ضرب "طوفان الأقصى" عمق كيان الاحتلال وما تبقى من صورة العواصم المطبعة التي زحفت في أول استحقاق تاريخي سيغير وجه المرحلة المقبلة للاصطفاف الصريح ضد الشعب الفلسطيني وقضيته. لم يكن هذا الأمر مستغرباً، بل متوقعاً ومنتظراً. ففصائل المقاومة الفلسطينية لم تنتظر يوماً مساعدة إماراتية بحرينية سعودية لشحذ أي سكين أو تطوير أي سلاح، وكل ما شهده العالم على امتداد أكثر من 72 ساعة هو "عمل ذكي من الفلسطينيين أنفسهم" على حد تعبير السيد علي الخامنئي.
لم يقتصر دعم العواصم المطبعة على المواقف الدبلوماسية والبيانات الخاوية، بل انتقلت إلى ابداء الاستعداد لتقديم المساعدة. ويأتي الموقف الاماراتي في مقدمة الدول التي أعربت عن دعمها لكيان الاحتلال. اذ كشف زعيم المعارضة، يائير لابيد، أنه أجرى محادثات هاتفية مع وزير الخارجية الإماراتي، عبدالله بن زايد آل نهيان، عبر فيها الأخير عن دعمه لإسرائيل.
لم تعبّر الخارجية في بيانها عن موقفها مما يجري وحسب، بل عن موقعها أيضاً إلى جانب عدو الفلسطينيين والعرب والأمة، وعن انسلاخها عن المحيط الذي ترتبط به في المنطقة وتموضعها إلى جانب كيان الاحتلال بشكل صريح ومباشر. اذ اعتبرت في بيانها أن "الهجمات التي تشنها حماس ضد المدن والقرى الإسرائيلية القريبة من قطاع غزة بما في ذلك إطلاق آلاف الصواريخ على التجمعات السكانية، تشكل تصعيداً خطيراً وجسيماً". فيما عبّرت "عن أسفها العميق للخسائر في الأرواح الإسرائيلية والفلسطينية نتيجة لاندلاع أعمال العنف، ودعت الطرفين إلى وقف التصعيد وتجنب تفاقم العنف وما يترتب على ذلك من عواقب مأساوية تؤثر على حياة المدنيين والمنشآت".
قد يلتبس على من يقراً تلك الكلمات هوية من قام بصياغتها، وقد يظنه للحظات أنه أحد مسؤولي كيان الاحتلال أو ضابط في مؤسسته الأمنية. إلا أن التبعية في الموقف تكشف حقيقة تصريح أبو ظبي وتجعل من موقف البحرين مفهوماً. اذ انتقدت المنامة، عملية "طوفان الأقصى". وقالت في بيان وزارة خارجيتها إنه "من الضروري الوقف الفوري للقتال الدائر بين حركة حماس والقوات الإسرائيلية"، مشددة على "دعم الجهود الرامية إلى وقف القتال والتصعيد، والتوصل إلى حل سياسي عبر الحوار والمفاوضات وتسوية سلمية نهائية للصراع وفقا لحل الدولتين وقرارات الشرعية الدولية".
وعلى الرغم من جرائم الاحتلال الممنهجة التي وصل بعضها إلى حد الإبادة والمجازر بحق المدنيين والأطفال منذ قيام الكيان على أرض فلسطين، أعربت المنامة عن "استنكار المملكة لما ورد في بعض التقارير عن اختطاف المدنيين من منازلهم وأسفها البالغ للخسائر الكبيرة في الأرواح والممتلكات وتعازيها لأسر الضحايا، وتمنياتها للمصابين بالشفاء العاجل".
تقف الدول المطبعة في طابور التعاطف مع الكارثة التي عصفت بالكيان. لكن كل ذلك سيحفر جيداً في وعيهم أن "إسرائيل التي لهثوا خلفها لم تستطع الدفاع عن نفسها".
ويعتبر موقع المونيتور الأميركي، أن نطاق وتطور الهجوم، الذي فاجأ إسرائيل تماماً، سيطارد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو حتى بعد انتهاء الحرب. إن اختيار حماس الذكرى الـ50 لحرب يوم الغفران لإطلاق هذه العملية هو ملح في الجرح. على الرغم من أن هجوم الجيوش العربية عام 1973 كان أيضاً مفاجأة وأن المعلومات الاستخباراتية المتعلقة بالتحضير للهجوم كانت سليمة، إلا أن تل أبيب لم تعتقد أنها ستفعل ذلك. هذه المرة، لم يكن هناك دليل. مشيراً إلى ان السعودية الراغبة في تطبيع العلاقات لن تكتفي بتلك الشروط التي كانت قد وضعتها لاتمام الصفقة بعد "طوفان الأقصى"، مضيفاً "إن عملية صنع السلام بعد الحرب ستتطلب اتفاقاً أمنياً أكثر شمولاً من قبل الولايات المتحدة مع شركائها الإقليميين".
الكاتب: غرفة التحرير