الأحد 24 كانون الاول , 2023 11:01

أهمية مضيق باب المندب بالنسبة للكيان المؤقت

خريطة اليمن وباب المندب

من نقاط القوة للأمة العربية، وجود ممرات مائية ومضائق استراتيجية ضمن حدود الوطن العربي، وحتى نشوب حرب حزيران/يونيو 1967، اتخذ الصراع على البحر الأحمر بين العرب والكيان المؤقت محورين: الأول خليج العقبة، والثاني قناة السويس، أما المحور الثالث؛ فهو مضيق باب المندب، فقد كان غائباً عن الأنظار تحت السيطرة البريطانية على عدن. وفي بداية الصراع، تمكن الكيان المؤقت من احتلال بلدة أم الرشراش في العاشر من آذار/مارس 1949، والحصول بذلك على منفذ الى البحر الأحمر، استطاع العرب إلغاء الوجود الإسرائيلي في "إيلات" عن طريق السيطرة على شرم الشيخ، ومنح الملاحة الإسرائيلية، ومنع الملاحة الإسرائيلية من المرور في مضيق تيران.

ثم انتقل الصراع بعد ذلك الى شرم الشيخ، وانصرف همّ السياسة الإسرائيلية إلى فك السيطرة عليه تمهيداً لاختراق البحر الأحمر، وقد تمكنت من ذلك على مرحلتين: الأولى في ظل وجود قوات الطوارئ الدولية في شرم الشيخ منذ السادس من آذار/مارس 1957، إلى الثالث والعشرين من أيار/مايو 1967، والثانية بعد حرب حزيران/يونيو 1967، في احتلال القوات الإسرائيلية لشرم الشيخ وتأمينها لطريق الملاحة الإسرائيلية عبر مضيق تيران الى البحر الاحمر. ولكن في الوقت الذي بدا للكيان المؤقت أنه تخلص من اعتراض العرب وفي مقدمتهم مصر لها في البحر الأحمر، وأن وجودها في شرم الشيخ قد أمّن ملاحتها في هذا البحر، كانت ظروف الصراع السياسي في المنطقة العربية بين حركة القومية العربية والاستعمار البريطاني، تهيئ ظروفاً مكّنتهم في كانون الثاني/يناير 1950 من فرض الحصار البحري على إسرائيل ليس عن طريق شرم الشيخ وإنما عن طريق مدخل البحر الأحمر الجنوبي، أي عن طريق مضيق باب المندب. ذلك أن قيام جمهورية جنوب اليمن الشعبية في عدن في الثلاثين من تشرين الثاني/ نوفمبر 1967 – أب بعد أقل من نصف عام من حرب حزيران، فضلاً عن الوضع المصري في اليمن الشمالي، قد وفر للعرب عمقاً استراتيجياً بالغ الأهمية، وأتاح للبحرية العربية فرصة التعرض للملاحة الإسرائيلية في عمق البحر الأحمر من قواعد بعيدة عن مدى الطيران الحربي الإسرائيلي والقيام في باب المندب بالدور الذي كانت تقوم به في شرم الشيخ، وهو منع الملاحة الإسرائيلية من النفاذ الى البحر الأحمر.

بدأت بوادر الخطر على الملاحة الإسرائيلية من ناحية باب المندب في 11 حزيران/يونيو 1971 في مهاجمة ناقلة نفط ترفع علم ليبيريا، أثناء عبورها مضيق باب المندب قرب جزيرة بريم، ارتفعت النيران في الناقلة ولكن ربانها اليوناني تمكن وبحارته الذي يبلغ عددهم 35، منهم 23 من الإسرائيليين نجحوا في اطفاء النيران. كان يقف وراء العملية فدائيو الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، إلا أن الحكومة الإسرائيلية حمّلت حكومة اليمن الديمقراطية مسؤولية العملية، لا سيما أن الأخيرة سبق لها أن أعلنت عقب الاستقلال، أنها سوف تحكم سيطرتها على مضيق باب المندب من جزيرة بريم، ولن تسمح للكيان المؤقت بالملاحة في المضيق.

أقام الكيان المؤقت علاقات مع اثيوبيا للتباحث معها حول تأمين مدخل البحر الأحمر لبلديهما، وعقدا اتفاقاً يهدف الى إيقاف أي اتجاه عربي مستقبلاً الى أن يكون للبحرية العربية اليد العليا في البحر الأحمر فضلاً عن تأمين الوجود الأميركي في هذا البحر، ثم مواجهة الوجود البحري المصري في البحر الأحمر.

علماً أن البحر الأحمر يرتبط استراتيجيا بالأراضي العربية. التي تحتوي على نقاط عقدية معرضة للسقوط في يد الأعداء، وهي عبارة عن خطوط مواصلات تتضمن مرافئ وقنوات، مضائق ومطارات. وبما أن نقاط المواصلات هذه عرضة لهجوم عدائي محتمل، والبحر الأحمر يحتوي على عدد منها، لذلك أصبح أمن البحر الأحمر مرتبط عضوياً بأمن الكيان المؤقت والمنطقة العربية، وأي انفجار في أمن البحر الأحمر سيؤثر مباشرة على أمن الكيان المؤقت.

واليوم، استخدم الجيش اليمني مضيق باب المندب باعتباره أحد أهم أوراق القوة لديه، والتي لم يستخدمها حتى أثناء العدوان السعودي الإماراتي المدعوم أمريكيا واسرائيليا، وذلك بطريقة قوية فاعلة ومؤثرة، وقام بإغلاقه أمام السفن الإسرائيلية او المرتبطة بإسرائيل، نصرة لفلسطين وأهل غزة التي يرتكب جيش الاحتلال إبادة جماعية بحقهم، ودعماً للمقاومة الفلسطينية الشجاعة، الأمر الذي أربك الكتلة الغربية وعلى رأسهم أمريكا التي تشارك في الحرب على غزة، وأجبرها على تشكيل قوة متعددة الجنسيات لمواجهة الجيش اليمني. لكن لم تتوقف القيادة اليمنية عند هذا المستوى بإغلاق المضيق باب المندب واستهداف السفن الإسرائيلية، بل ذهبت أبعد من ذلك، ورسمت معادلة "الحصار مقابل الحصار"، الذي سيستمر ما دام الحصار الإسرائيلي مفروضاً على أهالي غزة، ولو دام ذلك سنوات، ومهما كانت التضحيات والأثمان.


الكاتب: نسيب شمس




روزنامة المحور