منذ بداياتها الأولى، لم تأخذ الحركة النسوية في إيران صفة الحركات القائمة لمطالبات نسوية بالمعايير السائدة اليوم، خاصة أنها حملت شعارات وعناوين سياسية وطنية وليس مطالب حقوقية بحتة. فتجربة النساء السياسية في إيران وإن لم تكن مباشرة، إلا أنها قديمة قدم العقود الاجتماعية للمجتمع الإيراني، أحدث ما وصل إلينا من التاريخ بخصوصها هو انتفاضة التنباك عام 1891. وعلى عكس ما يحاول الغرب تصويره حول استضعاف المرأة في إيران بسبب نظام اجتماعي بطريركي بحسب التسمية السائدة، إلا أنّ الشعب الإيراني، وعلماء الاجتماع والسياسة وحتى الأفراد العاديين ممن عايشوا المجتمع الإيراني، يعرفون جيّدًا أن للمرأة دوراً اجتماعياً أساسيًا ولا سيما في إدارة الأسرة، وهذا إن دلّ على شيء، فإنه يدلّ على تراكم اجتماعي تاريخي في تمكين المرأة الإيرانية، في محيط إقليمي تغلب عليه السلطة الاجتماعية للرجل، عادة ما يربط علماء الاجتماع الغربيين مسألة النظام الاجتماعي البطريركي أو الذكوري بأنها نتيجة مجتمعات دينية، وترتبط مسألة تمكين المرأة بعلمنة هذه المجتمعات وتحررها من الدين، وهو الأمر الذي حصل في الدول الغربية. يستخدم الغرب اليوم هذه الصورة العلمية النمطية لترسيخ مغالطة اضطهاد المرأة الإيرانية، فيما أثبت التاريخ الإيراني أن المرأة الإيرانية المتدينة هي التي مكّنت نفسها بل مكّنت من ترسيخ النظام الإسلامي في إيران.
النساء الإيرانيات في الحراك السياسي
أول حركة نسوية في إيران من الناحية التاريخية هي انتفاضة التنباك (1891 - 1892)، حين شاركت النساء بفاعلية في "إبطال اتفاقية استعمارية وقعها ناصر الدين القاجاري مع بريطانيا"، تمنح احتكار تجارة التنباك الإيراني لشركة بريطانية في الوقت الذي كان فيه 20% من الشعب الإيراني يعملون في قطاع التبغ. فاندلعت احتجاجات كبيرة في العديد من المدن الإيرانية بقيادة آية الله محمد حسن الشيرازي، تقول دائرة المعارف البريطانية إن احتجاجات التبغ كشفت التأثير الكبير لرجال الدين على التغيرات السياسية في البلاد، وقد ارتبطت هذه الثورة بأسماء نساء لعبت أدوارًا في قيادة الاحتجاجات. على سبيل المثال، زينب شاه التي نزلت مع عدد من النساء إلى أسواق تبريز ممسكات بالعصيّ والهروات وأجبرن التجار على إعادة إغلاق متاجرهم بعدما فتحوها بسبب ترهيب الشاه. ثم وقفت وسط جموع الرجال تخطب فيهم: "إذا كنتم تخشون قطع أيدي اللصوص الذين يسرقون ممتلكاتكم ووطنكم، فاجلسوا في المنزل، ونحن النساء سنحاربهم".
ثم تصاعدت الحركات السياسية النسائية في أوائل العام 1905، حين قاد السّيد محمد الطّباطبائي النّضال ضد مظفر الدين شاه، للاحتجاج على الاستبداد واحتكار السّلطة، كانت النّساء في الصّفوف الاماميّة لهذه المظاهرات. يقول أحمد كسروي تبريزي في كتابه "التاريخ الدستوري لإيران": " إنّ امرأة تدعى زن حيدر خان تبريزي قادت مجموعة من النّساء كانت مهمّتها حماية المتظاهرين بالعصيّ المخبأة تحت ملابسهنّ وسط المظاهرات". وبعدها نجحت الثورة الدستورية بقيادة رجال الدين أيضًا في تأسيس البرلمان الإيراني، وسارت النساء المشاركات في الثورة إلى تشكيل الجمعيات، التي كانت بداية الصحوة في إيران، واهتمت برفع الوعي النسائي والتعريف بحقوق المرأة.
