هل يجب على الأحداث الكبيرة، والمنعطفات السياسية، والصدمات الدامية، والزوايا المعتمة، والتحديات المضنية أن تنتج مواقف فذة، لشعبيين كانا جزء من سيرورة التاريخ العام في مجالاته السياسية، والاجتماعية، والثقافية؟
ما أن تذكر صنعاء ودمشق حتى يتراءى للمستمع، والمشاهد حكاية مفعمة بالحضارة، والتاريخ، والقيم، والمبادئ، والاصالة، والعراقة حكاية لا يحسن استبطانها إلا أبناء السيرة نفسها وما جرى عليها من واقع الحياة. والحال أنه لم يكن زمننا جميلا مضيئا لكلا البلدين، ولكن الرضا به أقل من حجم الصعوبات، والمنغصات المنهالة، وكيف إذا أضيف الى ما سبق كله ما هو أدهى وأمر، ولم يكن يعيننا على احتمال مضاضته، إلا أحلام الخروج منه الى زمان أكثر، وفرة، ونبلا، وشجاعة.
قواسم مشتركة بين سوريا واليمن، منها انتماؤها إلى محور المقاومة الذي يواجه الولايات المتحدة الأمريكية وعملاءها في المنطقة، وإنهاء نفوذها والوجود العسكري المباشر لها، وكسر قواعد الحصار والتجويع الذي يفرضه الغرب وحلفاؤه في المنطقة، اعتداء الجار على جاره وتدخله في الشأن الداخلي بطريقة عبثية وإثارة النعرات بين أبناء الوطن الواحد كالسعودية وتركيا، وعليه يجدر الإشارة بنا إلى ما فعلته هاتين الدولتين إزاء ما يحصل في غزة حتى تاريخه، رغم موقعهما الهام في لعب أدوار إقليمية في وقف الحرب على القطاع المحاصر، العداء المطلق للكيان الصهيوني، وإدانته في كافة المحافل والميادين والعمل على إزالته وإعادة الأرض المغتصبة الى الشعب الفلسطيني، موقع كلتا الدولتين الإستراتيجي في البحر الأحمر، والبحر الأبيض المتوسط، والمكانة الهامة للعبور الى منطقة غرب آسيا، وسيطرة اليمن على مضيق باب المندب الذي تمر عبره حركة التجارة العالمية.
ضريبة يدفعها الشعبان جراء المواقف المشرفة اتجاه مظلومية الشعب الفلسطيني، وحقه في الأرض والحياة، ولكن شجاعة الموقف تقتضي تفضيل الحق على مغانم الظلم والاستبداد، رغم الخسائر البشرية وتدمير البنى التحتية على كافة مستوياتها، من مرافق عامة، ودور عبادة، ودور سكن على مدار عقد ونيف في سوريا، وقرابة العقد في اليمن، مشاهد متكررة من استهداف العدوان الامريكي والبريطاني للمدنيين العزل والأطفال، والشيوخ، والنساء أمام صمت دولي وعربي غير مبرر، واستهداف شبه يومي للطيران الإسرائيلي للمدن السورية، ودعم التنظيمات المتطرفة لسفك الدم السوري وإذابته في الصراعات الدامية، وفرض العقوبات التجويعية بحق من بقيَ على أرضه بين حصارين الموت قتلا، أو الموت جوعا.
تعددت وسائل القتل والتدمير والتهجير ولكن الإخفاق واحد، لم تكن النتائج التي وصل اليها الشعبان مرضية للعدو الإسرائيلي، والامريكي، والغرب، بل كان عكس المتوقع انتصارات حققها الشعب اليمني من تحطيم القوة الصاروخية المعادية، أعوام عديدة من العزة والقوة والكرامة، يقابلها النصر والتصنيع الحربي من صواريخ عابرة، وطائرات مسيّرة، ومعدات عسكرية عدة، تسع سنوات من رفد جبهات العز بالرجال والمال دون كلل أو ملل، يقابلها خطابات التحذير والنصح من السيد عبد الملك الحوثي متوكلًا على الله القوي العزيز، ولكن العدوان أستمر في الاستكبار والعنجهية فكانت النتيجة كسر شوكة المعتدين رغمًا عن أنفهم بهزيمة أقل ما يمكن وصفها بالذل، والصغار والمهانة، ولا عجب من نصر بقيادة حكيمة مؤيدة بالحلم والبصيرة.
لا يختلف ميلاد المجد الذي رسّخه اليمنيون عن أشقائهم في سوريا، الذي تمثل ببنية صعب خرقها على المستوى الداخلي، وعلى المستوى الخارجي بقيت دمشق قوة غير مسيسة، وبعيدة عن مبدأ التبعية والاستعمار، وما نراه اليوم من قوة للشعب والقيادة السورية لم يأت بالصدفة، وإنما هو مشروع قيادي تقوده تحالفات سياسية، وعسكرية مع محور المقاومة، أثبت فاعليته وأثره الكبير في الآونة الأخيرة ضمن المشهد المتصارع على الساحة السورية، في دحر التنظيمات الإرهابية من "داعش" و اخواتها بميلاد جديد لدمشق ثبت فيه انتصار، وصمود السوريين أمام المؤامرة ضده، وعدم قبوله بسياسة الأمر الواقع انطلاقا من التطورات التي تشهدها المنطقة مؤخرًا وترسيخ الدور الإقليمي في المنطقة.
ما نراه اليوم من قوة للعاصمتين دمشق وصنعاء لم يأت بالصدفة، وإنما هو مشروع قيادي أسسه محور المقاومة على الرغم من العداء العالمي لهذا المحور، وتنفيذ مخططات الإعصار التخريبي، والتقسيم الذي كان مرادًا من قبل دول لها أجندات تمثلت في تدمير وزعزعة المنطقة، فلا غرابة من القوة التي وصلت إليها القيادتان على الصعيد السياسي والعسكري، بالرغم من جميع الأوضاع السيئة التي تعانيها الدولتين، وتدني الاقتصاد الناتج عن التضخم والحصار الدولي، فالفارق واضح وجلّي بين ثقافة المقاومة وثقافة الاستسلام، والصمود لا ينتج إلا ولادة مسيرة ولادة الانتصار.