الجمعة 13 تشرين أول , 2023 03:39

بين بوش وبايدن: هكذا يتم التأطير الإعلامي لتبرير الحرب

جو بايدن

زينب عقيل

الواقع أنه لا يوجد بالتأكيد إجماعٌ حول كيفية تفسير الأحداث حول العالم، والحق أنه ليس ثمة إعلام موضوعي ومحايد. حتى أننا قد وصلنا إلى مرحلة من السيرورة الإعلامية، أخرجت الحقيقة من المسار الإعلامي. فمن يملك التكنولوجيا يملك الرواية والسردية، التي ستقود الجماهير العالمية كالدمى المتحركة، وسيظنّ الجمهور أنّ التغطيات التي يشاهدها محايدة، لأنها تقارير من الخبراء، ولكنها في الحقيقة هي عبارة عن تأطير إعلامي أيديولوجي للأحداث، مع كلّ التحيّز الذي يلزم منطقيًا للتبرير العاطفي، خاصة أن الفقرات الإخبارية ترتبط في الغالب بإحساس الأمان، أو التهديد الذي يمكن إثارته بكل سهولة.

لدى إعلانه "الحرب على الإرهاب"، حسم بوش الابن الموقف الدولي من الحرب على العراق عندما قال: "إما أن تكونوا معنا وإما علينا". وعليه، كان على الأطراف الدولية أن تختار، إما أن تكون مع محور الخير أو أن تكون مع محور الشرّ. لقد كان هذا التأطير الأول والذي قام به الرئيس الأميركي لدعم التضليل الإعلامي والتلاعب بالحقائق، من خلال جعل العالم يصطف بين محورين يمسّان مباشرة بجوهر الحياة الإنسانية. وكان على المجتمع الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة، أن يختار الخير، ويدعم الحرب على الشرّ. كما أن تأطير هذه الحرب بهاتين القيمتين، يدين مسألة عدم الانحياز إلى أحد الطرفين كموقف، فتصبح الجهود السياسية والدبلوماسية غير مقبولة ضمنًا، وبالتالي يحصل بوش على الدعم "الكوني" لحربه المزعومة على الإرهاب.

يمارس بايدن اليوم نفس اللعبة، ويدعو جميع الدول إلى "إدانة "الفظائع الوحشية" التي ترتكبها حماس بشكل لا لبس فيه، والتي تشبه الفظائع التي ارتكبها تنظيم داعش منذ سنوات عديدة". يصرّح بلينكن وزير خارجيته أنّ "الشر الحقيقي الذي رأيناه يلحق بإسرائيل خلال الأيام القليلة الماضية يجعلنا نقف مع إسرائيل". ويؤكد مرارًا وتكرارًا أن "الأعمال "الإرهابية" التي تقوم بها حماس ليس لها مبرر ولا شرعية ويجب إدانتها عالميًا". لويد أوستن، وزير الدفاع الأمريكي، يقول "هذا ليس وقت الحياد". غالانت وزير دفاع الاحتلال يصرّح أنه يحارب "وحوشًا بشرية". نتنياهو يفتتح خطاباته بالحديث عن أصدقائه الذين قتل أبناؤهم خلال الطوفان. ولا ينقصه إلا أن يبكي أمام الشاشات. وسائل الإعلام الغربية الجماهيرية تعمل على تأطير عبور حماس خارج غزة، على أنه اعتداء حصل ابتداءً، بريطانيا منعت رفع العلم الفلسطيني، ونادرًا كي تسمع خبيرًا يتحدّث عن أصل القضية: وهي أن هؤلاء هم أصحاب الأرض. حتى إن جامعة هارفرد أصدرت تقييمًا علميًا للوضع القائم، قالت فيه بما معناه أن التخلّص من الصداع يحتاج إلى معالجة أصل المشكلة، وليس التعامل مع عوارضها، والمشكلة هي أن إسرائيل كيان استيطاني إحتلالي، تحاول إبادة شعب عصيّ عن الإبادة. وبالطبع سيحتاج المرء أن يبحث كثيرًا حتى يحصل على هذا النوع من الآراء، بسبب التأطير الإعلامي الممنهج، وسيتم اتهامه طبعًا بالتهمة الشهيرة، وتلك العبارة المحرمة، والتي استطاعت أن تصبح مرتبطة شرطيًا ببث الرعب بمجرد ذكرها: وهيي معاداة السامية، إنها حرب نفسية على شعوبهم قبل أن تكون على شعوبنا بطبيعة الحال.

