السبت 08 أيار , 2021 06:43

الأمم المتحدة: إجراءات إسرائيل في الشيخ جرّاح جرائم حرب !

على وقع المواجهات المستمرة بين قوات الاحتلال والمقدسيين، التي أسفرت عن استشهاد طفل وجرح العشرات، أعلنت مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الانسان، ان الإجراءات التي تقوم بها "إسرائيل"، ضد أهالي حي الشيخ جراح قد ترقى إلى "جرائم حرب".

المتحدث الإعلامي باسم مفوضية الأمم المتحدة روبرت كولفیل أكد:" أن القدس الشرقية لا تزال جزءاً من الأراضي الفلسطينية المحتلة ويسري عليها القانون الدولي الإنساني...وعلى سلطة الاحتلال احترام الممتلكات الخاصة لا سيما المحمية من المصادرة".

ويأتي هذا الإعلان بعد إطلاق قوات الاحتلال بوالين حرارية على منازل الفلسطينيين واستخدام الرصاص الحي المباشر، الذي أدى إلى إصابات بليغة، عدد كبير منها في الأعين، عقب انتفاضتهم بوجه اقتحام المسجد الأقصى، وقرارات الاحتلال بشأن منازل حي الشيخ جراح.

من جهتها، حذرت حركة الجهاد الإسلامي الاحتلال من "رد لا يتوقعه" إذا لم يتراجع عن قراراته واستمر في اعتداءاته في القدس المحتلة.

وكانت المحكمة الإسرائيلية العليا قد حددت يوم الخميس الفائت مهلة أخيرة للعائلات الفلسطينية الأربعة في حي الشيخ جراح، للتوصل إلى اتفاق مع المستوطنين، بشأن ملكية الأراضي المقامة عليها منازلهم، والذين كانوا قد دفعوا ثمنها أساساً في وقت سابق.

وتقضي التسوية التي أمهلت المحكمة العائلات الفلسطينية للتوافق عليها مع المستوطنين، إيجاد آلية لإخلاء المنازل أو دفع بدل إيجار للمستوطنين بمفعول رجعي، إلى أن يتوفى رب المنزل الفلسطيني، بحيث لا ينتقل الإيجار المتوجب لأولاده.

هذه الخطوة ليست يتيمة عَرضيّة، بل هي نِتاج برنامج ممنهج مدروس في محاولةٍ إسرائيلية لتهويد القدس، فقد قامت سلطات الاحتلال بسلسلة إجراءات، وسنّت العديد من القوانين بهدف السيطرة الديموغرافية والجغرافية على المدينة وتهويدها، وقد تجلّت عملية التهويد على أكثر من مستوى، أبرزها:

-التهويد العقاري: بغية إضفاء الطابع اليهودي على جغرافية المدينة، بخطة تقوم على الاستيلاء والمصادرة وإكراه أصحاب الأراضي والملكيات من العرب والفلسطينيين على بيع أراضيهم.

بين عامي 1977 و1984 تسارعت وتيرة الاستيلاء على الأراضي في غزة والضفة الغربية، فقد أعلن الليكود علانيةً انه "من حق الشعب اليهودي الاستيطان في يهودا والسامرة"، معتبراً أن "حاجات الأمن القومي، بمعناه الواسع" هي التي تكمن وراء الاستيلاء على الأراضي، وأنه من "حق الحكومة الإسرائيلية" أن تتصرَّف في إدارة الأراضي وفقًا لمتطلبات الأمن الاحتلالي العسكري والاستيطاني والاقتصادي وما إلى هنالك.

 هذا وقد كانت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة قد سمحت لعدد من الشركات العقارية الوهمية للاستيلاء على الأراضي في القدس المحتلة، كما انشئت وحدة خاصة تسمّى وحدة "أيعوم" للعمل في ما يطلق عليه "إدارة أراضي إسرائيل".

وكانت الترجمة العملية للأوامر العسكرية قد تجلّت بتعدُّد آليات الاستيلاء على الأراضي، أبرزها:

-الأراضي الحكومية: أي الأراضي التي كانت تحت رعاية الحكومة الأردنية قبل الاحتلال، والتي اعتُبِرت بُعيد الاحتلال مباشرة من ملكيات الكيان الإسرائيلي.

-الأراضي المتروكة: وهي أراضي اللاجئين الذين تركوا فلسطين إلى بلدان أخرى.

-الاستحواذ والاستيلاء الإجباري على الأرض: وفقًا للقانون الإسرائيلي الصادر عام 1967 والقانون الأردني بعد تعديله العام 1980.

-الشراء من الفلسطينيين لصالح الشركات الإسرائيلية والمستوطنين اليهود.

-المصادرة والاغلاق لأغراض عسكرية.

فبعد أن كانت العقارات العربية بعد حرب 1948 تشكل ما يقارب 34% من إجمالي أراضي الشطر الغربي من القدس، مقابل 30% فقط لصالح "المالكين اليهود"، لم تلبث سلطات الاحتلال أن نجحت في الاستيلاء على كامل الأراضي، محقِّقة بذلك التهويد الجغرافي للشطر الغربي من المدينة والذي بلغت مساحته حوالي 16261دونمًا عام 1948، أي ما يشكّل حوالي 84% من إجمالي مساحة القدس الكلية حينها، إلا أنّ هذه المساحة وصلت إلى 52600 دونماً عام 1993، أي بزيادة تضاعفت 3.2 مرات عما كانت عليه عام 1948.

 -التهويد السكاني: بهدف تحقيق هذه الغاية، اعتمدت السلطات الإسرائيلية على:

تعزيز وجود العنصر اليهودي اقتصادياً، سياسياً واجتماعياً في هذا الجزء من المدينة، مقابل الطرد الإكراهي والتعسفي للفلسطينيين، ونتيجة لذلك أخذ المؤشر السكاني لليهود يسجل صعودًا ملفتاً، بحيث ارتفع من 99400 يهودي قبيل حرب 1948، إلى 166300 خلال 1961 وإلى 195 ألفًا عام 1967 وصولاً إلى 330 ألفًا عام 1997، أي بنسبة زيادة بلغت 240% خلال نصف قرن أي 50 عاماً مضت على الاحتلال.

-التهويد الإداري: بدأ اسم "أورشليم" بالظهور بدل القدس، على اعتباره اسم المدينة كما ذُكر في التوراة في العهد القديم حسب زعمهم، وبذلك باتت القدس من ناحية شطرها الغربي جزءًا من التنظيم الهيكلي الإسرائيلي إداريًا وتربويًا ومؤسساتيًا وعمرانيًا، في "المجتمع الإسرائيلي".

والاستيطان ليس مجرد إقامة يهود غرباء قدموا من الخارج إلى أرض فلسطين، بل بات الأمر يتحول تدريجياً إلى بديل إلغائي سكاني وثقافي وتاريخي لأهل الأرض الأصليين، وتحويلهم إلى لاجئي شتات من دون هوية وطنية أو ذاكرة تاريخية.

 هذا الأمر لم يتم في سياق تطور اجتماعي سياسي طويل لجماعة محلية مستقرة في مدن فلسطين وقراها - لها تاريخها وهويته وراحت تتنبّه لنفسها "كأمة"- بل هو ترجمة لمشروع صهيوني رُسمت خطوطه الأوليّة في الغرب الرأسمالي أواخر القرن التاسع عشر.

اليوم وبعد مرور عقود على احتلال فلسطين، ومحاولات الكيان الحثيثة لسلب الهوية الفلسطينية، أدركت "إسرائيل" ان الاستيلاء على الأراضي وانتزاعها بالقوة لن يُغيّر شيئاً مهماً في مسار الصراع، فلو كان ذلك سيؤثر فعلياً لما كُنّا اليوم على أعتاب يوم القدس العالمي بذكراه الـ 41، وقد توحدت الساحات الأممية حول حق فلسطين في استرجاع سيادتها على كامل أرضها، بعد ان باتت "إسرائيل" محاصرة من الخارج على حدود لبنان وسوريا، ومن الداخل في مواجهة فصائل المقاومة الفلسطينية.

من هو "الشيخ جرّاح" الذي سُمّي "حي الشيخ جرّاح" باسمه

هو الأمير حسام الدين بن شرف الدين عيسى الجرّاحي، الطبيب الخاص لصلاح الدين الأيوبي ولهذا اكتسب اللقب "الجرّاحي" أي الطبيب الجرّاح. وكان الجرّاحي رجلاً صوفياً من أتباع الطريقة القادرية، وبعد الانتصار الساحق للجيوش الإسلامية على الصليبين في معركة حطين عام 1187م وتحرير بيت المقدس في نهاية ذلك العام، استقر الجرّاحي في القدس وأسس زاوية صوفية أصبحت تدعي "الزاوية الجرّاحية" (وتُعرف الآن باسم "زاوية الشيخ جرّاح"، تقع على الطرف الجنوبي من "طريق نابلس"، على بُعد حوالي كيلومترين إلى الشمال من سور القدس)، وحين توفي الأمير الجرّاحي عام 1202م دفن في الزاوية الجرّاحية ثم أقيم على ضريحه مقام ما لبث أن أصبح مزاراً للحجاج الصوفيين من مختلف أنحاء العالم الإسلامي. وفي عام 1895م بني مسجد بمحاذاة الزاوية والمقام، وهو يُعرف الآن باسم "مسجد الشيخ جرّاح". 


مرفقات


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور