الإثنين 16 تشرين أول , 2023 02:56

جبهة الجولان جزء من معركة غزة

دبابة اسرائيلية ترد على قصف هاون من الجهة السورية في الجولان

سوريا وفي اليوم التالي لدفن شهداء الكلية الحربية، وحين بدأت معركة طوفان الأقصى انتقل تلفزيونها الرسمي بشكل مباشر لنقل أحداث المعركة ومواكبتها لحظة بلحظة، واعتبرت أن المعركة معركتها وهي كذلك، ولكن الدولة الصامدة والتي لملمت جراحاها منذ بدأ "الربيع العبري" في المنطقة ما تزال تدفع ثمن موقفها الوطني والقومي. فسوريا تعتبر صمودها ومعاناتها وحربها هي جزء من معركتها المقدسة من أجل تحرير الأرض والإنسان من العدو الصهيوني.

سوريا وجبهة الجولان هي جزء من المعركة مع العدو الصهيوني، منذ اتُخذ القرار بتأسيس هذا الكيان المؤقت، وبدأت مراحلها المباشرة منذ أن قام الشيخ الشهيد عزالدين القسام بالتوجه من اللاذقية إلى جنين في العام 1936 من أجل المشاركة بالثورة الفلسطينية الكبرى، وهو عام ثورات اجتاحت المنطقة العربية كلها، ولم تتوقف حتى اليوم المشاركة في عملية تحرير الأرض من هذا الكيان، سواء من خلال الحرب المباشرة، أو حروب الإستنزاف، أو دعم المقاومات على مختلف الجبهات، وحتى في جبهة الجولان، مع العلم أن قليلاً جداً ما تصلنا معلومات عن تحركات أهلنا هناك، والدليل وجود عدد كبير من الأسرى من أهل الجولان في سجون الاحتلال، ومن أوائلهم الأسير صدقي المقت الذي قضى 27 عاماً في السجن، وتم الإفراج عنه في العام 2012، ثم أعيد اعتقاله في 2015، ليطلق سراحه دون شروط بسبب في العام 2020، وضمن صفقة أدارها الروس مقابل تسليم رفات بعض الجنود الصهاينة. مع ان الرئيس بشار الأسد نفى علاقة الدولة السورية به، أو علمها بموضوع الرفات، حتى بعد تصريح بوتين بذلك.

في يوم الجمعة الماضي، أعيد اعتقال صدقي المقت، بعد يومين من قصف الاحتلال انطلق من مواقع في الجولان. ومن الواضح أن جيش الإحتلال يشتبه في أن أي تحرك على جبهة الجولان قد يكون "المقت" فيه جزء من المقاومة.

موقف سوريا واضح وحاسم بما يتعلق بدعم المقاومة من أجل تحرير الأرض، وفي اعتقال المقت تأكيد أن هناك ما يُحضر على جبهة الجولان، سواء طلائع لقوى مقاومة، أو تحضيرات واستعدادات من المقاومة اللبنانية (اللواء ذوالفقار)، وهذا الأمر لم يعد خافياً على أحد منذ أن قصفت اسرائيل مجموعة للشباب المقاوم في القنيطرة واستشهد عدد منهم في كانون الثاني/ يناير من العام 2015 وهو العام الذي أعيد فيه اعتقال المقت بعد إطلاقه في العام 2012.

جنديان اسرائيليان في جبهة الجولان

لربما ظن الكيان أنه باعتقال المقت وقصف المقاومين القادة الخمسة سيغلق ملف المقاومة من جبهة الجولان، وخاصة بعد اغتيال الشهيد سمير القنطار بعد 11 شهراً من العام نفسه، في مركزه داخل مدينة جرمانا غربي دمشق. غير أن مدافع الهاون التي أطلقت من جبهة الجولان ضمن عملية وحدة الساحات ومرة ثانية خلال الأربعاء الماضي تقول غير ذلك. رد العدوان الإسرائيلي على إطلاق الهاون باستهداف موقع للجيش السوري، فقام الجيش بالرد عليه بشكل مباشر.

