يشير مقال للباحثين في معهد دراسات الامن القومي الاسرائيلي "دانيال راكوف وأورنا مزراحي" إلى وجهة النظر الروسية بأن دمشق وبيروت متشابكتان من الناحية الأمنية والاقتصادية، وبالتالي فإن عدم الاستقرار في إحداهما يؤثر على الأخرى. كما يتحدث المقال عن امتلاك روسيا لمجموعة متنوعة من الأدوات للتأثير على الوضع في لبنان، ويرجع ذلك جزئياً لتواجد القوات العسكرية الروسية في سوريا، ولها صلة بالمصالح الأمنية للبنان نفسه.
النص المترجم للمقال:
يبرز مؤخراً ارتفاع في حجم الاتصالات بين روسيا وبين مسؤولين رفيعي المستوى في لبنان. في 15-16 نيسان/أبريل قام رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري بزيارة إلى موسكو أجرى في إطارها حديثاً من خلال الفيديو مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، واجتمع برئيس الحكومة الروسية ميخائيل ميشوستين ووزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف. ميشوستين دعا إلى ترميم التجارة المتبادلة بين الدولتين، التي انخفضت بنسبة 38% في سنة 2020 ووصلت إلى 320 مليون دولار، مؤكداً أن على بيروت إيجاد ظروف جذابة للاستثمارات الروسية. الحريري دعا شركات روسية إلى الاستثمار في الاقتصاد اللبناني، وطلب تقديم مساعدة من لقاح سبوتنيك -5. وقيل إن البحث تناول أيضاً الاستثمارات الروسية في إعادة بناء مرفأ بيروت، وبناء محطات للطاقة، واستخراج معادن، ومشاريع بنى تحتية. سبق ذلك لقاء جرى في 9 آذار/مارس بين لافروف والحريري في أبو ظبي. بالإضافة إلى ذلك زار موسكو وفد من حزب الله برئاسة النائب في البرلمان اللبناني محمد رعد، في آذار/مارس الماضي، وبحث الوفد مع ممثلي وزارة الخارجية والبرلمان الروسي الأزمة السياسية في لبنان والوضع في سورية. استقبل الوفد وزير الخارجية لافروف - الشخصية الروسية الرفيعة المستوى التي التقت أكثر من مرة ممثلي الحزب. الزيارة السابقة لحزب الله إلى موسكو جرت في سنة 2011، وكان الوفد حينها برئاسة محمد رعد، لكنها جرت بعيداً عن الأضواء.
في ضوء الهيمنة الروسية على الساحة السورية، يشكل لبنان مجالاً للدفع قدماً بمصالح روسيا. من وجهة نظر روسية، يشكل كل من سورية ولبنان "أدوات متشابكة" من الناحيتين الأمنية والاقتصادية، وعدم الاستقرار في الواحدة يؤثر في الثانية. لدى روسيا مجموعة أدوات للتأثير في الوضع اللبناني، بينها القوات الروسية في سورية، التي تعمل في السنوات الأخيرة على طول الحدود المشتركة بين سورية ولبنان، وهي ذات صلة بالمصالح الأمنية للبنان نفسه.
تكشف زيارة الحريري إلى موسكو كما يبدو محاولته اليائسة للحصول على دعم دولي لمساعيه الفاشلة حتى الآن في تأليف حكومة. بالإضافة إلى ذلك يبدو أن اللبنانيين يدركون حدود قدرة روسيا على مساعدة اقتصادهم، ويستغلون الاتصالات بالروس كرافعة إضافية للحصول على المساعدة التي وعدهم بها الغرب، والمشروطة بتأليف حكومة تدفع قدماً بإصلاحات.
في السنوات الأخيرة تحافظ روسيا على حوار مستمر مع كل القوى السياسية في لبنان (مسيحيون من طوائف متعددة، وسنّة، وشيعة ودروز) من خلال قنوات رسمية وغير رسمية (كنائس، تنمية اجتماعية للمتحدثين بالروسية في لبنان، منظمات دينية إسلامية). لبنان من جهته يشارك في مؤتمرات تعقدها روسيا بشأن موضوع إعادة اللاجئين، والتي تقاطعها دول الغرب.
فيما يتعلق بحزب الله، تدير روسيا منظومة علاقات معقدة من المنافسة والتعاون مع الحزب (وكذلك مع راعيته إيران التي تشجع، بحسب أحد المصادر، التدخل الروسي في لبنان). من جهة تحولت روسيا في السنوات الأخيرة إلى "درع لحزب الله" في مجلس الأمن الدولي ومنعت اتخاذ قرارات تنتقده، وهي تمنحه شرعية من خلال الاجتماعات به، ومن خلال موقفها الرسمي بأنه يشكل قوة سياسية مهمة في لبنان. كذلك في سورية، يوجد تعاون بين الروس وقوات الحزب التي تقاتل معهم دفاعاً عن نظام الأسد. فبعد الزيارة الأخيرة إلى موسكو صرّح النائب عن حزب الله عمار الموسوي أن الكل يعلم بأن نشطاء الحزب موجودون في قاعدة حميميم الروسية في سورية. من جهة ثانية، طوال سنوات يوجد أيضاً احتكاك بين الروس وبين حزب الله. لا تتفق موسكو مع حزب الله وإيران بشأن مساعيهما لترسيخ وجودهما في سورية، وخصوصاً على طول الحدود مع إسرائيل، وتدعو موسكو إلى خروج كل القوات الأجنبية من سورية (باستثناء الروسية).
