السبت 18 أيار , 2024 01:15

النازحون السوريون في لبنان والحصار الدولي

مخيم للنازحين السوريين في لبنان

تفاقمت أزمة النازحين السوريين التي عرفها لبنان منذ العام 2011، والتي يرى فيها البعض أنها تمثل خطراً وجودياً على تركيبة لبنان الطائفية، خاصة وأن القوى الغربية وتحديداً الولايات المتحدة و"اسرائيل"، ترى في الوجود السوري قوة ديموغرافيه كبيرة. فيما رأت قوى أخرى أنها مصدر لقوتها إذا ما نجح المشروع الصهيوني الأميركي في لبنان وسوريا، عبر فرض وجود وتجنيس اللاجئين السوريين وبقاءهم في لبنان. ويعتقد أصحاب هذا المشروع أنه بإمكانهم من خلال هؤلاء إشعال حرب أهليه جديدة في لبنان يكون هؤلاء وقودها، ويؤكد ذلك انتشار أخبار وجود السلاح في مخيمات اللاجئين. واليوم وبعد تحرر معظم الأراضي السورية من الإرهاب ما يزال النقاش بين اللبنانيين بين مؤيد لعودتهم وما بين معارض لها، وما بين منسجم مع هذا الوجود وآثار حمله الثقيل على لبنان وسوريا، خاصة هؤلاء الذين حققوا مكاسب هائلة عبر الأموال التي دفعتها مفوضية اللاجئين في لبنان وما دفعها الإتحاد الأوروبي والسفارة الأميركية من أجل دعم بقائهم.

يوم الإثنين الماضي لفت السيد حسن نصر الله إلى عمق المشكلة الذي بات يعاني منها لبنان، وخاصة بعد أن جاءت هبة من الإتحاد الأوروبي بقيمة مليار يورو تدفع على أربع سنوات من أجل دعم الدولة اللبنانية على تحمل أعباء اللاجئين السوريين. وهذا يعني أن أزمة النازحين السوريين ستستمر لأربع سنوات قادمة. ولفت السيد نصر الله إلى أمر حقيقي وهو أن لبنان قادر على طلب عشرات المليارات من اليوروهات مقابل عبء النزوح الذي تحمله، خاصة وأنه بحسب الجلسة البرلمانية التي عقدت يوم الأربعاء فإنه قد وصل لبنان أكثر من 23 مليار دولار مساعدات للاجئين السوريين ذهبت بشكل مباشر إلى المؤسسات التي تعاملت معهم وبعضها حقيقي وبعضها وهمي وبعضها كان "غب الطلب".

في الواقع جلسة يوم الأربعاء كان مهزلة، حسم أمرها الوزير علي حسن خليل عبر سلسلة اقتراحات تضمن جزءاً مهماً من حل قضية النزوح السوري وأولها إعادة العلاقة الرسمية مع الدولة السورية، لأن أي حل لهذه المشكلة لن يكون ممكناً إلا عبر القنوات الرسمية السورية وأولها التعاون ما بين وزارتي خارجية البلدين ومعنى ذلك التعاون ما بين الحكومتين، وما يلي ذلك هو مجرد إجراءات شكلية.

يعتبر البعض أنه في شباط/فبراير العام 2004 ومع اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري بدأت معضلة الوجود السوري في لبنان، وهذا الكلام غير دقيق. صحيح أنه بعد عملية الاغتيال خرج الجيش السوري من لبنان، لكن الوجود السوري يمثل معضلة للجميع في لبنان وكل كان يراه من زاوية الحاجة أو العقبة التي مثلها. فوجود الجيش السوري في لبنان كان يعتبره بعض اللبنانيين احتلالاً وطالب بخروجه، وبالنسبة للبعض الآخر كان حاجة من أجل دعم المقاومة، ولا يخفى على أحد فتح مخازن السلاح السوري في البقاع للمقاومة في اجتياح تموز 1993، وفي اجتياح نيسان 1996.

انتشرت مخيمات النزوح السوري في ثلاث دول تقع على حدود سوريا، والدول الثلاث شاركت في صناعة الأزمة السورية وتآمرت عليها، إضافة إلى دول عربية سارت في المسار الذي رسمته كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا و"اسرائيل". وأما الدول التي شاركت عبر قبض الأثمان فهي الأردن وتركيا ولبنان، وأما تلك التي دفعت الأموال الطائلة والتي بلغت مئات المليارات، بحسب ما صرح به منذ سنوات حمد بن جاسم، وزير الخارجية القطري قبل انقلاب الإبن على أبيه، فهي السعودية وقطر والإمارات.

وبالعودة إلى لبنان، الذي اتّبع سياسة النأي بالنفس، وكان يومها رئيس الوزراء الأصيل وليس المستقيل، نجيب ميقاتي. ولكن النأي بالنفس كان عاصياً على لبنان فقد تورط نواب لبنانيون بتمرير السلاح والإرهابيين، وخاصة عبر مطار القليعات الذي شاع اسمه ودوره يومها، ووقوعه تحت سيطرة السفارة الأميركية، ومرفأ طرابلس الذي جاء عبره باخرتا لطف1 ولطف2، واللتان حملتا إرهابيين من ليبيا وتونس شاركوا في الحرب على سوريا في العام 2014، وهم ينتمون لتنظيم القاعدة والذي بات اسمه "النصرة" في منطقة حلب وادلب، بإدارة تركية. وأسماء النواب اللبنايين الذين ساهموا بشكل شخصي بإدخالهم معروفة، منهم مازال في لبنان وآخرين رحلوا عنه أو تم اقصاؤهم شعبياً عن الحياة السياسية. لقد كانت المرحلة ما بين 2014- 2018 مرحلة عصيبة، أدخلت إلى المخيمات السورية في لبنان أناس خطرين.

قانون قيصر وأزمة النزوح

لكن المرحلة الأسوء والتي حملت أعداداً هائلة من النازحين، الذين كانوا يأملون بالوصول إلى أوروبا عبر لبنان وتركيا بالذات، أي عبر البحر، كانت بعد إقرار قانون قيصر الذي بدأ تنفيذه في بداية العام 2019، مع مجيء دونالد ترامب إلى الحكم في الولايات المتحدة، والقرار الذي جاء به باحتلال شرق منطقة الجزيرة، حيث يوجد أهم حقول النفط والغاز السوري، والسيطرة التامة على المنطقة عبر عملائه في قسد [قوات سوريا الديمقراطية، الأكراد].

لقد مارس الاحتلال الأميركي والتركي ومن خلال أذرعهم في قسد وجيش تحرير الشام في ادلب، على التوالي، عملية تهجير منظم ضد أهل المنطقة ودفعهم للهجرة هرباً من العمل العسكري معهم واعتقال العديد منهم بتهمة العمل مع الدولة السورية إلى المناطق التي حررها الجيش السوري وحلفاؤه بعد العام 2018. وهؤلاء النازحون في داخل الوطن، كان لديهم أزمتين متلازمتين، الأولى: الغلاء وندرة فرص العمل، والثانية: الخدمة العسكرية، ففروا إلى لبنان، ومعظم هؤلاء من فئة الشباب الراغبين بالوصول إلى أوروبا، ولكن جاؤوا في الوقت الذي اكتفى فيه الأوروبيون، فكان لابد من الإبقاء عليهم في لبنان وتركيا، وأما في الأردن فهم تحت السيطرة المطبقة.

ما هو موقف دمشق من أزمة النازحين السوريين في لبنان؟

على المقلب السوري وفي مراسلات خاصة بالخنادق، فإن الحكومة السورية في المرحلة الحالية ترى أن عودة النازحين هو أمر شخصي مرتبط بهم بعكس ما يراه اللبنانيون على أنه أزمة حكومية وأزمة نظام. وقد أعطت الدولة السورية بموجب قرار رئاسي العائدين الشباب، والذين عليهم تأدية الخدمة العسكرية، فرصة ستة أشهر من أجل تسوية أوضاعهم قبل استدعائهم للخدمة. هذا على صعيد الشباب. وبالنسبة للعائلات، هناك أمور رسمية تتعلق بالعائدين يجب تخليصها، كما حدث تماماً بعد تحرير الغوطة الشرقية وغيرها من الإرهابيين. اذ كانت تنتظر المدنيين الهاربين من المعارك من خلال المعابر الإنسانية ورشات عمل من الحقوقيين، والأحوال الشخصية، ومستوصفات نقالة، ومراكز غذائية عملت على تسجيل الولادات من العام 2011 والتي لم تسجل، وتم تثبيت كل ما يتعلق بالأحوال الشخصية، وأعطي الأطفال وحتى الأولاد لقاحاتهم، وأجريت الفحوص الطبية، وتم تحديد الصفوف التي يجب أن يلتحق بها الأولاد، ونقلوا إلى مراكز إيواء مؤقته ثم عادوا إلى بيوتهم بعد انتهاء عملية التحرير.

هذه العملية سترافق عودة النازحين السوريين على مختلف المعابر الدولية ومنها لبنان بالتأكيد، أو سيتم تسجيل العائدين كأفراد وأسر، وإن لم تتم عملية تسوية الأوضاع على الحدود فسيُسجل هؤلاء، وتُعطى لهم مواعيداً أو مدداً زمنية محددة من أجل تسوية أوضاعهم، وهنا يُقصد أيضاً جميع الأوضاع الشخصية والصحية والتعليمية، والدولة السورية لا يمكنها أن تسمح بتدفق مليون عائد أو أكثر دفعة واحدة، حتى الولايات المتحدة وأوروبا عادة ما تقيم مخيمات للإستقبال قبل تسوية الأوضاع، خاصة وأن بين هؤلاء غير مسجلين، أو مكتومي القيد، ومنهم من هو مطلوب للعدالة بسبب جرم قتل، وهو الأخطر هنا بالتحديد. وهذا ما تأخذه الدولة السورية بعين الإعتبار وهو ما يتطلب درجة عالية من التنسيق مع الدولة اللبنانية.

المفوضية تشجع النازحين السوريين على الإنجاب!

الأمر الأخير الذي يعد عائقاً لعودة النازحين السوريين، أن من سجل منهم في مفوضية اللاجئين، هم أشخاص يقبضون مبالغ شهرية، وحتى المتزوجين الحديثين يبدؤون بالقبض بعد إنجاب الولد الثالث، أي أن المفوضية تشجع وبقوة على إنجاب الأطفال دون أي تحديد للنسل، وهذا ما تحدثت عنه عائلات المتزوجين الشباب، عند سؤال إحدى العائلات، ولديها ولدين فقط، بينما الأخ الأكبر المسجّل أيضاً، ولديه خمس بنات لا يتجاوز الفرق في العمر بين البنت والأخرى العام. ذي الخمس سنوات يقبض من المفوضية، والثاني لم يقبض بعد. بينما تتكفل المفوضية وعبر المراكز الصحية بتقديم جزء هام من الخدمات الصحية لعائلتي الأخّين. ويعمل الأخّين في مجال البناء،"تلبيس حجر"، وإذا عاد هؤلاء إلى سوريا فلن يتمكنا من العمل، لأن عملية البناء لم تبدأ بعد في سوريا بسبب الحصار، ويتم التعامل دولياً مع المسجّلين كلاجئين وليس كنازحين. والأخان هاربان من الجندية ولا يريدان أداء الخدمة العسكرية ويسعيان في هذه الظروف الصعبة من أجل توفير المبلغ "البدل" عن الخدمة، والدولة السورية لن تساوم في هذا الملف ولن تعفي من الخدمة إلا ضمن شروط الإعفاء.

في الحقيقة لبنان او الأصح جهات لبنانية معروفة ساهمت وللأسف بشكل كبير في إدخال الإرهابيين وإدخال السلاح والمخدرات إلى سوريا كما ساهمت الدولتان الجارتان الأخرتان الأردن وتركيا، وكما ساهم بالتأكيد إقليم كردستان العراق. لقد كانت حرباً بشعة ومازالت سوريا في قلب العاصفة، والأزمة ما تزال حتى اليوم سياسية وأمنية. وعندما بدأ تحريك ملف النازحين في لبنان من جديد حاول البعض تحريكه من خلال الضغط على النازحين وحصارهم لأجل حالة تدفق من العودة العشوائية التي ستسبب مشاكل اجتماعية وأمنية بالتأكيد، فيما البعض الآخر يحاول المساعدة عبر إطلاق النازحين باتجاه أوروبا من أجل الضغط باتجاه فك الحصار حتى تتمكن سوريا من استعادة عافيتها.


الكاتب:

عبير بسّام

-كاتبة صحفية، عضو في الرابطة الدولية للخبراء والمحللين السياسيين / ماجستر في العلاقات الدولية من جامعة LAU 




روزنامة المحور