تصاعدت في السنوات الأخيرة في الولايات المتحدة الأميركية بشكل ملحوظ الاتهامات الموجّهة لحزب الله بالضلوع في تجارة المخدرات وغسيل الأموال والنشاط الإجرامي والجريمة المنظّمة، إلى جانب الاتهام القديم بالإرهاب. لم تقتصر الاتهامات على تقارير صحافية أو سرديات تتناقلها وسائل إعلام، بل وصل الأمر إلى حد إعلان وزارة العدل الأميركية في تشرين الأول عام 2018 عن "تصنيف حزب الله كمنظمة إجرامية عابرة للحدود". هذا التصنيف يعكس قرارًا أميركيًا بالانتقال إلى مرحلة جديدة في مواجهة حزب الله، تضاف إلى حرب العقوبات والتصنيفات ضمن قوائم ما يسمى "الإرهاب".
في هذا الإطار أعد المجلس الاستشاري للدراسات والتوثيق، سلسلة مشروع بحثي يهدف إلى "تفكيك المزاعم الأميركية حول حزب الله في أميركا اللاتينية"، بالإضافة إلى عرض ومراجعة الادعاءات الأميركية حول علاقة حزب الله بكارتيلات تجارة المخدرات وعصابات الاتجار بالبشر والبضائع المهرّبة ومنظمات غسيل الأموال في أميركا اللاتينية، وفهم عملية إنتاج تلك المزاعم وكشف آلياتها وقنواتها.
يستند هذا المشروع إلى مراجعة ودراسة وتقصي عشرات الجلسات داخل الكونغرس الأميركي حول حزب الله وقوانين أميركية وقرارات تنفيذية وبيانات من وزارة العدل الأميركية وتصريحات لمسؤولين أميركيين وكتابات لخبراء وأكاديميين ومقالات صحفية وتحقيقات إعلامية. أما نتائج هذا البحث وخلاصاته فيجري نشرها بالتتابع ضمن سلسلة أوراق مصنفة موضوعيًا بحسب ما يثيره الأميركيون من موضوعات لإدانة حزب الله.
وسنعرض سلسلة المشروع البحثي تباعًا على حلقات متتالية...
الجزء الأول:
تُعتبر جلسات الاستماع في الكونغرس من أبرز مصادر استقاء المزاعم الأميركية تجاه حزب الله في أميركا اللاتينية. تمثل لجان الكونغرس المعنية بهذه الجلسات نقطة المصب لمعلومات وآراء الجهات والمستويات الإعلامية والسياسية والقانونية والأمنية صاحبة المصلحة في هذا الموضوع. وقد عقد الكونغرس الأميركي، بغرفتيه، عشرات جلسات الاستماع منذ العقد الماضي (تحديدًا عام 2005) بخصوص حزب الله أدت في نهاية المطاف إلى تصنيف حزب الله كمنظمة إجرامية عام 2018.
في هذا البحث، سنعرض ونحلل بالأرقام والمعطيات محتوى 100 جلسة استماع عقدتها لجان مختلفة في الكونغرس الأميركي بغرفتيه. هذه الجلسات خُصِّصت إما للحديث عن دور مزعوم لحزب الله في النشاط الاجرامي، أو جرى فيها ذكر الحزب واتهامه، إلى جانب أطراف أخرى بالضلوع بهذا النشاط، والجهات (مراكز الفكر والأبحاث) إضافة إلى خلفية الشخصيات التي دُعيت للإدلاء بشهاداتها في تلك الجلسات عن الدور المزعوم لحزب الله، وكذلك إلى خلفيات أبرز أعضاء الكونغرس الذين نظموا هذه الجلسات وما لوحظ عند فحص مصادر تمويل حملاتهم الانتخابية بالتزامن مع عقد هذه الجلسات وإقرار قوانين عقوبات استهدفت حزب الله. تجدر الإشارة إلى أنه نتج عن عقد هذه الجلسات في الكونغرس إقرار قوانين عقوبات على حزب الله وصدور أوامر تنفيذية بحق مسؤولين وأشخاص متهمين بصلات مع حزب الله.
تجدر الإشارة إلى أن عدد جلسات الاستماع التي تحدّثت عن حزب الله ودوره في لبنان والشرق الأوسط وحتى في أوروبا وأفريقيا كان أكثر من مئة جلسة (موضوع البحث)، لكن تم حصر بحثنا في الجلسات التي جرى الحديث فيها عن نشاط إجرامي مزعوم لحزب الله انطلاقًا من دول أميركا اللاتينية، لكي لا يتوسع موضوع البحث من جهة، ولضمان دراسة المستجد في السياسة الأميركية تجاه حزب الله وعدم الاقتصار على ما هو معروف من تهم "الإرهاب" المعهودة تاريخيًا.
