الخميس 13 تموز , 2023 01:02

ماذا تفعل الصين في اليمن؟

العملة الصينية وخارطة الشرق الأوسط

تلعب بكين بلطف مع جميع أطراف الصراع في اليمن، ويبدو أنها رهانها عندما تنتهي الحرب أخيرًا. في هذا المقال الصادر عن معهد كوينسي تتساءل الكاتبة إميلي ميليكين لماذا تضع الصين نفسها كوسيط دبلوماسي محتمل في اليمن؟ ولدى الإجابة عن السؤال تعتبر أن مجرد دخول الصين في صفقة للتنقيب عن النفط مع أنصار الله فهذا اعتراف ضمني بهم كهيئة حاكمة في اليمن. وتستغرب أن السعودية لم تقابل ذلك بأي رد فعل علني، وهذا يعني أن السعودية تتسامح مع هذه الخطوة خاصة إذا كان بإمكان الحكومة الصينية أن تلعب دورًا محوريًا في إنهاء الحرب التي كلفت الرياض مليارات الدولارات.

تقول الكاتبة إن بكين تعمل أيضًا على تطوير العلاقات مع المجلس الانتقالي الجنوبي منذ سنوات. وبالإضافة إلى الاجتماع مع الزبيدي، حافظت الصين منذ فترة طويلة على خطوط اتصال مفتوحة مع الجماعة الإنفصالية. وبينما تعارض الصين علنًا مسألة استقلال الجنوب، فقد تمكنت من الاستفادة من علاقتها مع المجلس الانتقالي الجنوبي لتشجيعه على التمسك باتفاقيات تقاسم السلطة مع حكومة عدن.

إلى ذلك تشير الكاتبة إلى أن التدخل الصيني في اليمن ليس جديدًا، وخاصة مع أنصار الله، إذ بدأت بتطوير الاتصالات مع الحوثيين في وقت مبكر من عام 2011. وتضع تطلّع بكين إلى تعزيز علاقاتها الدبلوماسية في المنطقة للتنافس مع الولايات المتحدة، وتشير إلى أنّ بكين تدرك أنّه بعد انتهاء الحرب، سيحتاج اليمن إلى ملايين الدولارات لإعادة الإعمار والتنمية الاقتصادية، ومن خلال الانخراط مع جميع أطراف الحرب فإنها ستضمن الفوز بالعقود المربحة. 

وتنهي الكاتبة مقالها بالإشارة إلى موقع اليمن الاستراتيجي في الخليج الذي يجعل البلاد جذابة لبكين، كما أنّ تأمين الوصول إلى الموانئ اليمنية يمكن أن يساعد في تعزيز مبادرة الحزام والطريق الصينية وضمان الدخول إلى طرق التجارة العالمية.

وفيما يلي الترجمة الكاملة للمقال:

لماذا تضع الصين نفسها كوسيط دبلوماسي محتمل في اليمن؟

في مايو/أيار، وقع  الحوثيون في اليمن مذكرة تفاهم مع مجموعة أنتون لخدمات حقول النفط الصينية والحكومة الصينية للاستثمار في التنقيب عن النفط في البلاد. وذكرت وسائل الإعلام التابعة للحوثيين أن الصفقة جاءت بعد مفاوضات متعددة وتنسيق مع العديد من الشركات الأجنبية لإقناعها بالاستثمار في قطاع النفط المتخلف في البلاد.

من خلال الدخول في صفقة للتنقيب عن النفط مع الحوثيين، تعترف بكين ضمنيًا بالمتمردين - الذين لم تكن لديهم سوى علاقات دبلوماسية رسمية مع إيران وسوريا حتى الآن - كهيئة حاكمة في اليمن بينما لا تزال تؤكد علنا أن الحكومة اليمنية هي القائم بالأعمال الشرعي للبلاد.

وتأكيدًا على علاقة بكين المتنامية مع الحوثيين، أشاد علي القاحوم، أحد أعضاء المكتب السياسي للجماعة، بالصين، قائلا إنها "برزت تلعب دورًا محوريًا وتعقد اتفاقيات تعيد الهدوء والسلام والعلاقات الدبلوماسية بين دول المنطقة". يشير قاحوم إلى الاتفاق السعودي الإيراني الأخير الذي توسطت فيه الصين، والذي قد ينسب إليه الفضل في الحركة الدبلوماسية الأخيرة في اليمن بين المملكة العربية السعودية والحوثيين.

والمثير للدهشة أن صفقة التنقيب عن النفط والعلاقات المتنامية بين الحوثيين والسعودية لم تقابل بأي رد علني من أكبر عدو للحوثيين - المملكة العربية السعودية. يشير عدم إدانة الرياض إلى أن المملكة تتسامح على الأقل مع الاتفاق وعلاقات بكين مع الحوثيين، خاصة إذا كان بإمكان الحكومة الصينية أن تلعب دورا محوريا في إنهاء الحرب التي كلفت الرياض مليارات الدولارات.

لكن الصين لا تتورط فقط إلى جانب الحوثيين. التقى القائم بالأعمال الصيني تشاو تشنغ السفير السعودي لدى اليمن محمد بن سعيد الجابر لمناقشة آخر التطورات في اليمن وكيفية التوصل إلى حل سياسي. ويأتي هذا الاجتماع بعد سلسلة من الاجتماعات بين تشنغ وأعضاء المجلس الرئاسي للقيادة، بمن فيهم رئيس المجلس التشريعي رشاد العليمي، وزعيم المقاومة الوطنية طارق صالح، وزعيم المجلس الانتقالي الجنوبي عيدروس الزبيدي.

تعمل بكين أيضا على تطوير العلاقات مع المجلس الانتقالي الجنوبي منذ سنوات. وبالإضافة إلى الاجتماع مع الزبيدي، حافظت الصين منذ فترة طويلة على خطوط اتصال مفتوحة مع الجماعة الانفصالية. وبينما تعارض الصين علنا مسألة استقلال الجنوب، فقد تمكنت من الاستفادة من علاقتها مع المجلس الانتقالي الجنوبي لتشجيعه على التمسك باتفاقيات تقاسم السلطة مع الحكومة اليمنية. بعد الاتفاق الإيراني السعودي، أشاد مسؤولو المجلس الانتقالي الجنوبي بالصين للدور البناء الذي لعبته في الشرق الأوسط.

ولكن لماذا تحاول الصين إقامة علاقات مع أطراف متعددة من الحرب التي لم تحظ باهتمام دولي كبير في السنوات الأخيرة؟

التدخل الصيني في اليمن أبعد ما يكون عن الجديد. تمتد العلاقات الدبلوماسية بين اليمن والصين منذ عام 1956 عندما كان اليمن في الواقع أول دولة في شبه الجزيرة العربية تعترف بجمهورية الصين الشعبية. منذ توحيد اليمن في عام 1990، وقعت الصين اتفاقيات لبناء محطات توليد الطاقة بالغاز الطبيعي في اليمن، وتوسيع موانئ الحاويات في عدن والمخا، وكانت نشطة في قطاع إنتاج النفط في اليمن. كما بدأت الصين في تطوير الاتصالات مع الحوثيين في وقت مبكر من عام 2011.

تأتي ارتباطات بكين في اليمن على خلفية زيادة شاملة في نشاطها الدبلوماسي في جميع أنحاء الشرق الأوسط وأفريقيا، مما يضع نفسها على ما يبدو كبديل غير تدخلي للولايات المتحدة. ومن أجل توسيع نفوذها في المنطقة، قامت الصين بغزوات دبلوماسية متعددة، بما في ذلك التوسط في اتفاق التطبيع السعودي الإيراني الأخير، فضلا عن استضافة قمم الصين والدول العربية وقمة الصين ومجلس التعاون الخليجي. مع احتفاظ الصين بعلاقات إيجابية مع جميع الأطراف في اليمن وكذلك داعمي الحرب - الرياض وأبو ظبي وطهران - يمكن أن تكون عملية السلام في اليمن أحدث ريشة في الحد الدبلوماسي لبكين.

لكن في حين تتطلع بكين بالتأكيد إلى تعزيز علاقاتها الدبلوماسية في المنطقة للتنافس مع الولايات المتحدة، قد يكون هناك المزيد على المحك عندما يتعلق الأمر بتورطها المحتمل في اليمن. وعلى وجه التحديد، ترى الصين أن تأمين الوصول إلى الموارد والأسواق الحيوية يمثل مكاسب مالية غير متوقعة.

تدرك بكين أنه بعد انتهاء الحرب، سيحتاج اليمن إلى ملايين الدولارات لإعادة الإعمار والتنمية الاقتصادية. ومن خلال الانخراط في جميع أطراف الحرب، فإنها تضمن أنه بغض النظر عن النتيجة، فإن الشركات الصينية - مثل شركة هندسة الميناء الصيني - في وضع موات للفوز بهذه العقود المربحة.

ولعل الأهم من ذلك هو أن موقع اليمن الاستراتيجي في الخليج يجعله جذابا لبكين. يمر الكثير من تجارة الصين مع أوروبا عبر خليج عدن والبحر الأحمر بينما يمر النفط الصيني المستورد من الشرق الأوسط وأفريقيا عبر باب المندب ومضيق هرمز. وفي حين أن الصين لديها بالفعل إمكانية الوصول إلى هذه الممرات المائية الاستراتيجية، فإن تأمين الوصول إلى الموانئ اليمنية يمكن أن يساعد في تعزيز مبادرة الحزام والطريق الصينية الطموحة وضمان الدخول إلى طرق التجارة العالمية.


المصدر: Responsible Statecraft

الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور