السبت 02 كانون الاول , 2023 07:12

نظرية الردع من ترومان الى معركة طوفان الأقصى

جنود الاحتلال الاسرائيلي

بدأ العمل من التخطيط في عهد الرئيس فرانكلين روزفلت، وقام ترومان وكبار مستشاريه ببناء ما لا يقل عن نظام دولي جديد في أعقاب الحرب العالمية الثانية. تبنت الولايات المتحدة مبدأ الاحتواء، والتي من شأنها أن توجه السياسة الخارجية للولايات المتحدة لمدة أربعة عقود في صراعها في الحرب الباردة مع الاتحاد السوفيتي. حولت ألمانيا واليابان إلى "ديمقراطيات" وأنشأت شبكة من التحالفات في آسيا وأوروبا. وقدمت المساعدة التي احتاجتها أوروبا للوقوف على قدميها مرة أخرى في ظل خطة مارشال، كما وجهت المساعدة الاقتصادية والعسكرية إلى البلدان المعرضة للشيوعية بموجب مبدأ ترومان. وأنشأت مجموعة من المنظمات الدولية، بما في ذلك الأمم المتحدة، وصندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، والاتفاقية العامة للتعريفات الجمركية والتجارة (التي سبقت منظمة التجارة العالمية). كما أنشأت جهازًا حديثًا للسياسة الخارجية والدفاعية، بما في ذلك مجلس الأمن القومي ووكالة المخابرات المركزية ووزارة الدفاع.

مبدأ ترومان

مبدأ ترومان بالإنجليزية (Truman Doctrine)‏ هو سياسة خارجية أمريكية نشأت بهدف رئيسي يسعى إلى احتواء التوسع الجيوسياسي السوفييتي خلال الحرب الباردة. أُعلن المبدأ أمام الكونغرس من قبل الرئيس هاري إس. ترومان في 12 مارس 1947، وتطور بشكل أكبر في 4 يوليو من عام 1948 حين تعهد باحتواء الانتفاضات الشيوعية في اليونان وتركيا. لم تتدخل القوة العسكرية الأمريكية المباشرة أغلب الأحيان، إلا أن الكونغرس خصص مساعدات مالية لدعم اقتصادات وجيوش اليونان وتركيا. وبشكل عام، تضمن مبدأ ترومان الدعم الأمريكي للدول الأخرى التي يعتقد أنها تحت تهديد الشيوعية السوفييتية. بات مبدأ ترومان أساس السياسة الخارجية الأمريكية وأدى في عام 1949 إلى تشكيل حلف شمال الأطلسي، وهو تحالف عسكري ما يزال قائمًا. غالبًا ما يستخدم المؤرخون خطاب ترومان كتاريخ بداية الحرب الباردة.

قال ترومان للكونغرس إنه "يجب أن تتمثل سياسة الولايات المتحدة في دعم الشعوب الحرة التي تقاوم محاولات الإخضاع التي تقوم بها أقليات مسلحة أو ضغوط خارجية".

أكد ترومان أنه نظرًا إلى أن الأنظمة الشمولية كانت تقمع الشعوب الحرة، فإنها تمثل تلقائيًا تهديدًا للسلام الدولي والأمن القومي للولايات المتحدة. قدم ترومان هذه الذريعة في خضم الحرب الأهلية اليونانية (1946-1949). وحاجج أنه إذا لم تتلق اليونان وتركيا المساعدة، فسوف تسقطان حتمًا في قبضة الشيوعية مع عواقب وخيمة في جميع أنحاء المنطقة. ونظرًا إلى كون تركيا واليونان خصمين تاريخيين، فقد كان من الضروري تقديم المساعدة لكلتي الدولتين على حد سواء على الرغم من أن الأزمة في اليونان كانت أكثر حدة بكثير.

لاحظ منتقدو تلك السياسة أن حكومتي اليونان وتركيا كانتا بعيدتين كل البعد عن الديمقراطية في تلك الآونة، ولم تكن أي منهما تواجه تخريبًا سوفييتيًا في ربيع عام 1949. كتب المؤرخ إيريك فونر أن المبدأ «شكل سابقة للمساعدة الأمريكية للأنظمة المعادية للشيوعية في جميع أنحاء العالم، مهما كانت غير ديمقراطية، ولإقامة مجموعة من التحالفات العسكرية العالمية الموجهة ضد الاتحاد السوفييتي".

قدّمت المملكة المتحدة لسنوات الدعم لليونان، إلا أنها باتت في تلك الفترة على وشك الإفلاس واضطرت إلى تخفيض مشاركتها بشكل جذري. في فبراير من عام 1947، طلبت بريطانيا رسميًا أن تتولى الولايات المتحدة دورها في دعم الحكومة اليونانية الملكية.  حازت السياسة على تأييد الكونغرس وتضمنت إرسال 400 مليون دولار من الأموال الأمريكية، ولكن دون إرسال قوات عسكرية إلى الإقليم. كان الهدف إنهاء التمرد اليوناني، وفي عام 1952، انضمت كل من اليونان وتركيا إلى حلف شمال الأطلسي، وهو تحالف عسكري، بهدف ضمان استقرارها.

وُسع مبدأ ترومان بشكل غير رسمي ليصبح أساس سياسة الحرب الباردة الأمريكية في جميع أنحاء أوروبا والعالم. وقد حول المبدأ السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الاتحاد السوفييتي من تحالف مناهض للفاشية إلى سياسة احتواء التوسع السوفييتي كما دعا إليها الدبلوماسي جورج كينان. وقد جرى التمييز بين المبدأ وبين سياسة تغيير الأنظمة من خلال التسامح ضمنيًا مع عمليات الاستيلاء السوفييتية السابقة في أوروبا الشرقية.

لكيلا نطيل الشرح فان عقيدة حماية المصالح الخارجية للولايات المتحدة اعتمدت على القواعد التالية:

  • إبقاء المضائق المائية تحت السيطرة.
  • الحفاظ على منابع النفط تحت قبضة الشركات الامريكية والتواجد الأمريكي.
  • تعود نظرية الاحتواء إلى المؤرخ والدبلوماسي الأمريكي جورج كينان، ونظريته في الحرب الباردة في أواخر عقد الأربعينيات في عهد الرئيس هاري ترومان وتحديداً في العام 1947، في مقالته الشهيرة بمجلة الشؤون الدولية حول مصادر السلوك السوفياتي، وهي سياسة تقوم على استقطاب دول العالم حرصاً على عدم وقوعها في النفوذ الروسي آنذاك، وتصنف بالتالي وفق ذلك الفهم بوصفها سياسة دفاعية بخلاف سياسة ايزنهاور في ملء فراغ الشرق الأوسط ذات النزعة الهجومية الهادفة لبسط السيطرة على مناطق النفوذ الاستعماري الأوروبي في أفريقيا وآسيا حماية للمصالح الإمبريالية.

مفهوم نظرية الردع 

طرح مفهوم الردع برنارد برودي Bernard Brodie في بداية العصر النووي في "ورقة تحليلية نُشرت في خريف عام 1945. توضح الجملة الأكثر شهرة في هذه الورقة ما كان سيصبح المفهوم السائد في العصر النووي: حتى الآن كان الهدف الرئيسي لمؤسستنا العسكرية هو كسب الحروب. ومن الآن فصاعدًا يجب أن يكون هدفها الرئيسي تجنبها. فيُعرّف جي. سي. ويلي JC Wylie الردع وفقاً لرؤية منع استخدام القوة العسكرية على أنه "إجراءات لمنع الحروب بدلاً من تنفيذها، باستخدام الوسائل النفسية بدلاً من الوسائل المادية، إذ قدرة الردع تعزّز الدفاع والعكس بالعكس"، فويلي يركز بتعريفه هذا على العامل النفسي الذي يُستخدم خلال الردع بدلاً من العناصر المادية، فالعامل النفسي يقوم على إخافة الخصم. كما يعتبر توماس شللنغ  Thomas Shelling أن "الفرق بين الهجوم والردع هو الفرق بين الاعتداء والتخويف بالاعتداء، وهو أيضاً الفرق بين الغزو والاحتلال من جهة مثلاً، والمساومة (Chantage) من جهة أخرى". لذا إن شللنغ يعتبره كنوع من التسوية للوصول إلى اتفاق يكون فيه وضع الخصم أفضل من وضعه إن لم يتجاوب مع الردع. وكذلك يقول خليل حسين"ترتكز نظرية الردع في أبسط أوجهها على التهديد التالي، الذي يهدف إلى ردع دولة ما عن العدوان؛ بتعبير آخر، هو نوع من الردع في الاستراتيجية العسكرية"، فيعتبرها أنّها أداة للاستراتيجية العسكرية تقوم على التهديد لمنع العدوان.