يظن الاحتلال أنه باعتقال المقت يستطيع لجم الروح المعنوية المقاومة في مرتفعات الجولان، ولكن 27 عاماً والمقت في السجون وأهل الجولان منذ العام 1987 يرفضون حمل الهوية "الإسرائيلية"، وأعلنوا أنهم لن يحملوا سوى الهوية السورية. وقد انطلقت من الجولان فعلياً، وإن بشكل محدود صليات نارية باتجاه العمق الفلسطيني دعماً للمقاومة. ثم جاء قصف مطاري دمشق وحلب منذ أيام. وبحسب وكالة سانا فقد تسبب القصف الصاروخي للمطارين بضرر كبير في مدارج الطائرات التي توقفت عن العمل ثم عاد مطار حلب للعمل في يوم السبت 14 تشرين الأول/ اكتوبر، والذي سيستقبل رحلات الطيران إضافة إلى مطار اللاذقية.  لربما ظن البعض أن الكيان المؤقت قصف المدرجات لوقف تدفق المساعدات عبر المطارات للمقاومتين في فلسطين ولبنان فحسب، ولكن في الحقيقة أن قصف المطارين جاء أيضاً بسبب الصواريخ التي أطلقتها المقاومة في حماس على المستوطنات وعلى تل أبيب من عيار 307، والتي تحمل عبارة [صنع في ج ع س]، أي في الجمهورية العربية السورية. وهي صواريخ بحسب مصدر للخنادق مازالت تُصّنع في سوريا، وبمساهمة إيرانية – سورية مشتركة.

بعد قصف المطارين حوّلت جميع رحلات الطائرات المدنية والتجارية إلى مطار حميم، ومن المؤكد أن في هذه رسالة بأن سوريا لن تعدم الوسيلة في الدفاع عن مصالحها وعن مواقفها المبدئية. ردت سوريا حتى اليوم مرة واحدة على القصف الجوي الصهيوني بإسقاط طائرتين فوق جنوب لبنان في شباط/ فبراير 2018، ولكنها منذ ذلك التاريخ تحاول صد الصواريخ المهاجمة والتخفيف من أضرارها، وتقوم برد مدفعي على مواقع العدو الصهيوني في جبهة الجولان المحتلة. وهي تعلم أن الكيان بات بحاجة لإستفزاز قوى خارجية لتدخل في الحرب عليها في المرحلة الحالية من أجل تبرير التدخل الأميركي المباشر. وتعلم أيضاً أن أوان الرد يأتي بحسب المصلحة السورية وليس بحسب الرغبة الصهيونية.

سوريا لا تعمل بحسب قاعدة رد الفعل، لأنها دائماً فاعلة بما يتعلق بالصراع مع العدو، وهي جزء لا يتجزأ من محور المقاومة الذي يتخذ قراراته في غرفة العمليات المشتركة، وعلى الرغم من التهديدات الأميركية للقيادة السورية ولشخص الرئيس بشار الأسد بعدم التدخل او التحرك لدعم المقاومين في غزة. الا ان دمشق رفعت الجهوزية لدى فرق من قواتها المسلحة، بل أعطت الضوء الأخضر للمقاومين في جبهة الجولان للمشاغلة والاشتباك في اللحظة المناسبة وحين تقتضي الحاجة حسب مصادر خاصة للخنادق. وهي ستكون حاضرة بقوة في الحرب الكبرى لتحرير فلسطين والجولان في اللحظة الاستراتيجية الحاسمة.

بعد 200 غارة صهيونية على مواقع مختلفة في سوريا وخلال الأعوام الممتدة ما بين 2011- 2023، صحيح أن سوريا ما تزال تردد أنها تحتفظ بحق الرد، لكن أحد أهم ردودها يمكن أن نراه من خلال استمرار دعمها المقاومات العربية ضد الصهاينة والأميركيين وقد دفعت أثماناُ باهظة بسبب هذا الدعم، حتى باتت المقاومة في فلسطين ولبنان قادرة للوصول إلى تل أبيب وعسقلان وديمونة وصفد. وإن كانت سوريا اليوم محتلة في أجزاء منها من قبل الإحتلالين الأميركي والتركي، إلا أنها ما تزال تقول كلمتها الواحدة فيما يتعلق بالاحتلال الاسرائيلي ودعم الشعب الفلسطيني، وقد جدد الرئيس الأسد خلال محادثته الهاتفية مع الرئيس الإيراني السيد ابراهيم رئيسي بعد بدء عملية "طوفان الأقصى"، التأكيد على الوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني في حربه ضد الكيان المؤقت، وتكاملت التصريحات ما بين الرئيسين حول ما يجب القيام به من أجل نصرة الفلسطينيين في هذه المرحلة.


الكاتب:

عبير بسّام

-كاتبة صحفية، عضو في الرابطة الدولية للخبراء والمحللين السياسيين / ماجستر في العلاقات الدولية من جامعة LAU 




روزنامة المحور