يستعد العراق لاستضافة أول مؤتمر لدول الجوار الإقليمي أواخر شهر آب الحالي، بدعوة من رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، بهدف مناقشة التحديات السياسية والأمنية التي تواجهها دول المنطقة، خصوصاً بعد عشرة أعوام من التوترات والصراعات في المنطقة وانتشار الحركات الإرهابية، اضافة الى الخلافات والقطيعة بين بعض الدول في المنطقة والاصطفافات المحورية، ومواضيع حساسة أخرى ترتبط بالاقتصاد والاستثمار المتبادل بغرض تنشيط العلاقات البينية بين هذه الدول التي شابت علاقتها في السابق الكثير من التوتر والخلافات حول قضايا سياسية وأمنية واقتصادية، ويعدّ هذا المؤتمر مكملاً للمؤتمر السابق بين العراق ومصر والأردن الذي يراه متابعون بأنه محاولة غربية يُدفع إليها العراق عبر الكاظمي الذي يسوّق نفسه عراباً للحل والتوازنات في إقليم ملتهب يستعد لمزيد من الصراعات والمواجهات.
في قراءة أولية الكاظمي يرى أنّ انعقاد هذا المؤتمر في بغداد، يهدف إلى إستعادة دور العراق الإقليمي المؤثر الذي تراجع بسبب سياسات النظام السابق، لا سيما غزوه للكويت عام 1990. ويعد بحد ذاته توجهاً سياسياً متميزاً، لوضع العراق على مسار جديد من التأثير الذي سيلعبه على الصعيد الإقليمي، وذلك من شأنه ان يعيد مناقشة ملفات إقليمية شائكة.
في حين يرى معارضو الكاظمي أنّ دوره مشبوه، وأنّه يتحرك وفق أجندة غربية أمريكية تحديداً وليس وفق أجندة عراقية وطنية. والجميع يعرف أنّ الكاظمي لا يستطيع القيام بأي دور إصلاحي داخلي، ولا إحداث تحول على المستوى الخدمي المتردي أو بفتح باب الاستثمارات للشركات الصينية والروسية على سبيل المثال، ولا معالجة المشاكل الأمنية وعلى رأسها وجود الاحتلال الأمريكي رغم الاتفاقية الأمنية بين البلدين، وغيرها من الأمور السيادية التي تحتاج إلى إعادة جمع شمل المكونات العراقية على أسس وطنية، لا الهروب إلى لعبة المؤتمرات والأدوار المصطنعة التي تريدها أمريكا لإبقاء الكاظمي في منصبه، وتعزيز حضوره الإقليمي الإعلامي وتمرير مشاريعها الخفية التي تنسجم مع مسارات صفقة القرن.
توجه بغداد الاستراتيجي
توجه بغداد مهم واستراتيجي، حيث لعبت قبل أشهر دوراً مهماً وأساسياً في جمع وفد ايراني مع نظيره السعودي، لمناقشة العديد من الملفات لإعادة العلاقات الطبيعية بينهما، وهذه الخطوة تعتبر مكسباً مهماً، إضافة الى المؤتمر الذي عقد سابقاً مع الاردن ومصر والذي كان بادرة تشكيل حلف اقتصادي. والعراق يسعى الى توسيع هذا الحلف ليشمل أكبر عدد من الدول العربية والإقليمية، والتي ستساهم بشكل كبير بحل الملفات الشائكة في العراق داخلياً، خصوصاً ملف الطاقة الكهربائية والذي يعتبر من أبرز المشاكل التي يعاني منها العراق منذ أكثر من 18 عاماً.
لكن ثمة رأي آخر يعتقد أنّ الكاظمي يتملّص من الوقائع الداخلية الصلبة، ويلتف على القضايا الداخلية، وعلى مصلحة العراق بهذه الطريقة التي تحضر فيها الصور البراقة أكثر من النتائج الحقيقة الملموسة، بل يرى أصحاب هذا الرأي خطورة في ممارسة الكاظمي لهذا النهج، الذي يقوم على مراعاة العدو أكثر من الصديق، بل يضع إيران التي دعمت الشعب العراقي بكل امكانياتها لتحقيق السلام والأمن مع السعودية التي وضعت كل امكانياتها لنشر الإرهاب والتفجير والقلاقل والفوضى الاجتماعية.
من سيحضر هذا المؤتمر؟
وُجهت العديد من الدعوات لدول الجوار الإقليمي ودول عربية وإسلامية بينها مصر والأردن والامارات والسعودية والكويت ودعوات لدول أوروبية كفرنسا وتم ايضاً دعوة الولايات المتحدة الأميركية. وكان الرئيس التركي رجب طيب اردوغان تسلم خلال استقباله لوزيرها فؤاد حسين دعوة رسمية. وتلقى امير الكويت الشيخ نواف الأحمد الصباح الدعوة عبر وزير التخطيط العراقي. ووصل أمس وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين، الى طهران لتسليم دعوة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي لحضور المؤتمر. وبارك الرئيس الإيراني السيد إبراهيم رئيسي قرار الحكومة العراقية بتنظيم المؤتمر، واعتبره خطوة جيدة، فيما لوحظ غياب الدعوة لكل من روسيا والصين مما يطرح علامات استفهام كثيرة حول أهداف المؤتمر.
المواضيع التي سيتناولها المؤتمر
ستتناول الأطراف الإقليميّة وقادة دول جوار العراق، الملفات السياسية والأمنية والاقتصادية، إلى جانب التهديدات الأمنيّة وعدم الاستقرار والتصدي للإرهاب وضبط الحدود بين الدول وأزمة المياه. وتهدف القمّة إلى المساهمة في حل الخلافات بين بعض دول المنطقة، وخفض التوتر فيما بينها، وتركيز الجهود لمحاربة الجماعات الإرهابية. ومن المتوقع أن يُطرح على قائمة هذه القضايا التوتر السعودي - الإيراني، كما القضيّة السوريّة. تسعى بغداد لتمتين علاقاتها الاقتصادية مع دول الجوار وفتح الأبواب أمام الاستثمارات، لا سيّما في المناطق المتضررة من الحرب ضد تنظيم "داعش" الإرهابي.
يأتي هذا المؤتمر قبل شهرين من الانتخابات النيابية المبكرة، وتشعر حكومة الكاظمي انها امام تحديات كبيرة من أجل انجاح العملية الانتخابية وخصوصاً الهواجس الأمنية بعد الانقسامات السياسية الداخلية والانسحابات الاخيرة من بعض الكتل السياسية، وما يلقي بظلاله على الجانب الأمني، والأمر الثاني هو نجاح الانتخابات.
وبموازاة ذلك الملفات الاقتصادية والخدمية والتي تعتبر مطلباً اساسياً للشعب العراقي والذي سيساهم المؤتمر بشكل مهم حسب رؤية الحكومة الحالية، في وضع الحجر الأساس لحل هذه المشاكل من خلال فكرة يسوقها الكاظمي نفسه، تقوم على أساس تحييد العراق عن صراعات المحاور. الامر الذي تعتبره شريحة واسعة من العراقيين فكرة خطيرة، لأنه لا يمكن سلخ العراق عن محيطه، والحياد بمواقفه، لا سيما تجاه القضية الفلسطينية، فضلا عن كونه جزءا أساسيا من الصراع في المنطقة.
الكاتب: غرفة التحرير