 أهداف نظرية الردع

إنّ منظري نظرية الردع والباحثين حولها يرون أنّها تحقق جملة من الأهداف، وأبرزها يتجلى في التنازل عن الخيار العسكري، وذلك لمنع الحروب. إذ كلما كان الردع فعالاً، تناقص احتمال استخدام القوة العسكرية. فيعتبر شللنغ في هذا الصدد أنّ الردع "حركة نفسية ذات أبعاد سياسية ترمي إلى التأثير في خيارات الطرف المضاد وعلى نحو يدفع به إلى التنازل عن الخيار العسكري". أما الهدف الآخر يتجلى بالتأثير في إرادة الخصم وذلك لردعه عن القيام بفعل كان ينوي القيام به لو أنه لم يتم استخدام هذا الاسلوب معه. وهذا ما قد أشار إليه مصطفى عبد الله خشيم حيث يشير إلى أنّ الدولة أو مجموعة الدول تلجأ إلى الردع بغية عدم تشجيع دولة أخرى على اتباع سياسات غير مرغوب فيها، عن طريق التخويف بالقيام بعمل مضاد قد يردع الطرف أو الأطراف المعينة". كما أنّها تهدف إلى الحفاظ على الوضع القائم لمنع قيام الخصم بتغيير ما. وهذا ما تطرق إليه ناصيف حِتّى الذي يعتبر أن هدف الهجوم أو الإجبار هو تغيير الوضع القائم بينما الهدف من اتباع الردع هو "منع حصول تغيير وبالتالي الحفاظ على الوضع القائم كذلك."

شروط الردع 

ليحقق الردع فعاليته لا بدّ أن تتوفر فيه مجموعة من الشروط وهي تتجلى فيما يلي:

- القدرات: ويقصد بها أن يكون متوفراً للطرف القائم بالردع الأدوات والوسائل التي تُمكنه من ايصال رسالة الردع، إذ "إن الشكل الوحيد لردع العدوان هو أن يكون الرادع قوياً بشكل كافٍ أو مناسب كي يوحى إلى الخصم ذاته بخوف دائم إن كنت تريد السلام فاستعد للحرب."

- المصداقية: القائم بالردع عليه أن يتمتع بالمصداقية في إمكانية ردع الطرف الآخر، فعليه أن يقنع الخصم برسالته وكذلك عدم اظهار التردد في ذلك. كما أن عليه أن يكون مستعداً لتحمل المخاطر الناتجة عن تنفيذ تهديداته. لذا على المردع أنّ ينطلق من المصداقية في تقييم قدراته وامكانياته المادية للقيام بالردع.

- العقلانية: إنّ ما يميز نظرية الردع هي أنها قائمة على العقلانية وتجنب الحرب “فإنّ تصعيد الأزمات الإقليمية والدولية يجب أن يقف عند سقف محدد لا يجوز تجاوزه لأن تجاوزه يعني الحرب، وانهيار استراتيجية الردع وفشلها."

- المعلوماتية: ويُقصد بالمعلوماتية أن تتوفر المعلومات الكافية عن الطرف الآخر. وكذلك أن يتم الابقاء على قانون الاحتمالات لكي يكون القائم بالردع على دراية وحذر بكل ما يُمكن أن يحصل.

- كفاءة الأداء: وذلك من خلال امتلاك الخبرة الكافية للردع وذلك من أجل إيصال الرسالة بوضوح والتمكن من تحقيق الغاية منه.

- استخدمت الولايات المتحدة هذه القواعد منذ العام 1947 ولغاية السنوات الأخيرة ولاقت نجاحاً في بعض الساحات العالمية واخفقت في بعضها، ولكن بشكل عام حافظت الولايات المتحدة على أكثر المناطق والمصالح الحيوية خارج الحدود.

- استمرت الولايات المتحدة باعتماد هذه السياسات والقواعد في غرب آسيا، وحافظت على الكيان الاسرائيلي ككيان متفوق على كافة المستويات وكانت تطمح الى ان يكون الكيان درة الشرق الأوسط على كافة الصعد واهمها الاقتصادي.

- بعد احداث 7 أكتوبر حصلت صدمة في الوعي الأمريكي لا يمكن ترميمها وتعريفها الأفضل "صدمة الكيان"، لقد قام بضع مئات من المقاومين بغارة نظامية عسكرية على هدف عسكري وتم تحقيق الأهداف المرسومة (بسرية تامة).

ان ما جرى في 7 أكتوبر من الناحية العسكرية هو أعظم اغارة عسكرية في العصر الحديث وأنجحها (ضابط امريكي).

  • منذ بداية العملية بدأت الإدارة الامريكية وعلى رأسها الرئيس الأمريكي بإطلاق التهديدات الى محور المقاومة الى حد تهديد الإمام الخامنئي من قبل الرئيس الأمريكي مباشرة.
  • وتم ارسال الاساطيل الى البحر المتوسط والبحر الأحمر وتفعيل بروباغندا عالمية عن خطر وإرهاب حماس، وارسال المبعوثين مباشرة او بالواسطة الى اليمن ولبنان والعراق وإيران من اجل إيصال الرسائل المطلوبة.
  • قام محور المقاومة مباشرة بتفعيل عقيدة وحدة الساحات الاستراتيجية (هذه المرة الأولى العلنية) الصاخبة وبدأت العمليات على القواعد الامريكية في العراق وسوريا، واستخدام الصواريخ البالستية والمجنحة والمسيرات من انصار الله في دك الكيان، وقام حزب الله بعمليات عسكرية على مدى الحد الأمامي للجبهة في جنوب لبنان.
  • المحور عملياً ضرب كافة القواعد والأصول التي قامت عليها السياسة الخارجة الامريكية ولم يعبأ بأي قاعدة، وفق اعمال قتالية منظمة الى حدود دقيقة جداً، وأتت ثمارها في الوصول الى تهدئة في غزة والمنطقة، باستثناء باب المندب حالياً والذي قرر أنصار الله ان لا يسمحوا بمرور أي سفينة إسرائيلية منه حتى انتهاء الحرب على غزة (حالياً).
  • لقد تم وضع الأمريكي في مسار حرج وبالتالي لا يوجد حالياً أمام الإدارة الأمريكية سوى:
  1.  القبول بالشراكة غير المباشرة في غرب آسيا (أي ان تقبل بوجود لاعب رئيسي في المنطقة لديه مصالح حيوية وحلفاء لديهم القدرة ويستطيعون...).
  2.  الذهاب الى التصعيد في الساحات المشتعلة.
  3. نقاط الضعف لدى الإدارة الامريكية حاليا تمنعها من الذهاب الى التصعيد أي ان الخيار الثاني مستبعد جداً ضمن الحسابات المنطقية والعسكرية (ميزان القدرات) خاصة ان الإدارة مقبلة على انتخابات داخلية، ويوجد أزمة في الموازنة، ولديهم حرب مفتوحة في أوكرانيا، كما لا ننسى الجهد الضخم في منطقة شرق آسيا.
  • الوضعية الحالية هي انتصار استراتيجي لمحور المقاومة وحزام النار الذي أسسه الفريق قاسم سليماني وعماد مغنية، وضوابط الاشتباك والمساحة الجغرافية (مسرح العمليات) تمتد من باب المندب الى طهران.
  • تبقّى لدينا تفصيل صغير هو نتنياهو والإدارة الحاكمة في الكيان هل ستقبل بالواقع الحالي، الذي هدّ كل ما تم بنائه منذ 25 أيار 1948 ام ستذهب الى تصعيد يعيد مشهد 25 أيار 2000، ولكن في فلسطين كل فلسطين....

 


الكاتب: صقر درويش




روزنامة المحور