكون له كلمة موحدة. هذا النوع من التقسيم يقوم على تقاسم البلد كحصص يتناهشها الحاكمون وكأنه قطعة خبز. مع العلم أن سوريا عقد ماسي، بما فيها من خيرات وخاصة الغاز والسيليكا والقمح والقطن والموقع الجغرافي الأهم في العالم، والذي تحاول القوى التي تصارعت، أو قادة الصراع في سوريا منذ العام 2011 إبقاء الأحوال على ما هي عليه فيها.

هناك قوى أميركية وبريطانية وفرنسية تسيطر على شرق الجزيرة والبادية السورية من خلال عملائها من قوات سوريا الديمقراطية [قسد] والتي تحكمها إدارة ذاتية مدنية وعسكرية كردية ينتشر فيها أكراد من تركيا ومن جبال قنديل. والمتحركون في مدينة السويداء والذين تتمركز قياداتهم من خلال حزب اللواء السوري في فرنسا. وتركيا في الشمال السوري من خلال الجماعات الإرهابية التي ابتدأت هجوم جسر الشغور والمتمركزة في إعزاز ومنهم أيضاً جماعات الإخوان المسلمين الذين تحتضنهم تركيا منذ العام 2011، المتأملون باستلام الموقع الهام في رئاسة الوزراء عند تطبيق القرار 2254. وهنا علينا ألا ننسى دور "الموساد" الصهيوني المتغلغل في جميع المناطق المحتلة أو التي ابتدأت التحركات الجديدة في السويداء.

ومن القوى المتواجدة في سوريا، هم من الحلفاء وخاصة روسيا، المتواجدة على الساحل السوري وفي بعض حقول النفط والغاز السوريين في منطقة غرب الجزيرة السورية، والتي كان يسعى الأميركي للسيطرة على مواقع تواجدها في الآونة الأخيرة حين قصف شرق دير الزور في العام الماضي. وهنا يمكننا القول أنه في جزئية من الحرب على روسيا هو محاولة لزعزعة تواجدها القوي في المياه الدافئة في البحر والمتوسط وفي أفريقيا بالتأكيد. لأن الغرب مستاء من الفراغ، الذي يملأه الروسي والصيني من خلال الاستثمارات الكبيرة في إفريقيا وأمريكا الجنوبية، بعد أن ملت هذه الدول من دوره ومفهومه كمستعمر. وقد أعلن الناطق الرسمي للإتحاد الأوروبي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لويس ميغيل بوينو، أن:"دعم مؤتمر بروكسل يهدف لحل سياسي في سوريا وفق قرار مجلس الأمن رقم 224". إذن ليس هناك أهداف او أية معطيات أخرى من أجل المؤتمر، وما يتوقعه هؤلاء هو زيادة الضغط الإقتصادي على سوريا في حين تتفاقم أزمة اللاجئين في دول الجوار، وتتفاقم المؤامرات للضغط عليهم، دفعاً نحو الإنفجار الكبير.

ما هو نوع الإنفجار الذي يتوقعه الأوروبيون نتيجة للضغط المتزايد؟ هل يتوقعون انفجاراً في داخل الدول المستضيفة، أم انفجاراً باتجاه الدولة في سوريا؟ على كل كمية السلاح التي اكتشفت في لبنان في مخيمات اللجوء لا تبشر بالخير، ومستوى بيع السلاح في مدينة إدلب في المناطق المحتلة من قبل التركي، كبيرة جداً، حتى بات الأطفال قادرين على اقتنائه بحسب مصادر تحدثت للخنادق. ويبدو أن أصحاب مؤتمر بروكسل لم يشبعوا قتلاً وتدميراً في سوريا. وإذا كنا نتذكر فإن أهم أسباب الحرب على سوريا، وهو السبب الذي جاء من أجله، كولن باول، وزير الخارجية الأميركي بعد احتلال العراق في العام 2004، والتقى مع الرئيس السوري بشار الأسد، كان من أجل تهديد الرئيس الأسد بضرورة وقف مساعدة المقاومة في لبنان والسير باتجاه عملية السلام مع الصهاينة، وإلا! فكان الجواب الذي تلقاه كان صادماً، ولم تتوقف سوريا عن دعم المقاومة، فجاء القرار 1559، والذي قضى بخروج سوريا من لبنان، واغتيل رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري في العام 2005، في محاولة لدب الفوضى في المنطقة وحصار سوريا والمقاومة بعد احتلال العراق.

واليوم، وبعد اندلاع الحرب ضد حماس في فلسطين بعد العملية البطولية التي قامت بها المقاومة الفلسطينية باسم "طوفان الأقصى" وقد بان حجم الإنهزام الداخلي الذي يعاني منه الكيان في الداخل، واجتماع محور المقاومة على دعم غزة وفلسطين في اليمن والعراق، وكبرت دائرة محور المقاومة وباتت تضم إلى جانب المحور المتواضع المكون من المقاومة في لبنان وحلفائها فيه، سوريا وإيران، لتضم اليوم كل من اليمن والعراق، وعودة توهج المقاومة أكثر فأكثر في داخل فلسطين المحتلة، كيف يمكننا تصور أن القرار الأوروبي سيكون بدعم النازحين السوريين في بلدهم، أو على الأقل بفك الحصار عن سوريا؟ إنها سلسلة الهزائم التي لحقت بالغرب منذ العام 2011 وحتى اليوم، والتي ستتسبب بأزمة أوروبية- أميركية بسبب عدم قدرتهم على تحقيق أي من الأهداف التي وضعوها.

ما زاد الطين بلة، انفتاح عرب الخليج العلني على سوريا، ومع العلم أنهم ما يزالون ينتظرون الضوء الأحمر ليخفت وهجه من قبل الأميركي، من أجل بدء الإستثمارات في سوريا، فعلى الأقل بات رفضهم دفع المزيد من الأموال من أجل إعادة تأجيج الحرب في سوريا أمراً هاماً، وهو سيؤجج الأزمة الأوروبية المالية على الأقل ويطرح السؤال: متى ستعجز أوروبا عن دفع المزيد من هذه الأموال؟ والجواب سيكون: عندما يفتح لبنان شواطئه للراغبين بالهجرة من السوريين وغيرهم دون قيد أو شرط. وعندها لن ترفع أوروبا العجوز العشرة فقط، بل سترفع الحصار!


الكاتب:

عبير بسّام

-كاتبة صحفية، عضو في الرابطة الدولية للخبراء والمحللين السياسيين / ماجستر في العلاقات الدولية من جامعة LAU 




روزنامة المحور