ربما هي مصادفة لا أكثر، أن عبارة "مشوار الألف ميل يبدأ بخطوة" التي تُنسب للفيلسوف الصيني كونفوشيوس ومنهم من ينسبها لزعيم الحزب الشيوعي الصيني ماو تسي تونغ، قد تكون مفيدة لتشبيه ما حصل بالأمس الجمعة، بين دولتي الصين وسوريا، عبر توقيعهما على اتفاقية شراكة استراتيجية، بأنه مشوار بدأ بخطوة مهمة جداً لكلا الطرفين، ومؤثرة جداً في مسار التحوّل العالمي والإقليمي.
فالصين بالرغم من تأمين الدعم الدولي لسوريا خلال السنوات الماضية (خاصةً خلال الحرب الكونية على الثانية)، عبر استخدامها حق النقض عدّة مرات، لمنع اتخاذ قرارات أممية ضد دمشق في الأمم المتحدة. إلا أنها ظلّت حذرة في تطوير العلاقات الثنائية لا سيما الاقتصادية منها، لكيلا تستفز الولايات المتحدة الأمريكية، التي تقود الحرب والحصار ضد سوريا ورئيسها بشار الأسد.
لذا فاتفاق الشراكة الاستراتيجية سينهي المرحلة الحذرة للصين، ليمهّد الطريق أمام الدفع قدماً بمبادرة حزام وطريق الصينية، التي بات لها منافسٌ قوي بقيادة أمريكا، وهو مشروع الممر الهندي الخليجي الأوروبي. وسيشكّل هذا الاتفاق ضربة قوية للحصار الأمريكي الظالم على سوريا: دولةً وشعباً.
شراكة وتعاون
وبالعودة ما جرى الاتفاق عليه ما بين الدولتين، فقد قام الطرفان بالتوقيع على اتفاقية شراكة استراتيجية، وعلى عدة وثائق أخرى حول التعاون الثنائي في إطار مشروع "حزام واحد - طريق واحد"، بالإضافة إلى وثائق تتعلق بالتعاون التكنولوجي والاقتصادي. كما أشار تقرير شينخوا (القناة الرسمية الناطقة باسم الحزب الشيوعي الصيني والدولة الصينية)، إلى وصف الرئيس الصيني شي جين بينغ لما حصل بالمحطة المهمة في تاريخ العلاقات الثنائية. مضيفةً بأن الصين تدعم التسوية السياسية للأزمة في سوريا، وتحسين علاقات دمشق مع باقي الدول العربية، كما تدعمها في إعادة الإعمار وتعزيز بناء القدرة على مكافحة الإرهاب. وأضافت شينخوا بأن بكين تعارض تدخل القوى الخارجية في الشؤون الداخلية لسوريا وتقويض أمنها واستقرارها، بالإضافة إلى الوجود العسكري غير القانوني فيها (وهو ما يعدّ انتقاداً مبطناً لقوات الاحتلال الأمريكي ولمخططات واشنطن وأخطرها التقسيم).
من جهته، أعرب الرئيس الأسد عن سعادته لزيارة الصين التي وقفت كل تلك السنوات إلى جانب بلاده، وأبدى الأسد رغبته بتأسيس تعاون استراتيجي بين البلدين، طويل الأمد وواسع النطاق في مختلف المجالات. ومعتبراً زيارته مهمة بتوقيتها وظروفها حيث يتشكل اليوم عالم متعدد الأقطاب سوف يعيد للعالم التوازن والاستقرار.
كل تطوّر في العلاقات السورية الصينية يقلق الكيان المؤقت
بالتأكيد، ستكون الأوساط السياسية كما العسكرية في الكيان المؤقت، هي الأكثر قلقاً من بين حلفاء أمريكا، لتطور العلاقات السورية الصينية وانتقالها الى المرحلة الاستراتيجية، وذلك لأنهم يخشون دائماً من سوريا ودورها المقاومة، منذ ما قبل نشوء الكيان.
فتطور العلاقات بين البلدين، وإن كان ضمن سياقات سياسية واقتصادية، سيثير القلق والشك عند الإسرائيليين من يتضمن تعاوناً عسكريا واستخباراتيا وتقنياً، سيكون من الصعب عليهم التعامل معه.
وما يؤكد هذه الحقيقة هو ما حصل خلال تموز / يوليو من العام الماضي، على خلفية حصول سوريا على مساعدات صينية، تتكون من معدات اتصالات متقدمة، بهدف تحسين البنية التحتية لشبكة الاتصالات المحلية، خاصة في المناطق التي تضررت بشدة خلال الحرب الكونية على سوريا منذ العام 2011.
يومها، دقّت هذه المساعدات ناقوس الخطر في إسرائيل، وهو ما عبّر عنه الرئيس السابق لجهاز المخابرات الموساد "داني ياتوم" قائلاً: "إن أي نوع من العلاقات بين قوة عالمية مثل الصين ودولة تعد أحد أعداء إسرائيل أمر مثير للقلق". "إن الصينيين بلا شك سينفذون برامج كبيرة في سوريا، ويجب على إسرائيل التأكد من أن هذه الحقيقة لن تحد من حريتها في العمل في سوريا. لن تغتنم إسرائيل أي فرصة لضرب الصينيين عن طريق الخطأ الذين سيعملون في سوريا كجزء من أعمال إعادة الإعمار". زاعماً من أن "ما قد يبدو وكأنه عمل تجاري في سوريا قد يكون غطاء لجهود عسكرية أو استخباراتية".