عدد الجلسات ومواضيعها
- تحليل عام
بين عامي 2005 و2018، عقدت لجان متنوعة في مجلسي النواب والشيوخ الأميركيين نحو 100 جلسة استماع، خُصّصت إما للحديث عن مزاعم دور لحزب الله في النشاط الإجرامي، أو جرى ذكر الحزب فيها واتهامه إلى جانب أطراف أخرى بالضلوع بهذا النشاط. ولأن أهداف المشرعين الأميركيين الرئيسية من وراء عقد هذه الجلسات كانت صياغة وإقرار قوانين تعاقب حزب الله يُلاحظ أن الجلسات في أغلبها عُقدت في مجلس النواب من مجلس الشيوخ.
بين عامي 2005 و2018، عقدت لجان متنوعة في الكونغرس -بغرفتيه- مئة جلسة استماع، خُصّصت إما للحديث عن نشاط إجرامي أو "إرهابي" مزعوم لحزب الله في أميركا اللاتينية، أو جرى ذكر الحزب إلى جانب جهات أخرى. كما يرد في الرسم رقم (2)، تفاوت تركيز عقد هذه الجلسات من 9 جلسات عام 2006 (أغلبها قبل حرب تموز بشهرين وخلالها وبعد انتهائها بشهرين) إلى جلستين عام 2009، لتعود وتصعد عام 2011 بواقع 8 جلسات. وبالتزامن مع المفاوضات النووية مع إيران عام 2015 بلغ عدد جلسات الاستماع في غرفتي الكونغرس 12 جلسة، لكن دروة عقد هذه الجلسات كانت في العام 2017، بعد دخول ترامب إلى البيت الأبيض وسيطرة الجمهوريين على الأغلبية في مجلسي النواب والشيوخ، وقبيل انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي مع إيران.
أما داخل مجلس النواب فكان للجنة "الشؤون الخارجية" حصة الأسد في عقد هذه الجلسات بما يقارب نسبة النصف من مجموع الجلسات (48 جلسة من أصل 100). تلتها في الترتيب لجنة "الخدمات المالية" بواقع 17 جلسة، ثم لجنة "الأمن الداخلي" بـ 13 جلسة، و3 جلسات في لجنة "العلاقات الدولية" التي تغيّر اسمها إلى لجنة "الشؤون الخارجية" عام 2005.
ووفق ما يظهره الرسم رقم (4)، يُلاحظ أن نسبة عقد جلسات الاستماع في مجلس النواب للتحريض على دور مزعوم لحزب الله في أميركا اللاتينية كانت أعلى خلال استحواذ الجمهوريين على الأغلبية أكثر مما كانت عليه إبان سيطرة الديمقراطيين على الأغلبية.
وكما يظهر في الرسم رقم (5)، تزايد عقد جلسات الاستماع في لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب للتحريض على دور مزعوم لحزب الله في أميركا اللاتينية ابتداءً من عام 2011، واذا ما قورِن عدد هذه الجلسات بمجموع جلسات اللجنة السنوية يتّضح أن نسبة عقد الجلسات تصاعدت بين الأعوام 2013 و2014 و2015، لتنخفض نسبيًا عام 2016 وتبلغ ذروتها عام 2017 بمعدل 11 جلسة من أصل 104 جلسات (نسبة 10.57%).
- مواضيع الجلسات وعناوينها
بين عامَي 2005 و2018، عقد المشرعون في غرفتي الكونغرس الأميركي بأسلوب منتظم جلسات استماع حول دور مزعوم لحزب الله في الجريمة المنظّمة وما يسمى "الإرهاب"، انطلاقًا من دول أميركا اللاتينية. عند التدقيق في المواضيع التي عُقدت تحت عنوانها جلسات الاستماع المئة هذه، يتبين أن المشرعين في غرفتي الكونغرس عقدوا 78 جلسة تحت عنوان "إرهاب وأمن قومي"، و12 جلسة تحت عنوان "جريمة منظمة"، و10 جلسات تحت العنوانين معًا.
في أغلب جلسات الاستماع المئة، إن لم يكن كلها، جرى ربط حزب الله بإيران عند الحديث عن "الإرهاب والأمن القومي"، بينما جرى التركيز على حزب الله منفردًا فيما يخص العلاقات المزعومة مع منظمات إجرامية في أميركا اللاتينية، وظهر حرص إلصاق التهم المتعلقة بالنشاط الإجرامي بحزب الله أكثر من إيران.
ابتداءً من عام 2011، عمد المشرّعون الأميركيون إلى تخصيص جلسات بعينها للحديث عن دور مزعوم لحزب الله في أميركا اللاتينية، بالتوازي مع استمرار عقد جلسات للحديث عن دور إيران في أميركا الجنوبية. وكما يُظهر الرسم رقم (7)، خصّص 21% من مجموع جلسات الاستماع المئة للحديث عن إيران باسمها، فيما عُقد ما نسبته 10% من إجمالي الجلسات للحديث عن حزب الله بعينه. وأما الجزء الأكبر من الجلسات (69% من الجلسات المئة) التي ذُكر فيها دور مزعوم لحزب الله في النشاط الاجرامي فقد تناولت مواضيع عامة تتعلق بأنظمة دول أميركا اللاتينية، وأمن الحدود الأميركية، وواقع تجارة المخدرات ونشاط منظمات الجريمة المنظمة، ومؤسسات غسيل الأموال.
المصدر: المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق