الأحد 05 تشرين ثاني , 2023 04:00

تحليل مواقع التواصل حول خطاب السيد نصرالله: الخوارزميات لا تعبّر عن الرأي العام الحقيقي

خطاب السيد نصرالله حول عملية طوفان الأقصى

زينب عقيل

فور انتهاء خطاب الأمين العام لحزب السيد حسن نصرالله، بدأت حملة انتقادات في الفضاء الإلكتروني بدت واسعة مترافقة مع إعلام عربي خليجي وإعلاميين وناشطين معروفين بولائهم السياسي لأعداء محور المقاومة. اللافت أنه لدي الدخول إلى منصات التليغرام الشعبية، ومراقبة الحسابات على فيسبوك وتويتر وعلى التعليقات عليها، يمكن ملاحظة أنّ التعليقات على حسابات المؤثرين ممن دافعوا أو تبنوا خطاب السيد نصرالله كانت شبيهة بحملة الرجل الواحد، وتحتوي على ردود أفعال داعية لتغيير الموقف أو منتقدة لشخص الأمين العام لحزب الله فضلًا عن مضمون الخطاب، كما حصل مع تغريدة الشاعر وأستاذ العلوم السياسية تميم البرغوتي على منصة إكس. يمكن تحليل هذا النوع من التعليقات على أنه محاولة للتأثير على مصداقية ما كتبه الرجل من تحليل موضوعي للخطاب، من خلال توهين صاحب الخطاب أو ضحّ المغالطات المنطقية. وهو الحال مع أغلب تغريدات المؤثرين الفلسطينيين المؤيدة.

أما على المستوى الشعبي، تمّ رصد العديد من المنشورات لمستخدمين فلسطينيين ممن لديهم جمهور عادي ويتم التفاعل معهم كأي مستخدم لديه أصدقاء، إلا أنّ حملات الذباب الإلكتروني التي تدعم حسابات بعضها البعض وتؤثر على حسابات الناشطين كانت الأكثر حضورًا. ذلك أن خوارزميات الفيسبوك والإكس وإنستاغرام، تعمل بأولوية تقديم الحسابات الأكثر تفاعلًا، والمضامين الأكثر انتشارًا. فيبدو للمتابع أن الرأي العام الأكبر منتقد للخطاب. لكن الواقع أنه لا يمكن استطلاع الرأي العام عندما تنشط الحملات المعادية. خاصة لدى المجتمعات الناشطة سياسيًا من خلال الأحزاب. وبما أنّ الفلسطينيين ينشطون على تليغرام، وباعتبارها قناة لا ينشط فيها الذباب الإلكتروني، يمكن ملاحظة التفاعل مع منشورات الخطاب وعواجل أخبار مقاومة حزب الله على جبهة الجنوب بشكل أفضل. تم رصد شبكة قدس الإخبارية (528.372 متابع )، وقناة أحرار طولكرم (117.822)، عش الدبابير مخيم جنين (132.419 متابع)، مجموعة الدهيشة الحدث (32.666)، وهي مجموعات محلية وليست رسمية، تم رصد التفاعل في يوم 3 نوفمبر تشرين الثاني والأيام التي تليه، استمرت هذه المواقع بنقل أخبار المقاومة من لبنان واستمر التفاعل مع منشورات عمليات المقاومة، وُجد أن التفاعل الإيجابي هو أكثر بكثير من التفاعل السلبي. ثمة مجموعات تجاهلت الخطاب كليًا ولم تعلّق عليه، فيما المجموعات التي تشرف عليها جهات رسمية أو جهات إقليمية فاعلة/ مثل السلطة الفلسطينية أو قطر أو التكفيريين، إما تجاهلت الخطاب كلياً، أو فتحت فضاءها للتحريض والانتقاد.

على خط آخر، وعلى الرغم من الحملات المنظمة كما أسلفنا، وتحيّز الخوارزميات للخطاب المعادي، وخروج  برزت مجموعة من الناشطين السياسيين والفاعلين والكتاب الصحفيين في مواجهة الحملة. وبحسب الأخبار المتداولة، فإن قيادة حماس اتخذت قرارًا بإسكات حالة الانتقادات الواسعة للسيد نصرالله، فقام ممثل الحركة في بيروت أسامة حمدان بإعلان الشكر بإسم الحركة للسيد نصرالله ومحور المقاومة.

الكاتب الصحفي المقيم في غزة إيهاب زكي، يصرّح لموقع الخنادق أنّ مهاجمة البعض لخطاب السيد نصرالله ليست كلها ذات منطلقاتٍ واحدة، بل تتعدد المشارب والمآرب، فهناك "بعض المكلومين الذين يشعرون أنهم تُركوا وحدهم، ولا شئ ولا أحد قادر على وقف القتل والدمار، فيتحدثون من خلفية القهر الذي يعانوه ويستشعروه مع كل مجزرةٍ وجريمةٍ يرتكبها العدو، وهؤلاء نتفهم أوجاعهم وحديثهم الناتج عن مشاعر لا علاقة لها بحقيقة موقفهم، بينما هناك من تناولوا الخطاب عن سبق إصرارٍ وتعمد، وهم بكامل قواهم العقلية وبعيدًا عن مشاعرهم المتبلدة، حيث أنهم يعادون بالأصل فكرة المقاومة، ويستثمرون في فكرة العبودية، ويظنون أن التصويب على خطاب السيد يخدم مشغِّلهم ويصب في مصلحته، وبالتالي يمنحهم الرضا الممهور بالأرقام (الأموال)، وهناك الناعقون الذين ينعقون عن غير إدراك، ويعانون من فصام ذهني، فهم من ناحية مع غزة، لكنهم في ذات الوقت يهاجمون داعميها لصالح أعدائها". وعن مضمون الخطاب يقول زكي: "خطاب السيد نصر الله جاء في توقيتٍ مناسب، حيث هي المرحلة بين سقوف الاحتلال المرتفعة في أهداف العدوان، وبين بدء التوصل لقناعة بصعوبة الاستمرار والعجز عن تحمل التكلفة، وبما أن خلاصة الخطاب كانت بمثابة رسم خطوط حمراء، أي ممنوع انكسار غزة وممنوع هزيمة حماس، كذلك استمرار العدوان يعني ارتفاع احتمالية فتح جبهاتٍ جديدة بما لا يطيقه العدو، فيكون الخطاب بذلك دافعاً هائلاً للعدو وضاغطاً عليه، للتفكير جدياً بهدنة، بغض النظر إن كانت في إطار إنساني، أو وقف شامل للنار، والأرجح هي الهدنة الإنسانية، وهذا ما بدا واضحاً في حديث وزير الخارجية الأمريكي عن الهدنة الإنسانية بعيدا عن وقف النار". ويضيف: "إنّ الخطاب بكل ما فيه هو جزء من استراتيجة المحور لإزالة الكيان وإخراج أمريكا من المنطقة، وهذه الاستراتيجية والأهداف العليا لا تخضع للانفعالات اللحظية، كما قال أحد الباحثين في الكيان الزائل،" لا يمكن بعد هذا الخطاب مقارنة نصر الله بعبد الناصر، فرغم ذكاء عبد الناصر إلا أنه خضع للحماسة والشعبوية فخسر الحرب، بينما كان بإمكان نصر الله حيازة رضى وشعبية مئات الملايين من الجماهير، إلا أنّه فضّل الانتظار في سبيل تحقيق نصرٍ كامل في المستقبل".

من جهته صالح أبو عزة وهو باحث سياسي فلسطيني يقول: "حينما أكّد سماحة السيد على ضرورة أنْ تنتصر غزة، وتنتصر المقاومة الفلسطينية، وتنتصر حماس؛ يكون قد رسمَ بالبونط العريض استراتيجية المحور كله بأنْ لا يسمح لغزة والمقاومة وحماس أنْ تُهزَم. خطاب سماحة السيد؛ ليس خطاباً لتبقى "إسرائيل" على رجل ونصف، بل لتبقى سيدتها "أمريكا" على رجل ونصف أيضاً. يعتقد البعض؛ أنّ الهجمة التي يتعرّض لها حزب الله تعود لموقف محدد قد اتخذه. وهذا غير صحيح أبداً! يجب مهاجمة حزب الله؛ مهما كان قراره، مهما كان سلوكه، مهما كان خطابه. هذا جزء من الاستراتيجية الأمريكية الإسرائيلية، والنبّاحون يؤدون وظيفتهم التي يعتاشون منها".

