الإثنين 21 آب , 2023 03:16

عن الثقافة البوتينية ونهج حزب الله

السيد نصر الله خلال جلسات الحوار 2006

ينقل الكاتب الفرنسي نيكولا هينان في كتابه "فرنسا الروسية، تحقيق حول شبكات بوتين" حادثة أثارت الكثير من التساؤلات والغرابة في أروقة الإعلام والسياسة الغربية.

في العام ٢٠٠٧ فاز المرشح الفرنسي نيكولا ساركوزي بالانتخابات الرئاسية الفرنسية خلفاً للرئيس السابق جاك شيراك، إثر هذا الفوز قام ساركوزي "المنتشي بوصوله إلى الرئاسة" بزيارة إلى روسيا للقاء نظيره بوتين "القديم المخضرم" ومع بدء الإجتماع أخذ يحاضر أمام بوتين حول حقوق الإنسان ويعارضه على حرب الشيشان الثانية وغيرها..

لم يقاطع الرئيس الروسي نظيره في البداية بل تركه يمعن في حديثه إلى أن استُفزَّ فقاطعه بلهجة غير دبلوماسية وحادة قائلاً "حسناً، هل انتهيت؟ إسمع سأشرح لك، إن بلدك هو هكذا" -مشيراً بيده إلى حجم صغير- "أما بلدي فهو هكذا" -مشيراً بكلتا يديه إلى كبر حجم روسيا- ويتابع بوتين قوله بعدها "والآن، لديك حلّان: إما أن تتابع الحديث معي بهذه اللهجة وعندها سأقوم بسحقك، وإما أن تغيّر أسلوبك وسأجعلك بالمقابل ملكاً على أوروبا".

لا بوتينية في لبنان

في الحادثة المذكورة أعلاه بين الرئيسين الروسي والفرنسي، تجاوز بوتين الأعراف الدبلوماسية بتهديد واضح وصريح للرئيس الفرنسي خلال الإجتماع مستنداً على مكانة روسيا الدولية ومساحتها الجغرافية الشاسعة وثقته بقدراتها العسكرية القادرة على "السّحق" وقدراتها الإستخباراتية التي يستطيع من خلالها أن يجعل من ساركوزي "ملكاً على اوروبا"؛ هو يمتلك فائض قوة قلّ نظيره بين الدول.

فائض القوة مصطلح اعتاد اللبنانيون سماعه في حياتهم اليومية سواء في نشرات الأخبار أو أثناء تصفّحهم وسائل التواصل الإجتماعي، وهو إشارة إلى التفوّق بالقدرات والإمكانات العسكرية التي يمتلكها حزب الله، للدلالة غير الواقعية على أن الحزب يستخدم هذه القدرات لفرض سيطرته على الدولة اللبنانية من جهة، وللدلالة على تشكيل هذه القوة خطراً وتهديداً للأطراف اللبنانية الأخرى والسلم الأهلي من جهة ثانية.

يتكرّر هذا النوع من الكلام على لسان خصوم حزب الله السياسيين في الداخل اللبناني، كما أنه دائما ما تثيره قنوات إعلامية وإعلاميون مأجورون بهدف بثّ نوع من الكراهية تجاه الحزب تارة، وبهدف خلق فزاعة لا أساس لوجودها في لا وعي جماهيرهم تارة أخرى مما يدفعهم إلى التخوّف الدائم من سلاح الحزب، مع العلم أنهم يعلمون يقين العلم ويعرفون حق المعرفة أن هذا السلاح وتراكم القوة هذه موجّهان دائما نحو عدو لبنان المتواجد على حدوده الجنوبية مع فلسطين المحتلة "إسرائيل".

ولا يخفى على كل متابع للشأن اللبناني أن كل خطابات الحزب سواء على لسان أمينه العام أو المتحدثين باسمه أو حتى في بياناته، تدعو إلى الحوار بين كل الأطراف اللبنانية وحلّ الخلافات السياسية بما يتناسب مع تأمين حاجات المواطنين، كما أنها جميعها لا تأتي على ذكر رفع السقف في التحدّي والمواجهة والتهديد والوعيد إلا إذا كانت موجّهة إلى العدو الصهيوني، وهذا حقّ مشروع للحزب بصفته مقاومة ضد الاحتلال والتي بدورها أيضا حقّ مشروع نصَّ عليها ميثاق الأمم المتحدة.

ربما يستطيع حزب الله بفضل قوّته وثقله الوازن شعبيًّا أن يتعالى على جميع الأطراف اللبنانية ويتعاطى معها بمنطق القوة ويفرض عليها إرادته باستعمال فائض القوة من باب أنه قادر على بسط نفوذه على كافة الأراضي اللبنانية بتوجيه واحد لمقاتليه، ويستطيع أن يضع مسدساً على طاولة القرار ويفرض ما يراه مناسباً للبنان من توجّهات ورؤى، ويستطيع ببساطة أن يتخلّص بسهولة ممّن يقف عائقاً في وجه تطلّعاته أو يخالف إرادته ومن يعارض سياسته، هو قادر على سحق خصومه على الطريقة البوتينية، إلا أنه ببساطة يتعامل في الحياة السياسية اللبنانية الداخلية بما تمليه عليه ثقافته وقيمه ومبادئه، وكل ما يريده حزب الله من باقي الأطراف اللبنانية هما أمران في غاية البساطة، الأول أن يتخلّى هؤلاء عن التوافق السياسي مع ما تراه الدول الحليفة "لإسرائيل" خلاصاً للبنان، حيث أنها -أي هذه الدول- ترعى مصلحة "إسرائيل" من خلال جعلهم يتبنّون سياسات ظاهرها بناء دولة كريمة أما باطنها فيه الضعف والهوان والمذلة، والثاني أن لا يكونوا خنجراً "إسرائيليًّا-أميركيًّا" في ظهر المقاومة إذا ما وقعت الحرب.

العبرة

إن بوتين واثق من نفسه، ويعرف قوة وحجم أوروبا وفرنسا وقوة وحجم بلده.. ها هو اليوم يسحب الدول الأفريقية من فرنسا الواحدة تلو الاخرى.. ويلعب بأوروبا وبإقتصادها ويهزها أمنيا وعسكريا؛ كذلك حزب الله، واثق من نفسه ويعرف قوته وحجمه، إلا أنه لا يتعاطى ببوتينية مع أبناء جلدته، بل يتعالى عن إساءاتهم اليومية، ربما هو قادر على سحقهم، إلا أنه يفضّل إشراكهم معه في الملوكيّة على عرش التحرّر من الهيمنة بكل أشكالها، فهل يحجزون مقعداً لهم إلى جانبه؟ أم يصرّون على العيش في ظل الهيمنة معتقدين أنها أمثل حياة بالنسبة لهم؟

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة رأي الموقع


الكاتب:

فؤاد محسن

كاتب لبناني
باحث في العلوم السياسية والإعلامية والجغرافيا




روزنامة المحور