يكفي هجوم الكيان المؤقت على الاتفاق الذي وقعته الفصائل الفلسطينية في العاصمة الصينية بكين، كي نُدرك بأن ما حصل هو خطوة إيجابية ومهمة للقضية الفلسطينية، خاصةً لأنه يُنهي الانقسام في هذه المرحلة الحساسة، ويقطع الطريق أمام محاولات أمريكية وإسرائيلية لفرض مشاريع خطيرة تؤمن مصالحهما وتوجه ضربة قاسية للقضية، ضمن ما يُعرف باليوم التالي.
فاتفاق الفصائل الفلسطينية الثلاثاء 24/07/2024، يؤكد في حال تنفيذ أطرافه ما تم الاتفاق عليه – خاصة السلطة بقيادة محمود عباس – أن اليوم التالي في قطاع غزة والضفة الغربية، سيكون وفقاً للإرادة الفلسطينية فقط.
ومن جانب آخر، تُثبت الحكومة الصينية من جديد، عبر نجاحها في رعاية الحوار الفلسطيني الداخلي، بأنها قادرة على القيام بأدوار دولية في غاية الأهمية، تؤمن من خلال ذلك مصالحها ومصالح جميع الأطراف، بعكس مسار العلاقات الخارجية الأمريكية طوال عقود ما بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، والتي اتسمت بدور الهيمنة على العالم وفرض مصالحها على جميع الدول، بالسلم والحرب والتفاوض.
تفاصيل الاتفاق
وقد حضر اللقاء الوطني الفلسطيني 14 فصيل في بكين، بدعوة رسمية من الدولة الصينية، واستمر الحوار مدة يومين.
والفصائل التي شاركت في اللقاء وقامت بالتوقيع على الاتفاق هي: فتح، وحماس، والجهاد الإسلامي، والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، وحزب الشعب الفلسطيني، وجبهة النضال الشعبي الفلسطيني، وحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية، الجبهة الشعبية القيادة العامة، والاتحاد الديمقراطي الفلسطيني "فدا"، وجبهة التحرير الفلسطينية، وجبهة التحرير العربية، والجبهة العربية الفلسطينية، وطلائع حرب التحرير الشعبية (قوات الصاعقة).
وانتهت الحوار بإصدار "إعلان بكين لإنهاء الانقسام وتعزيز الوحدة الوطنية"، الذي تم الاتفاق فيه على 8 نقاط، أبرزها الوصول إلى وحدة وطنية فلسطينية شاملة تضم القوى والفصائل الفلسطينية كافة في إطار منظمة التحرير، والالتزام بقيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس طبقا لقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، وحق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال وإنهائه وفق القوانين الدولية وميثاق الأمم المتحدة، وأن يتم تشكيل حكومة وفاق وطني مؤقتة (في قطاع غزة والضفة) بتوافق الفصائل وبقرار من الرئيس الفلسطيني.
ومقابل التزام فصائل المقاومة المسلحة ومنها حركتي حماس وجهاد بقيام دولة فلسطينية وفق القرارات الدولية، لم يشر الاتفاق إلى المفهوم الذي يتبناه رئيس السلطة محمود عباس كأداة للتحرير أي "المقاومة الشعبية السلمية"، بل أشار إلى حق المقاومة وفق ما تقره القوانين الدولية، التي تشمل ضمنا المقاومة المسلحة. كما رفضت الفصائل كل أشكال الوصاية ومحاولات سلب الشعب الفلسطيني حقه في تمثيل نفسه ومصادرة قراره الوطني المستقل. وهو ما يعدّ إشارة إلى الخطط الأميركية والإسرائيلية لإدارة غزة بعد الحرب بقوات دولية وعربية، ومنها ما حصل مؤخراً في الإمارات، من اجتماع ثلاثي بين الأخيرة والولايات المتحدة الأمريكية وكيان الاحتلال الإسرائيلي.
غضب إسرائيلي
وفي أول تعليق إسرائيلي على إعلان الفصائل الفلسطينية لاتفاقها، انتقد وزير الخارجية "يسرائيل كاتس" حركة "فتح" عبر منصة إكس قائلاً: "وقعت حماس وفتح في الصين اتفاقاً للسيطرة المشتركة على غزة بعد الحرب"، مضيفاً: "بدلاً من رفض الإرهاب، يحتضن محمود عباس القتلة من حماس ويكشف عن وجهه الحقيقي". متوعداً بأن "هذا لن يحدث، لأن حكم حماس سيُسحق، وسينظر عباس إلى غزة عن بعد، وسيظل أمن إسرائيل في أيدي إسرائيل وحدها".
وهذا إن دلّ على شيء، فعلى الخشية الإسرائيلية الكبيرة والدائمة من أي توافق فلسطيني، خاصةً ما بين حركتي فتح وحماس، لأن الكيان مدركٌ بالتجربة، أن وحدة خصومه – خاصة الفلسطينيين – كما حصل خلال ما يُعرف بصفقة القرن، سيُساعد بشكل كبير في إفشال أي مشروع أمريكي إسرائيلي لتصفية القضية الفلسطينية.
الكاتب: غرفة التحرير