الأربعاء 24 تموز , 2024 03:59

جبهة الشمال.. بين سياسة الاغتيالات ورسم المعادلات

مناورة أجراها حزب الله في عام 2023

سلّط عدد من الخبراء والمُعلّقين في إسرائيل الضوء في قراءاتهم وتحليلاتهم على سياسة الاغتيال التي تنتهجها إسرائيل ضدّ المسؤولين رفيعي المستوى في صفوف حزب الله، وعلى ردود فعل حزب الله عليها في محاولة منه لرسم معادلات جديدة، فظهرت وجهة نظر في إسرائيل (في أوساط الخبراء والمُعلّقين)، ترى أنّ سياسة الاغتيالات غير ناجحة، وتجلب أضراراً غير مرغوبة.

وفي سياق رسم المعادلات، أوردت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية أن حزب الله يستهدف مستوطنات جديدة لم يتم إخلاؤها بعد، ضمن معادلة جديدة تقتضي الرد على الاعتداءات الإسرائيلية على المدنيين في لبنان، موسعاً بذلك الحزام الأمني شمالي فلسطين المحتلة. في ظل تآكل جهوزية الجيش الإسرائيلي في الجبهة الشمالية من ناحية، وتفاقم أزمة سكان شمال بعد 9 أشهر من الحرب من ناحية أخرى.

الاغتيالات والأمن في الشمال

أشارت صحيفة معاريف إلى أنّ الجيش الإسرائيلي يسيطر على التكتيك (عمليات الاغتيال)، لكن في الاستراتيجيا، حزب الله يلقّنه دروساً. وأضافت صحيفة هآرتس في افتتاحيتها، بعنوان "حماقة التصفيات"، إلى أنّ عمليات الاغتيال في لبنان تتضمّن مخاطرة بردّ من حزب الله يُمكن أن يؤدّي إلى قتل إسرائيليّين (وهذا ما حصل فعلاً). وتساءلت الصحيفة عن جدوى الاغتيالات وفائدتها، ومدى مساهمتها في استعادة الهدوء والأمن لإسرائيل، ولسكّان الشمال. وتساءلت الصحيفة أيضاً عن الحكمة السياسية في الاغتيالات التي لم تنجح في تغيير معادلات التهديد، لا في قطاع غزة، ولا في الشمال، لا بل دلّت أضرارها على عدم جدواها، وعلى غياب أيّ أفق (في إسرائيل). ولفتت الصحيفة إلى أنّ منظمات كحزب الله، لديها القدرة على ملء الصفوف في أعلى القيادة، وبأشخاص أكثر تطرفاً (في أكثر من حالة). وأشارت إلى أنّ عمليات الاغتيال صارت بديلاً عن الإنجازات الاستراتيجية، وعلاجاً مهدئاً للمطالب في إسرائيل بشنّ حرب شاملة في الشمال.

ورأى محلّل الشؤون العسكرية في صحيفة هآرتس، عاموس هرئِل، إلى أنّ القصف الانتقامي لحزب الله بعمق 40 كيلومتراً من الحدود هو جزء من "نظام المعادلات لـ(السيّد) نصر الله"، الذي يحاول الإشارة لإسرائيل بأنّه في كلّ مرّة تهاجِم فيها أهدافاً عسكرية أو تغتال نشطاء بعيداً عن الحدود، سيأتي "ردّ مناسب".

وفي سياق مشابه، رأى البروفسور يغيل ليفي، في مقال كتبه في صحيفة هآرتس أيضاً، أنّه من المشكوك فيه ما إذا كان أحد في الجيش قد افترض أنّ اغتيال "مركز معرفة" (كادر في حزب الله) سيساهم في أمن سكّان الشمال، فإسرائيل تغتال بانتظام مسؤولين في حزب الله، والقادة العسكريون (الإسرائيليون) يعرفون بوضوح أنّ هذا لا يقدّم أيّ مساهمة (للأمن في الشمال)، وهم يعلمون أنّ الاغتيالات توفّر الوقود للتصعيد التالي، وغالباً ما تزيد التطرّف، مع تولّي شخصية أكثر تطرّفاً منصب "القتيل". وأشار ليفي إلى أنّ سياسة الاغتيالات قد تكون "تفريغاً للإحباط" داخل الجيش الإسرائيلي، في ضوء الواقع الأمني الجديد: "إسرائيل لا تحقِّق أهدافها في غزة وهي على وشك إنهاء الحرب مع بقاء حماس كما هي بينما هي مرتدعة، حرفياً، عن عملية في لبنان يمكن أن تجرّ إيران إلى دائرة القتال".

المعادلة الجديدة وجهوزية الجيش

هدد السيد حسن نصر الله كيان الاحتلال في 17 تموز/يوليو الجاري، بأنّ "التمادي في استهداف المدنيين سيدفع المقاومة إلى إطلاق الصواريخ واستهداف مستوطنات جديدة لم يتم استهدافها سابقاً". وبالفعل وسّع حزب الله خلال هذا الأسبوع شعاع عملياته لتشمل مستوطنات جديدة، فبحسب صحيفة يديعوت أحرونوت، في الأسبوع الأخير هاجم حزب الله إسرائيل 16 مرة، 11 من الهجمات استهدفت مستوطنات لم يتم إخلاؤها، و5 منها طالت قواعد عسكرية. وتقع الاستهدافات على بُعد أكثر من 5 كيلومترات من الحدود مثل مستوطنة "تسوريئيل". واعتبرت الصحيفة بأن الاستهداف الجديد يأتي ضمن معادلة جديدة تقتضي الرد على الاعتداءات الإسرائيلية على المدنيين في لبنان، موسعاً بذلك الحزام الأمني شمالي فلسطين المحتلة.

أما بالنسبة للجيش الإسرائيلي فأكدت صحيفة "معاريف" الإسرائيلية أن جيش الاحتلال يخسر جاهزيته بسبب تآكله خلال الحرب التي يخوضها على عدة جبهات.

وحمّلت "معاريف" القيادة السياسية الإسرائيلية مسؤولية ما وصلت إليه الجبهة في شمال فلسطين المحتلة، وتهجير ما يقارب الـ 100 ألف مستوطن من المستوطنات الشمالية. (علماً أن العدد وباعتراف وسائل إعلام إسرائيلية بلغ 250 ألف مستوطن).

وفي سياق متّصل، أكد وزير التربية الإسرائيلي يوآف كيش بحسب "معاريف" أن العام الدراسي المقبل 2024-2025 لن يبدأ في الشمال وسيُفتتح هذا العام "بصورة ضبابية في ضوء التعقيد الأمني في الشمال" في حديثه لرؤساء المستوطنات في الشمال.

هذا هو واقع مستوطنات وسكان شمال إسرائيل، المأساوي، والتي لم تنفع معه سياسة الاغتيالات التي انتهجها كيان الاحتلال، بل زادت من عزيمة المقاومة وفتحت مسار استهداف مستوطنات جديدة، وإمطار الجبهة الشمالية بالصواريخ، انتقاماً للقائد المُغتال.


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور