الأربعاء 24 كانون الثاني , 2024 01:13

صواريخ اليمن تسقط في واشنطن وتُفكك العقيدة البحرية الأميركية

صاروخ من اليمن

جاء الدخول اليمني على خط طوفان الأقصى لفتح باب تغير المعادلات الجيوسياسية على مصراعيها فما لم تحسب حسابه الولايات المتحدة قد أوقعها في المحظور الذي لا يمكن الفرار منه.

ومع انطلاق الصواريخ اليمنية نحو جنوب فلسطين المحتلة دق الغرب بأكمله ناقوس الخطر لأن كل الصواريخ والمسيرات اليمنية التي انطلقت نحو فلسطين المحتلة وإن لم تصل جميعها نتيجة تصدي حلف التطبيع لها إلا أنها جميعا قد سقطت في واشنطن، وهذا تعبير دقيق وليس مجازياً إذا وضعناه على ميزان العقيدة البحرية الأمريكية ومنظّرها الأبرز ألفرد ماهان الذي قال : "إن الهدف الأساسي لإنتشار الأساطيل البحرية الأمريكية هي حماية التجارة العالمية"، وهذا في خلفية ماهان السيطرة على التجارة العالمية وبالتالي السيطرة على العالم وحكمه.

وبناءّ على نظرية ماهان فإن العمليات العسكرية اليمنية تجاه فلسطين المحتلة تؤدي الى فكفكة هذه العقيدة وضربها في نقطة حساسة جداً فهو أجبر الأمريكي بالخروج عن التلاعب بالخطاب الدبلوماسي ويعلن أن الهجمات على اليمن هي بمثابة إجراء دفاعي ولحماية المصالح الأمريكية.

نقاط تقويض العقيدة البحرية الأمريكية انطلاقا من اليمن:

1 ـ عدم قدرة الولايات المتحدة على تأمين حرية الملاحة في أهم الممرات المائية في العالم.

2 ـ إحداث ثغرة في التواصل الجغرافي المباشر بين أهم الأساطيل الأمريكية وما بين البحر المتوسط وبحر العرب والخليج أي الأسطولين السادس والخامس. 

ففي العادة الأساطيل الأمريكية تدعم بعضها البعض عن طريق زيادة عدد القطع الخاصة بأي أسطول في منطقة العمليات، فمثلا أثناء حرب الخليج وغزو العراق دُعّم الأسطول الخامس بقطع بحريه من الأسطول السابع وبالتالي فإن التواصل ما بين الأسطولين السادس والخامس يمر حتما عبر البحر الأحمر ومضيق باب المندب.

وبهذا الشأن يشير كبار المنظّرين البحريين الغربيين من أمثال الأدميرال الأمريكي برادلي فيسك بأن البحرية تشبه كائناً ضخماً وفعالاً وجميع الأجزاء متحدة معاً من خلال فهم مشترك، وهدف مشترك، وتعاون مشترك.

3 ـ صوره ضعيفة للولايات المتحدة أمام من تسميهم الحلفاء والشركاء نتيجة عدم قدرتها على تأمين وصول الإمداد لإسرائيل عبر البحر الأحمر، وهي الحليف الأساسي لها في الشرق الأوسط، وهذا يعني عدم القدرة الأمريكية على حماية حلفائها الخليجيين.

4 ـ إمكانية توسع الواقع الذي فرضه اليمنيون في البحر الأحمر الى غيره من البحار ومنها البحر المتوسط في حال اتساع الحرب، وخاصة في شرق المتوسط وقدرة حزب الله على منع وصول أي سفينه لموانىء الكيان بسبب القرب الجغرافي وسهولة رصد وتتبع السفن القادمة الى الكيان، وهذا ما قرأه الأمريكي ضمن التهديد الذي أطلقه السيد حسن نصرالله عندما أشار الى الأساطيل الأمريكية التي قدمت الى شرق المتوسط بعد السابع من أكتوبر.

5 ـ تشجيع التمرد الدولي على الولايات المتحدة مع فقدان سطوتها البحرية وبالتالي قد تتدحرج الأمور لتصبح أي دولة مشاطئة لمضيق معّين أن تطالب بفرض سيطرتها عليه، والتحكم بمرور السفن فيه، والتخلص من الإتفاقيات الدولية الخاصة بقانون البحار والتي كان للدول الكبرى المصلحة العليا فيها وخاصة الولايات المتحدة من ناحية مرور السفن والأساطيل الحربية.

الحديث هنا عن نقاط الضعف الأمريكية فإذا فقدت الولايات المتحدة السيطرة على مضيق باب المندب وهو بالتالي سيكون أول ممر مائي خرج عن سطوة بحرية الولايات المتحدة، والتخلص من إتفاقيات البحار الدوليه لا يكون إلا بالفرض وفرض إرادة القوي، هذه النقطة مرتبطة بالتطورات المحتملة ضمن الخيار الثالث.

تطورات محتملة:

مع أن الولايات المتحدة لم تستطع كما جرت الأمور سابقا تحشيد تحالفات عسكرية مع الأوروبيين ضمن ما أسمته تحالف "حارس الازدهار" واقتصر الأمر على مشاركة رمزية بريطانية بقطعة بحرية (هذه القطعة هي مدمرة حربية مزودة بصواريخ) وبقية الدول بضباط ضمن غرفة العمليات، وهذه المشاركات البسيطة ناتجة عن خوف الأوروبيين من المشاركة بهذا التحالف يأتي نتيجة الخوف الجدي من القدرة اليمينة على إقفال مضيق باب المندب بشكل كبير أمام سفنهم وبالتالي قطع هذا الشريان الحيوي وما يستتبعه من هزات إقتصادية، وسيجعل الولايات المتحدة تتحمل عواقب التراجع الإقتصادي في الغرب، وستكون في وضع محرج أمام الأوروبين الذين يعانون منذ بدء الحرب في أوكرانيا.

الخيارات المحدودة الولايات المتحدة في باب المندب والبحر الأحمر:

1 ـ الخيار الأول: البقاء في البحر الأحمر وتوجيه ضربات محدودة ضد اليمن في محاولة لترهيب اليمنيين، وهذا ما نراه في الوقت الحالي حيث يحاول الأمريكي إعادة ضبط الملاحة في المضيق والبحر الأحمر وتأمين السفن الذاهبة الى الكيان إلا أن الرد اليمني كان واضحا بأن هذه المحاولات لن تغير شيئا مع استمرار استهداف السفن الإسرائيلية وأضيف عليها السفن الأمريكية والبريطانية.

2 ـ الخيار الثاني: زيادة مستوى الضربات على اليمن وإعلان الولايات المتحدة الحرب على اليمن وهذا ما سيتسبب بقطع كلي للملاحة في مضيق باب المندب والبحر الأحمر، وقد يتسبب باندلاع الحرب الكبرى وما سيتبعها من خلل كبير في الإقتصاد العالمي نتيجة قطع هذا الشريان المهم للتجارة العالمية.

3 ـ الخيار الثالث : الإبتعاد الأمريكي عن تلك المنطقة وهذا يعني تسليم مفاتيح باب المندب بشكل مطلق لأنصار الله، وهذا أسوء سيناريو يمكن أن يتخيله الأمريكي وسيكون صادما لحلفائه الإقليميين، وهذا السيناريو قد يتم تنفيذه في العديد من أماكن النزاع الإستراتيجي أو المرشحة للنزاع بدءا من مضيق هرمز مرورا بملقا وصولا الى مضيق تايوان، وهذا يحمل خطورة كبيرة على الولايات المتحدة على المستوى الجيوسياسي لأنه سيتم إزاحة قواها البحرية من أهم خط تجاري في العالم، وفتح الباب أمام منافسيها المتواجدين على هذا الممر من شرق آسيا وصولا إلى المتوسط.  

وبما أن البحرية الأميركية لديها ست قدرات أساسية وهي الوجود الأمامي، والردع، والسيطرة البحرية، وإسقاط القوة المقابلة، والأمن البحري، والاستجابة للكوارث، ففي منطقة البحر الأحمر فقدت على الأقل ثلاثة من هذه القدرات.  

وهذا الخيار مرتبط بوقوع الحرب الكبرى، وإجبار بحرية الولايات المتحدة على الخروج من المنطقة مرغمة بعد تعرضها لخسائر جدّية تجبرها على اتخاذها هذا الخيار، وإزاحة الولايات المتحدة ستتم عبر القوى الصاعدة.

التحول في نوع الحرب: حرب مختلفة عن الحروب البحرية السابقة

في السابق كان فرض السيطرة البحرية على أي مضيق أو ممر أو ساحل يعتمد على تدمير الأسطول المعادي الموجود في تلك المنطقة، أما اليوم فإن القضاء على التهديد يتمثل بالقضاء على القدرة الصاروخية "البر ـ بحر" وهذا شيء صعب جدا مع اليمن نتيجة إستعمال تكتيكات معقدة لإخفاء قواعد الإطلاق وامتلاك أعداد كافية لتهديد الأسطول المهاجم أو إبعاده على أقل تقدير، وهذا ما يلغي فكرة البحار الآمنة التي تتحرك فيها الأساطيل الأمريكية أو تدّعي حماية الملاحة الدولية، ثم أن الواقع الحالي يظهر نمو المطالبات الدولية بملكية المسطحات المائية المجاورة " نموذج بحر الصين الجنوبي"مع  إكتشاف الثروات القابعة في قعر البحر وهذا ما يؤدي إلى توسيع المطالبات الدولية، ويهدد بالحد من حرية الملاحة والعبور، وتؤدي الى صراعات وعسكرة البحار.

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة رأي الموقع


الكاتب: محمد ابراهيم




روزنامة المحور