"التأطير الإعلامي" هو من أكثر نظريات التأثير الإعلامي رواجًا، لما له من القدرة على بناء وتشكيل اتجاهات الرأي العام إزاء القضايا والموضوعات، كما أن التأطير، يقدّم تفسيرًا عمليًا ومنتظمًا لكيفية حدوث التأثيرات المعرفية والوجدانية لوسائل الإعلام على الجمهور، بمختلف فئاته وخصائصه الديموغرافية. ويمكن تعريف التأطير على أنه تحديد جوانب معينة من الواقع والقضايا وجعلها أكثر بروزًا في التغطية الإعلامية، فيتبناها الجمهور.

واليوم يعمد الإعلام المعادي بما فيه الإسرائيلي والأمريكي والغربي بشكل عام، وخاصة المنصات الأساسية، وما يسمى بالإعلام الوافد، إلى التركيز على التفوق العسكري والتكنولوجي. من خلال إرسال حاملات الطائرات والتعزيزات العسكرية، والتركيز عليها. ومن خلال استعراض القوة لخرافة "الجيش الذي لا يقهر". ويتم التركيز في المرئي والمسموع على تحليلات تؤكد بشكل قاطع، بأن حزب الله، ليس معنيًا بالدخول في المعركة، وإذا لفتتك العناوين التي تظنّ أنك ستقرأ داخلها ما يمكن أن يُنصف التخطيط الاستراتيجي لكتائب القسام، فإنك ستدخل إلى مضمون يركز على نتائج التخطيط بما يتناسب مع التأطير الإعلامي المطلوب، وليس مع أصل الإنجاز، ويتم تأطير العملية العسكرية بالتركيز على القتلى الإسرائيليين وقصصهم العاطفية، وتأطير إنجاز الصواريخ التي لا تزال تُطلق من غزة، على الرغم من الإطباق عليها جوًا، واعتماد استراتيجية الأرض المحروقة من خلال القصف، ويتم تأطيرها باستهداف الأطفال والنساء المستوطنين. في المقابل، تختفي صور الأطفال الغزاويين والنساء، وكل الدمار وأخبار الحصار، وحتى مناشدات المنظمات الدولية (وإن كانت خجولة) من داخل غزة.

 وهكذا يكون لوسائل الإعلام مهمات أربع في هذه الحرب: تأطير الحرب لإقناع الرأي المحلي بضرورة دخولها من قبل إدارة أمريكية غارقة في الوحل الأوكراني أمام شعبها، والثاني تعبئة الرأي العام الدولي وحشده لخوض حرب من المتوقع أن تتدحرج إلى حالة اصطفاف عالمي كما حصل في أوكرانيا، والثالثة هي الحرب النفسية على حزب الله ومحور المقاومة كي لا يتدخل في الحرب، أما الرابعة فهي شيطنة حماس باعتبارها هي المعتدية وليس الاحتلال، ونزع الصفة الإنسانية عنها باعتبار أن من يُقتل هو فقط الشعب اليهودي وبذلك يصبح لديهم الحجة أمام الرأي العام العالمي لإلغاء كل قواعد الحرب.


الكاتب:

زينب عقيل

- ماستر بحثي في علوم الإعلام والاتصال.

- دبلوم صحافة.

- دبلوم علوم اجتماعية. 




روزنامة المحور