عام 1936، أقرّ رضا شاه قانونًا يلزم الإيرانيات بخلع الحجاب لاعتباره من مظاهر التخلّف، أثار ردود فعل شعبية غاضبة واحتجاجات قادتها النساء استمرّت إلى أن تم إلغاؤه في عهد ابنه محمد رضا عام 1944. وحتى انتصار الثورة عام 1979، بقيادة رجل دين أيضًا وهو الأمام روح الله الخميني، كانت الإيرانيات الرافضات لسياسات الشاه التغريبية (أي تقليد الغرب)، تتسابقن للبس الحجاب، وارتدَين الشادور أو الحجاب بوصفه أداة ثورية في مواجهة الشاه، وبعد انتصار الثورة، ولمّا كان الحجاب من المظاهر السلوكية للدين، كان لا بدّ أن ترمز النساء إلى الطابع الإسلامي للدولة، خاصة أن الحجاب في العصر الحديث، لطالما كان موضوعًا سياسيًا سواء للدول والحركات، إسلاميةً كانت أو غربية.
المرأة الإيرانية: مناصب سياسية رفيعة
بعد الثورة، ثمة العشرات من السيدات اللواتي حصلن على مناصب حكومية رفيعة ومن المتوقع أن تصل إلى نسبة 30%: كوزيرات وخاصة في حكومة أحمدي نجاد ( وزير الصحة والتعليم الطبي مرضية وحيد دستجردي)، ونواب في مجلس الشورى (17 إمراة منتخبة في مجلس الشورى)، ومديرات في المديريات العامة، ومساعدات وزراء، كما أنّ 41٪ من موظفي المؤسّسات الحكوميّة هنّ من النساء. إلى ذلك يبرز على المستوى الدبلوماسي اسم الناطقة باسم الخارجية الإيرانية السيدة مرضية أفخم في حكومة الشيخ حسن روحاني، كما استطاعت المرأة الإيرانية الوصول إلى منصب نائب رئيس الجمهورية، إذ تبوأت السيدة معصومة ابتكار هذا المنصب.
النساء الإيرانيات في الحراك الاجتماعي
"لقد حصلنا على هذا النصر من النساء قبل أن نحصل عليه من الرجال. كانت نساؤنا الكريمات في الصف الأول. أصبحت نساؤنا العزيزات سببًا للرجال لإيجاد الشجاعة، نحن مدينون لكنّ أيتّها السّيدات". بهذه الكلمات وضع قائد الثورة الإسلاميّة الإمام روح الله الخميني خارطة طريق لمسار المرأة الإيرانيّة بعد انتصار الثورة الإسلاميّة، فكما شاركت في مختلف ميادين الحياة السياسيّة تلعب المرأة اليوم دورًا رياديًا في الحياة العلميّة والثقافيّة والاجتماعيّة والرياضيّة وحقّقت إنجازات تنموية وأرقام في الرصيد الاجتماعي النسوي لم تتمكن من تحقيقها الكثير من المجتمعات المجاورة وغير المجاورة.
البلديات
بحسب مكتب مجالس المدن والقرى الإسلاميّة، من بين 109.902 عضوًا في المجالس الإسلامية للمدينة والقرى، هناك 2.808 عضوات ناشطات. وهناك 10 نساء لديهن مناصب رئاسة بلديات. وفي الدورة السادسة تم انتخاب حوالي 6.000 امرأة في مجالس المدن والقرى، أكثر من 570 منهن كن أعضاء في مجالس المدن والباقي أعضاء في المجالس القروية.
الجامعات
حسب إحصائيّات صادرة عن مكتب التعليم العالي لمعهد البحث والتخطيط التابع لوزارة العلوم، بلغ عدد الطالبات الجامعيّات مليون و604 آلاف، أي ارتفع إلى نسبة 47.6٪ بين عامي 2017-2018. قبل انتصار الثورة الإسلامية، كان هناك 38 ألف طالبة فقط يدرسن في الجامعات، أي حوالي 27٪ من عدد الطلاب في البلاد. بالإضافة إلى زيادة نسبة النساء الأعضاء في الهيئة العلمية للجامعات حتى أكثر من 33.3%،
صناعة التكنولوجيا المالية
تتولّى المرأة الإيرانيّة مناصب تقنية رفيعة في المصارف والبنوك، مثل: كبيرة مستشاري العضو المنتدب في أحد البنوك. ورئاسة قسم تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والمشاركة في إدارة شركات تابعة لإحدى البنوك، وإدارة تقنيات المعلومات وأمن الفضاء الإلكتروني.
العلوم والتكنولوجيا
شهدت السنوات الأخيرة حضورًا فاعلًا للمرأة في المجالات العلمية. حيث سجلت النساء براءات اختراع من 2014 إلى 2018 بنسبة 7٪ بمفردهن و 24٪ بالشراكة مع الرجال، وكان للمرأة الإيرانية دورًا مهمًّا في تنمية البلاد في مختلف مجالات العلوم والتكنولوجيا.
