الأربعاء 10 كانون الثاني , 2024 12:57

بوادر حرب عالمية سيبرانية جديدة؟

حرب عالمية سيبرانية

يشهد العالم ظاهرة متفلتةً من كل عقال، تتمثل في جرائم الحرب السيبرانية، التي أصبحت تشكل تهديداً للأمن الدولي كله، حيث لم يعد الأمن القومي لأي دولة بمنأى عن تهديداتها، في حين أن القوى العظمى؛ ومنها الولايات المتحدة، روسيا، الصين وغيرها، وضعت هذا التهديد على رأس أولوياتها وجداول أعمالها.

وأصبح للحرب السيبرانية ارتباط واقعي بالنزاعات المسلحة الدائرة رحاها في أكثر من منطقة وإقليم. ويشير الخبراء في هذا المجال إلى أن أكثر من مئة دولة في العالم قامت بتطوير قدرات سيبرانية عسكرية لا تقتصر مفاعيلها على المواجهات العسكرية، بل تطال المدنيين ومصالحهم وأمورهم المعيشية، الأمر الذي أشارت إليه منظمات دولية كالصليب الأحمر الدولي في تقاريرها.

منذ سنة 2004 بدأت الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بمناقشة كيفية ضمان استقرار الفضاء السيبراني في محاولة لوضع معايير وقواعد سلوك مسؤول للدول؛ غير أن البنى التحتية لعالم الإنترنت تخضع لملكية القطاع الخاص، ولا تديرها الحكومات على نحوٍ مباشر، وبذلك تتنصل هذه الدول من تحمل المسؤولية عنها.

وقد أطلق الاتحاد السويسري في سنة 2018 حوار جنيف في مسعى لإشراك الجهات غير الحكومية في مركز الثقة الرقمية https://c4dt.epfl.ch/ وذلك لمناقشة ضمانات الأمن السيبراني، حيث عملت سويسرا على جمع دليل جنيف لتعزيز السلوك المسؤول في الفضاء الإلكتروني، أو دليل DIPLO والذي تشارك في تنفيذه مؤسسات UBS ، SWISSCOM EPLF  وقد شارك في إعداد دليل جنيف أكثر من 100 شركة ومنظمة ومؤسسة من جميع أنحاء العالم تمثل القطاع الخاص وأوساطًا أكاديمية والمجتمع المدني والمجتمع التكنولوجي. ويوثق الدليل أدوار ومسؤوليات أصحاب المصلحة للالتزام بتنفيذ المعايير المتفق عليها من قبل الدول الأعضاء في الأمم المتحدة.

التحدي أمام هذا الدليل يكمن في توثيق الاتفاقيات والخلافات المتعلقة بأدوار المستفيدين والفاعلين في الفضاء السيبراني مع قبول واقع عدم التوصل إلى توافق في المواقف والآراء حول الحقوق والواجبات والتفاضل ومدى الاستفادة ما بين الجهات الحكومية والهيئات التابعة لمنظمة الأمم المتحدة والمنظمات الدولية والقطاع الخاص، إضافة للمخاطر المرافقة لتوريد تكنولوجيا المعلومات وداتا الاتصالات وتحديد نقاط ضعف هذه التكنولوجيات بهدف تعزيز أمن المنتجات الرقمية. والمشكلة الأساس تكمن في تجنب تحميل جهات حكومية رسمية للدول المسؤولية المباشرة عن التفلت وعدم الالتزام بالمعايير التي تبقى افتراضية.

من ناحية ثانية، يُعَدُّ التقدم التكنولوجي الرقمي سيفًا ذا حدين يستطيع تقديم تطبيقات إيجابية لحماية المدنيين والبنى التحتية المدنية وتحييدهم عن مواجهات الحرب السيبرانية المرتبطة بالنزاعات المسلحة؛ أو على العكس من ذلك توريط المدنيين والبنى التحتية المدنية والحكومية لبعض الدول في سجالات تلك الهجمات والوقوع تحت تأثيراتها المدمرة.

في سياق متصل يمكن الإشارة إلى أن الإجراءات الأمريكية مرتبطة بإشراك مؤسسات أمن سيبراني خاصة في أنشطة مجموعة (فريق العمل المفتوح التابع للأمم المتحدة المعني بأمن تكنولوجيا المعلومات) ومنصات الأمم المتحدة الأخرى على حساب السيادة الرقمية للدول. ويمكن هنا ذكر مؤسستي قطاع خاص أمريكيتين

Forum of Incident Response and Security Teams (FIRST)

Computer Emergency Response Team (CERT)

وهما تقومان بجمع المعلومات السيبرانية وتبادلها وتوظيفها من دون أن تتحمل حكومة الولايات المتحدة أي مسؤولية قانونية عن نشاطها أو أدائها.

من هذا المنطلق تثار المخاوف بشأن استخدام تكنولوجيات المعلومات والاتصالات على حساب أمن الجهات الحكومية وغير الحكومية المختلفة. لذا لا بد من إنشاء سجل موحد وفقًا للمبادئ، التي تقترحها بعض الدول، ومنها روسيا، على أن تشارك كل دولة بمؤسسة حكومية رسمية واحدة، ومن الممكن مشاركة أكثر من وكالة حكومية رسمية، تكون إحداها فقط أساسية مخولة بحل المشكلات والفصل في مجال أمن المعلومات. فإذا طرحت الدولة عدة مؤسسات، فلا بد أن تكون إحداها المرجعية المهيمنة والمؤثرة في المؤسسات الأخرى. هذا التوجه يصب في مصلحة تعزيز مؤسسات الدول. بيد أن ما تقترحه والولايات المتحدة وتطرحه هو مؤسسات غير مملوكة للدولة، ما يعني غياب الوضوح في كيفية التواصل معها أو تحميلها المسؤولية المترتبة. كذلك، فلا توجد ضمانات بأن المعلومات التي يجري جمعها عبر مؤسسات قطاع خاص مختلفة لن تستخدم ضد دولة معينة أو كيان معين أو أن تقع في أيدي أطراف ثالثة منها ناشطو الإرهاب الرقمي. كما أن المؤسسات الحكومية ملزمة بحسب القوانين الدولية بتوفير المعلومات والخدمات ضمن فريق الأمم المتحدة المشترك مجانًا. أما مؤسسات القطاع الخاص فهي تعمل من أجل منفعة مادية بالحد الأدنى إن لم تكن تنفذ برامج قوى ودول معينة تحت ستار معين بهدف رفع المسؤولية عن تلك الدول.

وإلى يومنا هذا، لا توجد في العالم مؤسسة واحدة جامعة للمؤسسات الحكومية المختلفة تأخذ على عاتقها تحمل مسؤولية الحماية المتكافلة والمتضامنة للأمن السيبراني الجماعي لكل دول العالم، فهل نحن نشهد بوادر حرب عالمية سيبرانية جديدة؟


الكاتب: أحمد حاج علي




روزنامة المحور