الخميس 29 نيسان , 2021 02:01

انتفاضة القدس نتائج ودلالات قانونية وسياسية

هبت القدس وانتفضت، لتعيد وهج الثورة إلى القضية الفلسطينية. هب المقدسيون ليوقظوا ضمير العرب مجدداً، ويعيدوا من جديد رسم خارطة الحقوق الفلسطينية والمقدسية إلى واجهة الأحداث الإقليمية. انتفض المقدسيون لإعادة ترميم الوعي الثقافي والسياسي والقانوني في وجدان الشعوب العربية لتنهض دفاعاً عن الأقصى.

لا شك أن الهبة المقدسية سوف تعيد التأكيد على الثوابت الفلسطينية من أحقية قضية القدس والمسجد الأقصى. وسوف تعمق ثقافة الحقوق الفلسطينية، وهنا تأتي أهمية الحديث عن القدس من شقين الأول يتعلق عن وضعها في ضوء القانون الدولي قبل الحديث في الشق الثاني عن دلالات ما يحصل اليوم، لأنه لا بد من تعزيز ثقافة الحقوق المقدسية، حيث يشكل تهويد القدس ونزع سماتها العربية، قطب الرحى والحجر الأساس في المشروع الصهيوني الأكبر الذي يعمل عليه الاحتلال لتجريد الفلسطينيين من حقوقهم والسيطرة على القدر الأكبر من الأراضي الفلسطينية كما نصت عليه صفقة القرن.

أولاً: القدس في ضوء القانون الدولي

تشكل القدس وفق القانون الدولي الإنساني منطقة محتلة من قبل القوة القائمة بالإحتلال والتي هي "إسرائيل"، وهو ما ينص عليه قانون الاحتلال الحربي، وقد عرّفت المادة 42 من اتفاقية لاهاي الرابعة الاحتلال بأنه "تعتبر أرض الدولة محتلة حين تكون تحت السلطة الفعلية لجيش العدو، ولا يشمل الاحتلال سوى الأراضي التي يمكن أن تُمارس فيها هذه السلطة بعد احتلالها". وبالتالي تسري عليها أحكام اتفاقية جنيف الرابعة التي تحظر على السلطة المحتلة طرد سكانها أو استيطان أرضها أو نزع ملكيتها أو المساس بوضعها الحضاري والجغرافي والديمغرافي، وينطلق ذلك مما نصت عليه قواعد القاون الدولي وعلى رأسها ميثاق الأمم المتحدة بأن الشعوب في تقرير مصيرها، وقد نصت المادة 2 المشتركة في اتفاقيات جنيف الأربعة للعام 1949 على أنّ "هذه الاتفاقات تسري على أي أرض يتمّ احتلالها في أثناء عمليات عدائية دولية، ولو لم يواجه احتلال أرض دولة ما مقاومة مسلحة".

لقد اتخذت الأمم المتحدة (مجلس الأمن والجمعية العامة) عشرات القرارات  في القضية الفلسطينية خصوصًا في ما يتعلّق بمدينة القدس، ومنها على سبيل المثال وليس الحصر قرارات مجلس الأمن، 242 تاريخ 22/11/1967، يطلب إلى العدو الانسحاب إلى حدود الرابع من حزيران 1967، والقرار 252 تاريخ 2/5/1968، يستنكر قيام العدو بعرض عسكري في القدس، وكذلك القرار 253 تاريخ 21/5/1968، الذي يطلب إلغاء الإجراءات التعسّفية في مدينة القدس، والقرار 476 تاريخ 30/6/1980، الذي يعلن بطلان الإجراءات الصهيونية لتغيير طابع القدس.

كذلك صدر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارات عدة بدءًا بالقرار 214 لعام 1949 وحتى قرارات دورة 2009، وقرارات مجلس الأمن خاصة القرار 478 الذي اعتبر أن قانون ضم القدس لاغ ولا قيمة له من الناحية القانونية، وفي ضوء ذلك تتمتع القدس بحماية قانونية دولية، وبالرغم من مرور 40 عامًا على قرار الاحتلال الاسرائيلي، ضم الجزء الشرقي من مدينة القدس إليها عام 1980 -والذي احتلته بعد حرب سنة 1967- وإعلان المدينة عاصمة لها، إلا أن الأمم المتحدة والمجتمع الدولي لا يعترف بالقدس كعاصمة لـ"إسرائيل"، ويعتبر القدس الشرقية جزءا من الأراضي الفلسطينية المحتلة، ولا يعترف بضمها للكيان الصهيوني، ولكن الاحتلال الإسرائيلي ينظر إلى القدس بمنطق ترتب عليه وتبرر به تهويدها المستند إلى القوة، لذلك كان لا بد من هذه الهبة المقدسية للدفاع عن القدس والمسجد الأقصى.

