مع تصاعد التوترات على الجبهة الشمالية، أعدّ الكيان استراتيجية شاملة لتحضير مستوطنيه نفسياً لمواجهة التحديات الأمنية المتزايدة، ولبذل التضحيات في حربهم مع لبنان. إلّا أن هذه الاستراتيجية يبدو أنها لم تجدِ نفعًا كما هو متوقع، وهذا ما ستسلّط الضوء عليه هذه المادة.
استراتيجية العدو لتحضير المستوطنين نفسياً للحرب على الجبهة الشمالية:
- تضخيم المخاطر في التغطية الإعلامية: يلعب الإعلام الإسرائيلي دوراً كبيراً في سبيل تجهيز المستوطنين نفسيّاً من خلال تضخيم التهديدات الأمنية والتحديات التي يواجهها الكيان بسبب جبهة لبنان ومخاطرها على الأمن الشخصي للمستوطنين ولمستقبل الجبهة الشمالية. يتم تقديم تقارير إخبارية وتحليلات مستمرة حول الوضع الأمني، مما يساعد في إعداد المستوطنين نفسياً لأي تطورات وتبرير أي خطوة عسكرية في مناطقهم وتحمّل الأثمان "المستحقة" في سبيل دفع التهديدات.
- التدريبات والمناورات: نظّم جيش الاحتلال تدريبات ومناورات دورية تشمل مشاركة المستوطنين في بعض الأحيان، مثل تدريبات الإخلاء والتعامل مع الهجمات الصاروخية. هذه التدريبات هدفت إلى تعزيز جاهزية المستوطنين وتعليمهم كيفية التصرف في حالات الطوارئ.
- الدعم النفسي والاجتماعي: وفّرت حكومة الاحتلال خدمات الدعم النفسي والاجتماعي للمستوطنين، خاصة في المناطق القريبة من الحدود. يتم تقديم جلسات استشارية وبرامج دعم نفسي لمساعدتهم على التعامل مع الضغوط النفسية الناتجة عن التهديدات الأمنية.
- التواصل مع المجتمع الإسرائيلي: عملت السلطات المحلية على التواصل المستمر مع المستوطنين، من خلال الاجتماعات المجتمعية والنشرات الإخبارية المحلية، لتقديم التوجيهات والإرشادات اللازمة حول كيفية التصرف في حالات الطوارئ وكيفية تخطّي الصدمات النفسية.
- التعاون مع المنظمات غير الحكومية: تتعاون حكومة الاحتلال والمنظمات غير الحكومية لتقديم الدعم النفسي والاجتماعي للمستوطنين، بما في ذلك برامج التوعية والتدريب على التعامل مع الصدمات النفسية وتخطيها ودمجهم مع أشخاص مرّوا بنفس تجاربهم السلبية لمساعدتهم على تخطي اضطرابات ما بعد الصدمة.
- تواصل القيادات الإسرائيلية مع المستوطنين: أنشأ الكيان غرف مغلقة تجمع القيادات الإسرائيلية والمستوطنين لتحضير الجبهة الداخلية للسيناريوهات الأسوأ، وللإجابة عن استفسارات المستوطنين وأسئلة حول الحرب، ومنها هل الحرب في الشمال حدث لا مفر منه؟ ما هي العواقب التي قد تترتب على الحرب ضد حزب الله على الجبهة الداخلية الإسرائيلية؟
رفع شعار الحرب الوجودية لتعبئة المستوطنين
منذ اليوم الأول للحرب على غزة، رفع نتنياهو شعار الحرب الوجودية، حيث قرأ عملية طوفان الأقصى ما يتجاوز العملية العسكرية المحدودة، وأنها تعني أن أعداء إسرائيل سيسعون إلى إزالتها متى تمكّنوا من ذلك. إلا أنه ليس الوحيد الذي يفكر هكذا. ما تبيّن خلال عام، هو أن أغلب الإسرائيليين يفكرون بأن ما يجري هو حرب وجودية، وذلك يعود إلى التقارير الإعلامية والتصريحات السياسية الضخمة التي برمجت عقل المستوطنين وغذّتها على مدار سنة كاملة، بأن ما يحدث هو حرب وجودية. وكلّ ذلك بهدف تعبئة المستوطنين وبالتالي إقناعهم وجعلهم يتحملون الخسائر، ويبذلون التضحيات من دون أن يؤدي ذلك إلى الهروب من الكيان او الوقوف بوجه الحكومة. وهذا ما حصل فعلاً مع جبهة الإسناد اللبنانية، حيث تم إقناع المستوطنين بأن حزب الله أفرغ سكان المستوطنات الشمالية بهدف تحضيره لـ "احتلال الجليل" و"احتلال المستوطنات الشمالية"، يعني تهديد وجود الجبهة الشمالية، وبالتالي روّج بأن جبهة الإسناد اللبنانية وبعد سنة من الحرب على غزّة تشكّل تهديد وجودي آخر للكيان وبالتالي على المستوطنين تحمّل الأعباء وبذل التضحيات بهدف القضاء على حزب الله.
لكن في المقابل تبيّن بعض تصريحات وتعليقات المستوطنين، أن مستوطني الجبهة الشمالية لا يتقبلون مقتل المدنيين وغير مستعدين لتقديم أنفسهم فدية من أجل "إسرائيل"، كما وغير مستعدين ضمنياً لتقديم التضحيات إلا في حال توفر غطاء متين من الحماية الدفاعية، وجزء منهم يضعون أملهم الوحيد بجنود الاحتلال على الحدود لضمان عودتهم إلى المستوطنات الشمالية.