سوق العمل
وفق مركز الإحصاء الإيراني وبرامج التوظيف للهيئات التنفيذية، ارتفع معدل مشاركة النساء في سوق العمل في الأعوام 2013 إلى 2019 من 12.4٪ إلى 15.5٪، مما يشير إلى زيادة مشاركة المرأة في سوق العمل. كما نمت الأنشطة التجارية والاقتصادية للمرأة بنسبة 6٪ من 12.93٪ عام 1976إلى 18.7٪ عام 2005.
الفن
65٪ من الحرفيين في إيران هنّ من النساء، وينتجن الكثير من الصناعات اليدوية بما في ذلك: الفُسَيفِساء، وفن حك النقوش على المعدن، وفن الخاتم، والكليم، والسجاد اليدوي، ولوحة السجاد، والمنسوجات التقليدية. كما يزيد عدد النساء عن الرجال في مجال الرسم الذي يجسّد مختلف القضايا التي تعنيهن. ويشاركن في فرق أوركسترا لتقديم عروض موسيقيّة مميزة. في عام 2017 تولّت امرأة قيادة الأوركسترا الوطنيّة في إيران.
الرياضة
تشارك فرق الرياضة الخاصّة بالنساء الإيرانيّات في الأولمبياد بشكلٍ دائم، بما في ذلك مسابقات كرة السلّة وكرة القدم والتنس ورفع الأثقال والكاراتيه وغيرها من المجالات، وقد حصدن الكثير من الجوائز. وتتميّز اللاعبات الإيرانيّات بالحفاظ على الملابس الإسلاميّة كنموذج للمرأة المسلمة في الساحات الدوليّة.
النساء الإيرانيات والاجتهاد الديني
في مسألة هي الأكثر حساسية لدى الطوائف الدينية بمختلف مشاربها، تمكنت المرأة الإيرانية من الوصول إلى مرتبة الاجتهاد الديني، إذ تبرز السيدة نصرت أمين المجتهدة والفقيهة والمحدثة التي تتلمذ عندها العديد من العلماء الذين أعطتهم إجازة في رواية الحديث كالمرجع السيد شهاب الدين المرعشي النجفي، والسيد عباس الكاشاني، والشيخ عبد الحسين الأميني، والسيد محمد علي القاضي التبريزي. ومع وجود تباين في الآراء بين علماء الدين حول قضية اجتهاد النساء لكن هناك فتوى لقائد الثورة الإسلامية السيد علي خامنئي تسمح للنساء بتقليد المجتهدات في الشؤون الفقهية. وتسجل المرأة المجتهدة في الحوزة مقدرة فقهية عالية.
الغرب غاضب من النساء الإيرانيات
يرى قائد الثورة الإسلامية في إيران أن الغربيين "غاضبون من النساء الإيرانيات ويشككون ويخلقون الأجواء السلبية بحجة الحجاب" واتهم الغرب بمحاولة تحرير الايرانيات من القيود الأخلاقية والدينية، ويرى أن المرأة الإيرانية أبطلت هذه الجهود، ولهذا السبب هم غاضبون منها.
الواقع أن الغرب غاضب من تمكين النظام الإيراني للمرأة بحسب النموذج الفعال، الذي يظهر إمكانات المرأة الحقيقية، خاصة بعدما تمكنت المرأة في إيران من الفعالية في الحراك السياسي والاجتماعي والعلمي والتكنولوجي. إذ يتخوّف الغرب من أن تمكين المرأة المسلمة الملتزمة في إيران سيؤدي إلى المزيد من الممانعة والمناهضة للمشروع الغربي في استعمار المنطقة، خاصة أن النساء الايرانيات تاريخيًا ناهضن الاستعمار من خلال النموذج الديني وليس من خلال النماذج العلمانية، سواء كانت يسارية أو ليبرالية. وهو اليوم يحاول تظهير أن تمكين المرأة يكمن في الشعارات البراقة للمساحة الشخصية السطحية للمرأة التي تتمحور حول ذاتها، في حين أن الثقافة الإسلامية تعطي الأولوية للمساحة الشخصية العميقة التي تنطلق باتجاه مجتمعها. وفي الثقافة الإسلامية أيضًا أن التمكين الحقيقي هو الذي يؤدي بالمرأة إلى إدارة المجتمع وإن كان من الخلفية، فالأعمال العظيمة لطالما كانت نتيجة أدوار خفية، خاصة أن الغرب يحاول إسقاط الثقافات والدول من خلال العمليات المستورة فيما يسمى الثورات الملونة التي تجتاح المنطقة واستطاعت إسقاط العديد من الأنظمة بسبب محاربتها في ثقافتها، لكنها على الرغم من محاولاتها الحثيثة والمتعددة لم تتمكن من إسقاط النظام الإسلامي الإيراني.
الكاتب: زينب عقيل