تلجأ قناة العربية والمؤسسات الإعلامية التابعة لها كقناة الحدث وسكاي نيوز حالياً، إلى "تطعيم" تغطيتها ومتابعاتها للشأن الفلسطيني، بتقارير وأخبار ذات أبعاد اجتماعية وإنسانية، كمحاولة لتبدو مهتمة ومهنية وموضوعية، خصوصاً بعد الاتهامات المباشرة لها بمساندة الجانب الإسرائيلي أكثر من الجانب الفلسطيني، لكن هذا لا يلغي السمات العامة لأدائها، الذي يمكن تلخيصه بالآتي: حيث تعمل هذه القنوات وفق أجندة تتقاطع مع أجندة الاحتلال الإسرائيلي وأجهزة مخابراته في استهداف الفلسطينيين ومقاومتهم. بدأت هذه القنوات منذ بداية الحرب وأثناء تغطياتها المباشرة او الإخبارية بالترويج للشائعات السلبية والتحريضية ضد المقاومة وقياداتها (في لبنان وفلسطين والعراق وإيران واليمن). وبدا خطابها الموجه الذي همّش المقاومة وانجازاتها، يعمل على "أنسنة إسرائيل" وتغييب صورة سياستها الدموية على حساب المعاناة الفلسطينية. ووصف هذا الخطاب ما يحصل بـ"القتال بين المقاومة وإسرائيل" وليس "العدوان" أو حرب الإبادة الشاملة ضد الفلسطينيين.
فتحت هذه القنوات منابرها للشخصيات المؤيّدة والداعمة للسياسات الإسرائيلية (في البرامج والتقارير والتغطيات الإخبارية). وفي الوقت الذي تقوم فيه هذه القنوات بإعادة إنتاج الرواية الإسرائيلية حول ما يتعلّق بالمجريات السياسية والميدانية، على حساب الأخذ بالرواية الفلسطينية. لا تضيع هذه القنوات الوقت في اظهار إعجابها بالأداء الدموي للقيادات الإسرائيلية بشكل غير مباشر، كما حصل عند تغطيتها لإشراف وزير الدفاع الإسرائيلي "بيني غانتس" على محاولات تدمير أنفاق المقاومة الفلسطينية او إغراقها، أو تدمير الاحتلال لمنازل قياديين من الفصائل الفلسطينية، أو كما حصل في تغطية عملية استهداف واغتيال صالح العاروري في بيروت، بحيث ركّزت على عجز المقاومة عن حمايته، مع انبهار بالتفوّق التكنولوجي للعدو وإظهار عدم مع قدرات المقاومة.
اللافت أنّ هذه القنوات تهتمّ بإعادة بث صور القادة والشهداء الذين تغتالهم إسرائيل، سواء داخل فلسطين أو خارجها (بطريقة استعراضية توحي بالشماتة). لكن الأخطر من كل ذلك هو تبنّي خطاب كراهية وعنصرية، ولغة تحريضية على الفلسطينيين ومأساتهم في غزة، بل الذهاب إلى أبعد من ذلك بتبرير جرائم الإبادة الجماعية التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي، وهذا الامر يجعل من هذه القنوات الإعلامية شريك أساسي في جرائم الإبادة التي يرتكبها جيش الاحتلال في حق المدنيين منذ بداية الحرب.
للاستدلال على هذا الدور المشوّه الذي تقوم به هذه القنوات سنعرض في الورقة القانونية المرفقة أدناه العناوين التالية:
- تبني خطاب الكراهية: جريمة ضد الإنسانية.
- التحريض على الإبادة الجماعية.
- المساءلة الدولية الناجمة عن التحريض لارتكاب الجرائم الدولية.
- المسؤولية الجنائية الفردية القائمين والعاملين في هذه القنوات الإعلامية.
تثبت الوقائع والملابسات انتهاك هذه القنوات لميثاق الشرف الإعلامي الذي من المفترض أن تلتزم به هذه القنوات في سياساتها الإعلامية. فهي لم تلتزم، ولم تحترم المبادئ العامة الأساسية المعلن عنها في العهود والمواثيق والإعلانات الدولية والعربية، وخاصة منها ما يتعلق بحفظ كرامة الإنسان. كما أنها لم تحترم القاعدة التي تلزم وسائل الاعلام بالامتناع عن نشر أية مادة إعلامية من شأنها أن تشجع على الجريمة أو العنف أو خطاب الكراهية، أو التحريض الطائفي أو الإثني أو المناطقية. كما أنه من الواضح أن هذه القنوات لم تلتزم أثناء ممارسة عملها، بتحري الحقيقة والسعي وراءها ونقل الوقائع بصدق وأمانة بدون تجاهل أو اجتزاء. كما أنها لم تلتزم بالنزاهة المهنية، وتطلق الاحكام المسبقة، وبسبب سرديتها المشبوهة، تتسبب بدون شك في الضرر بالأفراد والمجموعات (بيئة المقاومة، والمقاومين)، مما يخدم أجندة العدو الإسرائيلي. إضافة إلى كل ذلك تورطت هذه القنوات الإعلامية في استخدام سردية مضللة للجمهور، تعمل على تشويه المقاومة وتثبيط عزائم مؤيديها، واستخدام ما هو أخطر من ذلك في نشر الصور ومقاطع الفيديو التي تسيء إلى حرمة وكرامة الضحايا من الشهداء (موتى أو جرحى)، مع التركيز على سردية تحميل المقاومة المسؤولية عن ذلك دون ذكر الاحتلال وانتهاكاته المستمرة في حق الشعب الفلسطيني وعدم التزامه بالمواثيق والقوانين الدولية.
مع كل ذلك لم تتوقف هذه القنوات عن الترويج للتطبيع مع الاحتلال، وتقديم العدو الإسرائيلي كفاعل معتدى عليه، لتبرير جرائمه، هذا عدا عن دور بعض الإعلاميين في هذه القنوات الذين لم يتأخروا عن تقديم احداثيات للعدو تم قصفها من قبل آلة الحرب الإسرائيلية بعد ذلك. بالمختصر، يبدو تورط هذه القنوات والقيمين عليها والعاملين فيها من كوادر صحفية وإعلامية ومراسلين، واضحاً وصريحاً ومباشراً، مما يجعل من هذه المؤسسات الإعلامية شريكاً في ارتكاب الجرائم الدولية (جريمة الإبادة الجماعية، والجرائم ضد الإنسانية)، وفق ما نصت عليه المواثيق الدولية، ونظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية (المواد 6،7 من النظام).
وفقاً لما تقدم، فإن قيام وسائل الإعلام بالتحريض العلني أو المباشر على ارتكاب الإبادة الجماعية سواء أكان أصحابها ممثلين لسلطة دولة، أو عاديين يثبّت مسؤوليتهم الجنائية الفردية، وبذلك تنعقد ولاية محكمة الجنائية الدولية في ممارسة اختصاصها إزاء هذه الجريمة في الأحوال الواردة في المادة (3) من النظام الأساسي للمحكمة. إنّ وجود الصفة الرسمية عند المحرِض لا تعفيه من المسؤولية الجنائية، ولا تكون في حد ذاتها سبباً لتخفيف العقوبة، ولا تحول الحصانات أو القواعد الاجرائية المرتبطة بهذه الصفة من ممارسة المحكمة الجنائية الدولية لاختصاصاتها.