قدم وزير الحرب الاسرائيلي السابق يوآف غالانت استقالته في خطوة تأخذ سياقات عدة، اذ أنها غير مرتبطة فقط بالخلاف حول ملف تجنيد الحريديم ولو أنه كان الشرارة الأخيرة. بهذه الاستقالة، تخلص رئيس الوزراء الاسرائيلي من آخر العقبات في طريقه. لكن اتخاذ غالانت لهذا الخيار الذي جنّبه فرض "التقاعد" عليه، يشي بأنه راغب بالعودة، ربما من أبواب مختلفة.
خلال الفترة الماضية، ناقش بنيامين نتنياهو عدة مرات إمكانية إعلان غالانت عضواً متقاعداً في الكنيست، وهي خطوة يمكن اتخاذها ضد عضو الكنيست الذي غالباً ما يصوت ضد "فصيله". وهذا ما يجعل من الصعب عليه انتخابه للكنيست المقبل. وذلك لأن عضو الكنيست المتقاعد لا يمكنه الترشح في انتخابات الكنيست المقبلة مع أي قائمة لها تمثيل في الكنيست الحالي، ولكن فقط بقائمة جديدة.
بمناورة سياسية مدروسة، يعتقد غالانت أنه أنقذ "مستقبله السياسي" الذي كان مهدداً. وهذا ما يدل على أنه كان قد اتخذ القرار سابقاً، لكنه انتظر الفرصة المناسبة، لتغليف هذه الخطوة بعباءة من المبادئ، ما يمكّنه من استثمرارها لاحقاً، لكسب تأييد جماهري، في ظل المعارضة المتزايدة لنتنياهو في الشارع الاسرائيلي على ضوء اخفاقه في التوصل إلى اتفاق تبادل الأسرى مع حماس في قطاع غزة.
بالنسبة لنتنياهو، هذه هدية مزدوجة: لم يتخلص فقط من منافس سياسي مهم، ولكن في اليوم نفسه، استقالت أيضاً نائبة المدعي العام للدولة لشؤون الإنفاذ الاقتصادي، ليات بن آري، التي قادت المحاكمة ضده في القضية 4000.
أما بالنسبة لمستقبل غالانت السياسي، فعلى الرغم من تقييمه بأنه سيكون قادرا على الترشح مرة أخرى في الانتخابات التمهيدية لحزب الليكود، فقد يكون الواقع مختلفاً تماماً. طوال أشهر القتال، خلقت أفعاله المستقلة ومعارضته للخط الحزبي ودفاعه الحازم عن الجيش الإسرائيلي - خلافاً لموقف وزير الحرب الحالي - هاوية من الكراهية بينه وبين قاعدة ناخبي الليكود. هاوية قد لا يمكن جسرها في المستقبل المنظور، بحسب ما ذكرت شبكة جيه دي إن.
خلال الفترة الماضية، كانت انتقادات غالانت لسياسات نتنياهو محسوبة وغالباً ما كانت ضمنية. لكن خروجه من حزب الليكود أيضاً، قد تحدث تغييراً جذرياً، بناء على ما تطلبه خطته المستقبلية، من تحرر من القيود التي كانت مفروضة على تصريحاته. يمكن لغالانت، بصفته وزيراً سابقا للحرب، أن يصبح صوتاً نقدياً مهماً، حيث يمتلك معلومات داخلية حساسة حول سير الحرب وعمليات صنع القرار على المستوى السياسي الرفيع.
وتعتقد شبكة جيه دي إن، وهي أكبر موقع أرثوذكسي متطرف رائد في مجال اتصال الإنترنت كوشير في إسرائيل، كما تعرف عن نفسها، أن "وسائل الاعلام وخاصة تلك التابعة لليسار، ستكون سعيدة بإعطاء منصة واسعة لوزير دفاع سابق ينتقد سلوك الحكومة. سيكون غالانت قادراً على إثارة ادعاءات مهمة، على سبيل المثال فيما يتعلق بسير صفقات تبادل الأسرى، والكشف عن معلومات من وراء الكواليس امتنع حتى الآن عن مشاركتها. قد يساعده ظهوره في وسائل الإعلام، مع تصريحات حول "القلق" بشأن حالة البلاد، في إنشاء قاعدة جديدة من المؤيدين".
خيارات عدة أمام غالانت بعد استقالته. وبات انضمامه إلى معسكر المعارضة، أو انشاء حزب مستقل تابع ليسار الوسط، أمراً وارداً. وهذا ما قد يحدث "زلزالاً سياسياً كبيراً" بحسب ما وصفته الشبكة، خاصة إذا أراد غالانت الكشف عن كل ما يعرفه لمهاجمة نتنياهو، بما في ذلك مجريات الحرب، وقرارات الأخير التي عرقلت التوصل إلى اتفاق ينقذ ما تبقى من الأسرى وهي القضية الأكثر حسياسية للشارع الاسرائيلي من ناحية، وعدم الاستقرار الداخلي من ناحية أخرى، والذي يعطي محاولات غالانت تأثيراً اضافياً لكثرة الاطراف التي ستوظف ما يجري لصالحها.
الكاتب: غرفة التحرير