أما تميم البرغوتي، فكان تعليقه على الشكل التالي: من خطاب السيد: ١- الهدف الأول من فتح الجبهة الشمالية، وهو تشتيت القدرة العسكرية الإسرائيلية وتقسيمها على جبهتين متحقق حتى قبل اشتداد الاشتباك ٢- يزداد الاشتباك البري مع قوات العدو في الشمال بقدر يتناسب من اشتباك قواته البرية في الجنوب لتبقى قواته منقسمة على الجبهتين ٣- الاستمرار في هذه الحال لمدة طويلة يعني التوسع التدريجي للحرب (استخدم تعبير التدحرج) نحو اشتباك شامل وإقليمي ٤- السبيل الوحيد لتجنب الحرب الإقليمية التي يخشاها الأمريكيون (لكي لا ينشغلوا بجبهتين في الشرق الأوسط وشرق أوروبا) هو وقف العدوان على غزة، بلا قيد ولا شرط، والمقاومة تقودها وأسرى العدو في يد المقاومة أو أن بتحرر بهم أسرانا حسب شروط المقاومة ٥- إذا لم يتوقف العدوان فالحشد العسكري الأمريكي في البحر لن يمنع نشوب الحرب الإقليمية ولن يفيد العدو إذا نشبت ٦- نفضل أن ننتصر على العدو بالنقاط، ولكن إذا أصر العدو على الضربة القاضية (حرب تهجير في غزة تؤدي إلى حرب إقليمية) فنحن مستعدون تقديري: هذا مَنْحُ فرصة لكي تضغط الولايات المتحدة على نتنياهو لوقف الحرب تخوفاً من توسعها … لكن هناك احتمال أن يؤدي ضعف نتنياهو الداخلي وسوء العلاقة بينه وبين الحزب الديمقراطي وأمله أن يعود الجمهوريون للحكم العام المقبل إلى أن يستمر في العدوان على الرغم من الضغط الأمريكي فيدفع المنطقة للحرب الإقليمية… وإن نشبت الحرب الإقليمية…فأيام نظام تل أبيب معدودة الخلاصة: هذه الحرب إما نهاية نتنياهو، أو نهاية تل أبيب…

وأخيرًا تمّ رصد مجموعة من الحسابات الشخصية العادية التي تصدّت للحملات ودافعت عن الخطاب. تنشر رغد وهو حساب فلسطيني:  "ما بدي اعيد نشر تويتس طائفية مريضة أو اعلق عليها مباشرة- بس هاي المعركة المفروض توحد العرب وترص الصفوف ضد كل التحشيد الطائفي والشيطنة لأي فئة مقاومة، شئت ام ابيت المقاومة عابرة لمرضك الطائفي والغباء اللي بيخدم العدو ويشغلنا ببعض، ونحن خلف كل سلاح شريف يوجه ضد العدو اللي اقنعكم بالاقتتال الطائفي والحقد على اتباع مذهب معين وحولهم ل"آخر" بنظركم، نحن خلف كل سلاح عربي". فيما يقول المجدلاوي من غزة: "لم يساند جماعتنا أحد في العقدين الماضيين كما فعل السيد وجماعته. هم الفئة السياسية الرسمية الوحيدة في العالم، التي لم تعتبر زوالنا من الوجود أمنية أو "هدف" تتمنى أن يتحقق أو يحققه أحد لها!".

الواقع أن الحقيقة على مواقع التواصل، هي أن تنظر أكثر، وتبحث أكثر. وبأنها منصات مناسبة جدًا للتضليل عن الواقع الحقيقي، ولا يمكن أن تقيس بشكل واقعي وحقيقي الرأي العام. فأغلب الحقيقة تكمن وراء الخوارزميات.


الكاتب:

زينب عقيل

- ماستر بحثي في علوم الإعلام والاتصال.

- دبلوم صحافة.

- دبلوم علوم اجتماعية. 




روزنامة المحور