تقدم المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان بطلب لإصدار مذكرات اعتقال ضد "كبار قادة إسرائيل وحماس". هذا الطلب الذي قد يُقبل أو يُرفض من قضاة المحكمة البالغ عددهم 18 قاضياً من جنسيات مختلفة حمل عدداً من الاعتبارات التي بدأت تظهر مفاعيلها وعلى غير صعيد. ففي الوقت الذي يعد هذا الطلب سابقة من حيث اتهام رئيس دولة مدعوم من الغرب، إلا ان صياغته كانت "حذرة" بعض الشيء -كذكر أسماء قادة المقاومة في بداية الاتهام يليهم اسمي رئيس الوزراء الإسرائيلي ووزير الحرب لتصوير ان الجرائم التي ارتكبها هؤلاء أتت ردة فعل ودفاعاً عن النفس- استجابة للضغوط الأميركية التي تمارس باستمرار على أعضاء المحكمة.
يشوب البيان عدداً من الشوائب التي لم تسقط سهواً بل عن سابق تصميم:
يوجه البيان 8 اتهامات لقادة حركة حماس تتعلق كلها بادعاءات -خاصة بما يتعلق بقضايا الاغتصاب- أخذت عن شهادات إسرائيلية دون أدلة ولم يتم التحقيق فيها. بالمقابل، أدان البيان نتنياهو ووزير دفاعه بـ 7 اتهامات وهي تجويع المدنيين باعتباره جريمة حرب، وتعمد إحداث معاناة شديدة أو إلحاق أذى خطير بالجسم أو بالصحة، والقتل العمد، وتعمد توجيه هجمات ضد السكان المدنيين باعتباره جريمة حرب ولم يذكر البيان الإبادة الجماعية بشكل صريح ضد المسؤولين الإسرائيليين كما أورد في الاتهام الأول بحق قادة الحركة.
ما يكسب هذه الخطوة أهمية إضافية أيضاً، أنها تأتي بعد التهديدات العلنية للمدعي العام، بما في ذلك من قبل 12 عضواً في مجلس الشيوخ الأميركي، بعدم المضي قدماً في توجيه لوائح اتهام ضد المسؤولين الإسرائيليين.
أمام الطلب طريقان، اما تبني أعضاء المحكمة وصدور مذكرات اعتقال بحق كل من رئيس حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في قطاع غزة، يحيى السنوار، القائد العام لكتائب الشهيد عز الدين القسام، محمد الضيف ورئيس المكتب السياسي للحركة، إسماعيل هنية، إضافة لبنيامين نتنياهو ويوآف غالانت، أو رضوخ المحكمة للضغوطات الأميركية وبالتالي عدم اصدار مذكرات توقيف.
في حال تمت الموافقة على مذكرات الاعتقال، سيوضع كلا نتنياهو وغالانت في موقف حرج. اذ ان إسرائيل ليست عضواً في المحكمة الجنائية الدولية لكن الدول الاوربية هي من بين أقوى الأعضاء في المحكمة. وبالتالي، فإن وجهات السفر أمامهما مقيّدة، وتلك الدول في أوروبا ملزمة بتسليمهما إلى المحكمة، إذا دخل أي منهما داخل حدودها. ولتجنب هذا المأزق، ستكون النتيجة الأكثر ترجيحاً هي فرض قيود صارمة على قدرة نتنياهو وغالانت على السفر.
بعد طلب المدعي العام، تحال القضية إلى الدائرة التمهيدية للموافقة على أوامر الاعتقال، مع وجود كم هائل من الأدلة على مدى أكثر من 8 أشهر من الحرب المستمرة على قطاع غزة.
لا يوجد إطار زمني محدد يتعين فيه على الدائرة التمهيدية أن تتخذ قرارها بشأن طلب الادعاء. ستحتاج الدائرة إلى مراجعة الأدلة التي قدمها الادعاء ضد التهم المطلوبة. لكن بحسب المتعارف عليه من الدعاوى السابقة، الدائرة تصرفت الدائرة لإصدار قرارات بمنح أوامر الاعتقال في غضون شهر تقريباً.
من جهتها، قد تطعن إسرائيل في التهم الموجهة إلى مسؤوليها. في حين ان التعويل الإسرائيلي بعدم صدور القرار ليس على الطعون (كونها تحمل أسباب ردها) بل على الضغوط الأميركية.
قد يعتمد كيان الاحتلال بطعونه على أن لا ولاية قضائية للمحكمة على المسؤولين الإسرائيليين على اعتبار ان إسرائيل ليست دولة عضو. لكن بالمقابل فلسطين دولة عضو، ومن اختصاص المحكمة النظر بالجرائم التي ترتكب على أراضيها سواء قام بها فلسطينيون أم إسرائيليون. وتجدر الإشارة، إلى ان الولايات المتحدة دعمت مذكرة التوقيف الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية ضد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين - وهو رئيس دولة غير عضو في المحكمة الجنائية الدولية -.
ردود فعل أميركية- إسرائيلية
الرئيس الأميركي جو بايدن، استنكر القرار وقال أن "أياً كان ما يعنيه هذا المدعي العام، لا يوجد أي تكافؤ على الإطلاق بين (موقفي) إسرائيل وحماس".
وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، من جهته، قال في بيان إن "الولايات المتحدة ترفض طلب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية إصدار أوامر اعتقال بحق مسؤولين في إسرائيل وحركة حماس، مضيفاً "نرفض أن يجعل المدعي العام (موقف) إسرائيل مكافئاً لحماس".
من ناحيته وصف نتنياهو طلب إصدار مذكرة التوقيف بحقه وبحق غالانت بتهمة "ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية" بـ "الفضيحة".
وقال نتنياهو في بيان "بوصفي رئيساً لوزراء اسرائيل، أرفض باشمئزاز مقارنة المدعي في لاهاي بين إسرائيل، الدولة الديموقراطية ومرتكبي الجرائم الجماعية في حماس".
كما ندد مسؤولون إسرائيليون آخرون بطلب مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية ووصفوا القرار بأنه "وصمة عار تاريخية".