من جهته يولي حزب الله أهمية للتأييد الروسي الذي يمنحه الشرعية كلاعب سياسي في المنظومة اللبنانية، بخلاف عدد كبير من الدول التي تعتبره تنظيماً إرهابياً بكل مكوناته، السياسية والعسكرية على حد سواء. بالإضافة إلى ذلك، للحزب مصلحة واضحة في تعزيز علاقات لبنان مع أطراف ليست غربية أو موالية للغرب، مثل دول الخليج.
على المستوى الاقتصادي، روسيا ليست شريكاً تجارياً مركزياً في لبنان، لكن يبرز اهتمام من طرفها في الأساس في إيجاد موطئ قدم لها في سوق الطاقة اللبنانية، والحاجة الماسة إلى مساعدة خارجية. في هذا الإطار، فازت شركة الغاز "نوفاتيك" الروسية، كشريك صغير إلى جانب شركات من فرنسا وإيطاليا، بمناقصة لاستخراج الغاز من البلوكّيْن في البحر المتوسط 4 و9 الذي يشكل جزء منه موضع خلاف بين إسرائيل ولبنان. كما وظفت شركة النفط الحكومية الروسية "Roseneft" استثمارات في محطة لتخزين النفط في مرفأ طرابلس؛ وفي الأشهر الأخيرة حصلت شركات روسية على حقوق التنقيب عن الغاز في البحر المتوسط في منطقة الحدود البحرية السورية - اللبنانية، وهي أيضاً موضع خلاف. في الموازاة، وفي ضوء عقوبات أميركية صارمة على سورية، وعلى جزء من المنظومة المالية اللبنانية، الشركات الروسية، التي لا تخضع لعقوبات، والمتعودة على العمل في "المنطقة الرمادية"، تملك ميزة محتملة إزاء لبنان، وخصوصاً في الصفقات المتداخلة مع سورية.
لا تُعتبر موسكو حتى الآن لاعباً أجنبياً قائداً في لبنان، بخلاف فرنسا والولايات المتحدة، أو السعودية. انهيار لبنان الاقتصادي، وشلل المنظومة السياسية فيه يدفعان لاعبين مركزيين في بيروت إلى فحص مساعدة روسيا أيضاً على الرغم من المعارضة الغربية لها. يبدو أن هناك مقاربات متعددة في المنظومة اللبنانية المنقسمة على نفسها إزاء تطوير العلاقة بالروس، لكن الأطراف كلها تشترك في تقييمها أن هناك حاجة إلى مساعدة خارجية من أي جهة ممكنة، بالإضافة إلى أن التوجه نحو روسيا يمكن أن يُستخدم كرافعة لحث الغرب على المساعدة.
في المقابل الروس أيضاً لديهم مصلحة في إيجاد موطئ قدم في لبنان، وتقاطُع المصالح هذا يطرح معقولية أن تؤدي روسيا في السنوات القادمة دوراً سياسياً واقتصادياً أكثر أهمية في لبنان، لكن هذا لا يعني تقديم "وجبات مجانية" إلى لبنان. روسيا "خبيرة" في العلاقات مع دول صغيرة في أزمة وتقدر في بعض الأحيان على حل مشكلات محدودة مهمة (كما جرى مثلاً عندما زودت سان مارين [في ايطاليا] مؤخراً بكل حاجتها من اللقاحات)، ما دام الأمر يخدم مصالحها ولا يطلب منها دفع ثمن باهظ.
التداعيات على إسرائيل
بالنسبة إلى إسرائيل، لا تكفي متابعة التدخل الروسي في لبنان، بل المطلوب طرح الموضوع اللبناني في إطار الحوار القائم بينها وبين روسيا. حتى الآن تعتبر القدس أن روسيا هي العنوان ذي الصلة بالساحة السورية فقط، بينما المعالجة السياسية للشأن اللبناني كانت تجري في الأساس عبر الولايات المتحدة. لكن هناك أهمية لتوسيع الحوار مع الروس إزاء مخاوف إسرائيل المتعلقة بالوضع في لبنان، وأيضاً دور حزب الله السلبي، سواء في المنظومة الداخلية اللبنانية أو في ازدياد التوترات في مواجهة إسرائيل على طول الحدود اللبنانية، أو بالنسبة إلى تمركزه في سورية - بصورة يمكن أن تؤدي إلى اشتعال الساحة الشمالية. روسيا التي تربطها علاقات رسمية بحزب الله يمكن أن تشكل أيضاً قناة لنقل الرسائل إلى الحزب. بالإضافة إلى ذلك نوصي بفحص ما إذا كانت مصلحة موسكو الحاسمة في المحافظة على حصتها في سوق الغاز الأوروبية تلتقي مع مشاريع نقل الغاز من الحوض الشرقي للبحر المتوسط إلى أوروبا، والتي تشارك إسرائيل فيها. في المقابل، يجب العمل على توسيع الحوار بشأن الوضع في لبنان وتداعياته على المنطقة أيضاً مع شركاء إسرائيل في الغرب مع التشديد على الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا.
المصدر: معهد دراسات الأمن القومي الاسرائيلي
الكاتب: دانيال راكوف و أورنا مزراحي