في مقابلته الأخيرة مع شبكة "بي بي سي" البريطانية، دعا رئيس هيئة تحرير الشام، أبو محمد الجولاني، إلى شطب "هيئة تحرير الشام" من "قائمة المنظمات الإرهابية" الخاصة بالأمم المتحدة، والولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، والمملكة المتحدة. مؤكداً نفيه بتحويل سوريا إلى نسخة من أفغانستان.
في هذا السياق، سلطت مجلة "فورين أفيرز" في تقرير لها بعنوان "لا تكرروا في سوريا أخطاء أفغانستان"، الضوء على ضرورة تعلم الإدارة السورية الجديدة والدول التي تتعاطى معها من درس سابق وهو عودة حركة طالبان إلى السلطة في أفغانستان عام 2021.
يسرد المقال تعامل الحكومات العالمية بعد استيلاء طالبان على كابل، حيث تعثرت أفغانستان تحت وطأة العقوبات والعزلة الاقتصادية والدبلوماسية. وفشلت الحكومات في دول العالم في التحرك بالسرعة والجرأة الكافيتين لتخفيف أزمة الفقر في البلاد، وتركت العقوبات الاقتصادية كما هي.
ويقول الكاتب "رفضت معظم البلدان التفاوض مع طالبان بطريقة قد تعزز حقوق المرأة وغيرها من المعايير الدولية، واختارت بدلاً من ذلك الانتظار لترى ما إذا كان القادة الجدد في أفغانستان سيفعلون ذلك من تلقاء أنفسهم. وكان هذا التردد في التعامل مع طالبان بمثابة ضربة للجناح البراغماتي في الحركة، مما أدى إلى تمكين المتشددين خلال الأشهر الأولى الهشة للنظام".
يورد المقال درسان وثيقا الصلة بالحالة السورية يبرزان من تاريخ أفغانستان الحديث:
- الأول هو أن الجهات الفاعلة الدولية تحركت ببطء شديد في الحالة الأفغانية لتخفيف المعاناة الإنسانية، وخاصة الآثار المفقرة الناجمة عن عقوباتها الخاصة، والقيود المصرفية، وغير ذلك من السياسات الاقتصادية.
- أما الثاني فهو فشل الغرب في إعطاء طالبان الوضوح الكافي حول كيفية اكتساب الاعتراف الدبلوماسي والتخلص من العقوبات.
خلال عملية الانتقال السياسي، يمكن لكل خطوة أن تغير مسار التاريخ. فيواجه النظام الجديد تحديات جمّة داخلية وخارجية، فلكل خيار ومسار تداعياته السياسية التي ستنعكس على الحكم الجديد سلباً أو إيجاباً، لذلك سيجهد الجولاني لنجاح العملية السياسية الخطرة والدقيقة، وقد بدأ منذ استيلائه على السلطة إرسال تطمينات للدول الغربية، وكسب ودهم، لاعتقاده بأن إعادة الإعمار والانتظام السياسي تتطلب الدعم الغربي وتخفيف العقوبات المفروضة سابقاً، وعلى الرغم من أن العديد من العقوبات فقدت أهميتها لأنها استهدفت نظام الأسد، لكن هناك القيود المفروضة على الهيئة وهناك العقوبات المفروضة على دولة سوريا نفسها.
"لا توجد إرشادات واضحة حول كيفية إدارة حكومة لجماعات مصنفة كجماعات إرهابية على الصعيد العالمي، ولا توجد مجموعة واضحة من القواعد للحكومات الأجنبية حول كيفية إخراج فرع سابق لتنظيم القاعدة من العزلة السياسية". يضيف المقال.
يبدو أن المسؤولين الغربيين، متحمسون لاحتمال قيام سوريا جديدة. ولكن في غياب الإجراءات التي تسمح لسوريا بإعادة بناء وتنشيط اقتصادها بعد سنوات من الحرب، فقد تعاني الدولة من المزيد من الفوضى وعدم الاستقرار والتقسيم. ويعتبر الكاتب بأن "الحكومات الغربية لديها مصلحة قوية في التعلم من أخطائها في أفغانستان، لأن الأزمة المطولة في سوريا من المرجح أن تمتد إلى بقية الشرق الأوسط، وتقوض النفوذ الغربي في المنطقة، وتجبر المزيد من الناس على الفرار من البلاد".
ختاماً، يوصي المقال بضرورة تحرك الولايات المتحدة وحلفائها بسرعة لتخفيف التأثيرات القاسية للعقوبات على سوريا في محاولتها التعافي. وإرساء مسار واضح نحو رفع هذه العقوبات والاعتراف الدبلوماسي بهيئة تحرير الشام في مقابل الإجراءات والالتزامات من جانب القادة الجدد في سوريا. ويشير الكاتب بخطورة تباطؤ الغرب، الذي قد يؤدي بسوريا نحو الانهيار ويبدد الفرصة القصيرة المتاحة له لإقناع المتمردين السابقين باتباع المسار الصحيح.
الكاتب: حسين شكرون