ثانياً: نتائج ودلالات الهبة المقدسية الجديدة

على وقع ما قامت به الإدارة الأميركية في عهد دونالد ترامب، من إعلان القدس عاصمة للكيان الصهيوني ونقل سفارتها إليها، والعمل على تصفية القضية الفلسطينية عبر صفقة القرن، ومن ثم ما يقوم به الإحتلال من محاولات للتهويد، تأتي الهبة المقدسية الجديدة، في حين تمر المنطقة بتجاذبات سياسية كبيرة، خاصةً بعد وصول جون بايدن إلى السلطة في الولايات المتحدة الأميركية، مع إرث سيء تركته إدارة دونالد ترامب على الواقع الإقليمي لا سيما ما يتعلق بالقضية الفلسطينية، حيث عملت الإدارة السابقة على ضرب القانون الدولي والاتفاقيات الدولية عرض الحائط، واستغلت الضعف والتخاذل العربي لتمرير الاعتراف بضم العدو الصهيوني للجولان والقدس الشرقية.

هذه الهبة تبعث رسالة إلى إدارة بايدن بأن الشعب الفلسطيني لن يتنازل عن حقوقه، لن يترك قضيته، ولن يتخلى عن حقوقه في القدس، فهذه الإدارة التي لم تأخذ خطوات عملية حتى الان للتخلص من إرث ترامب الذي أضر بالولايات المتحدة، أكثر مما أضر بغيرها، إذ لا يزال مسؤوليها يؤكدون أنه ليس هناك حتى الان فوارق كبيرة في السياسة الخارجية عما كانت عليه إدارة دونالد ترامب حيال بعض الملفات، وبالتالي فمجرد القول بحل الدولتين من قبل هذه الإدارة غير كافٍ لوضع حد للتصرفات الإسرائيلية في القدس.

لقد استطاعت هذه الانتفاضة حتى الان، أن تجمع بالإضافة إلى أحرار القدس، أحرار الضفة بانضمامهم للانتفاضة، فضلاً عن فصائل المقاومة في غزة والتي أمطرت مستوطنات الكيان بصواريخها، وهذا ما يظهر تضامن فلسطيني واسع على المستوى السياسي والعسكري والشعبي للدفاع عن المقدسات، كذلك تأتي انتفاضة القدس لتنضم الى حالة عامة تؤكد على خيار المقاومة باعتباره الخيار الوحيد والحتمي لاستعادة الحقوق.

أضف إلى ما تقدم، إن هذه الانتفاضة المقدسية تكشف الخضوع والخنوع من قبل بعض الأنظمة العربية التي تخلت عن القضية الفلسطينية وهرولت نحو التطبيع مع الكيان الإسرائيلي، كما تؤكد على الوعي الفلسطيني، وتعيد الدفع للوعي العربي للتمسك بقضية فلسطين والصراع العربي الصهيوني، بعد أن عملت الدعاية الغربية والعربية والإسرائيلية على كي الوعي العربي في العداء لإسرائيل، وبعد أن أريد تعميم حالة اليأس داخل الشعوب، وإلهاءها بلقمة العيش وصعوبة الأوضاع الاقتصادية، والضغط على هذه الشعوب للتتقبل التطبيع مع الكيان الإسرائيلي والتنازل عن الحقوق، فلولا أن بعض الحكومات العربية وعلى رأسها السعودية، باعت القضية الفلسطينية، وتنازلت عن عروبتها من أجل مصالحها وإرضاء لأميركا وإسرائيل، لما تجرأ الصهاينة على الاستمرار في سياساتهم الاستيطانية والتهويدية للقدس وفلسطين.

هذه الانتفاضة دون أدنى شك ستعيد وهج القضية إلى أروقة الأمم المتحدة والمجتمع الدولي، وإن كنا لا نعول عليهما، إلا أنه لا بد من إعادة رسم الخطوط الحمر فيما يتعلق بالقضية، والقول للغرب أنه لا يمكن المساومة على حقوق الفلسطينيين، والذهاب نحو تأييد الخيارات الإسرائيلية على حساب الشعب الفلسطيني، الذي من حقه تقرير مصيره بنفسه، وعودة كامل أبناء هذا الشعب إلى ديارهم وفق ما تنص قرارات الأمم المتحدة، وبالتالي فإن هذه الانتفاضة هي أبرز تجليات المقاومة والكفاح حتى التحرير والتي ضمنها القانون الدولي بشتى الوسائل، والتي يجب أن تستمر كورقة ضغط وقوة في وجه التصلف والاستعلاء الصهيوني في التعامل مع القدس  والشعب الفلسطيني.

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة رأي الموقع


الكاتب:

د.علي مطر

باحث في العلاقات الدولية 

[email protected]




روزنامة المحور