الثلاثاء 19 كانون الاول , 2023 03:04

الخطاب السياسي بين مصداقية أبو عبيدة وتضليل هاجاري

صورة أبو عبيدة وصورة دانييل هاجاري

يتميز الخطاب السياسي بأنه خطاب يقوم على عملية الإقناع، يتجه نحو المتلقي كالأفراد والجماعات والدول، ويسعى إلى تحقيق المقبولية والاقتناع بمصداقيته، من خلال العديد من الوسائل المتعاونة كاللغة والمنطق الصحيح في تسلسل المعلومات في سياق جمل تعبيرية تتناسب مع طريقة التواصل مع المُخاطب، والمدّعمة بالحجج والبراهين. بالإضافة إلى الاستعانة بلغة الجسد.

أظهرت معركة طوفان الأقصى مخاطبين يجسّدان الوجه الإعلامي لطرفي الحرب الدائرة في غزة، ويمثّل كل منهما الصورة العسكرية للتطوّرات الميدانية على الأرض، واستشراف مستقبل المعركة. هما المتحدّث العسكري باسم حركة المقاومة الإسلامية "حماس" أبو عبيدة والمتحدث العسكري باسم جيش الاحتلال دانيال هاجاري. في هذا الإطار، سنقوم بمقارنة بين الرجلين بما يحمله ذلك من إضاءات على أبرز العناوين التي تطرقا إليها وشكلت أهمية وتأثير على مختلف الأصعدة المحلية والإقليمية والعالمية.

أبو عبيدة

اشتهر أبو عبيدة بدوره في نقل رسائل وبيانات كتائب القسام وحماس إلى العالم الخارجي وفي تقديم تصريحات وبيانات تتعلق بالأحداث والتطورات في قطاع غزة وفلسطين بشكل عام. وحظيت خطب أبي عبيدة ولا تزال بمتابعة كبيرة على الصعيدين السياسي والعسكري والشعبي، وكسبت مصداقية عالية، وهذا يُعد تطوراً مهماً في الخطاب العسكري الذي أعطى لحماس مصداقية بارزة، بالإضافة إلى ذلك أصبح أبو عبيدة رمزاً للخطاب الإعلامي للمقاومة الفلسطينية عموماً، ولكتائب القسام بشكل خاص.

يقدّم أبو عبيدة خطاباً سياسياً للجماهير، يتضمّن عوامل الخطاب الجيد، بما في ذلك إيصال المعلومات بدقّة ومصداقيّة أي في نقل مجريات المعركة مع القوات الإسرائيلية، واعتماد منهجيّة منطقيّة في سرد الأحداث وتسلسلها، بالإضافة إلى إظهار مقاومة العدو ومعارضة مشاريعه ومخططاته، ونزع الشرعيّة عن المحتل الذي يفرض سلطته على الأراضي الفلسطينية. كما يوظّف اللغة بقوّة بيانها وصرفها في تقديم الرواية الفلسطينيّة، بجمالية وجاذبيّة عالية، إلى جانب اتّسام الخطاب بلغة جسد تعبيريّة قويّة تحاكي المعنى واللفظ.

يُلاحظ أيضًا في خطابات أبي عبيدة أنّه يحرص على التنويع بين الأسلوب الخبري والأسلوب الإنشائي، فحضور أساليب الإنشاء بأشكالها المتعدّدة من النداء إلى الاستفهام والتعجّب وغير ذلك، في الحديث والخطاب له أثر بالغ في شدّ الانتباه المتلقين واستنفار جوارحهم وتوكيد تفاعلهم مع ما يُلقى عليهم من معلومات. على صعيد آخر، بدّد أبو عبيدة كل محاولات التلاعب في وعي الحاضنة الشعبية والعبث في روحها المعنوية، وفضح كذب العدو بالمعلومات المقترنة بالدليل. وأرسل للشعوب العربية والإسلامية رسالة أن المجد والعزة لا تُمنح بل تُنتزع والدور في المحطات التاريخية الفارقة إرادة وقرار.

دانييل هاجاري

دانييل هاجاري (47 ​​عامًا) هو المتحدث الرسمي باسم الجيش الإسرائيلي منذ 7 أكتوبر/ تشرين الثاني. ويظهر دانييل هاجاري بزيه العسكري كل مساء للإسرائيليين ليخبرهم بآخر مستجدّات الحرب في غزة ليصبح بذلك وجه العدوان الذي يشنّه الكيان الإسرائيلي ضد حركة حماس. تم تعيينه متحدثًا باسم الجيش الإسرائيلي في 29 مارس 2023، وخدم في عدد من العمليات "عملية المنزل والحديقة"، و"الدرع والسهم"، وفي حرب "السيوف الحديدية". وفي الحملة الحالية، أصبح شخصية رئيسية في الدعاية الإسرائيلية.

خلافًا لخطاب أبي عبيدة الحيوي والجاذّب، يبدو هاجاري بارداً في الخطابات التي يلقيها من على الشاشة. فهو يقرأ، من دون الحفاظ على التواصل البصري مع الجمهور، ويبد واضحاً أنه ليس لديه أي خبرة أمام الكاميرا، كما يظهر الارتباك عليه بشكل واضح. وهو ما أثار حوله انتقادات عديدة في الكيان الإسرائيلي بالنظر إلى أن الأداء على هذا النحو تجعله يفتقد للمصداقيّة، خاصة وأنه الجهة الوحيدة التي تصرّح للجمهور مجريات الأحداث العسكرية. يتفاعل هاجاري ببطء مع الأحداث الجارية في العملية العسكرية الإسرائيلية على غزة. وفي توصيفه لهذا الواقع، يقول ضابط في جيش الدفاع الإسرائيلي: "كان اليومان الأولان بمثابة كارثة من وجهة نظر المتحدث الرسمي".

تتركز خطابات هاجاري على عدة نقاط منها:

- كنوع من الحرب النفسية التي يخوضها هاجاري على حماس، دائمًا ما يتوعّدها باغتيال قائدها يحيى السنوار.

- يواصل المتحدث باسم جيش الاحتلال تأكيده أن القوات الإسرائيلية لن تنهي العملية العسكرية قبل القضاء على حماس بشكل تام.

- وفي الوقت الذي يتلقى فيه الكيان الإسرائيلي ضربات موجعة من قوات محور المقاومة في لبنان واليمن، يحاول هاجاري إظهار قوّة الجيش في الرد على الهجمات التي يتعرّض لها.

- يخصّص هاجاري هامشًا كبيرًا للجبهة الشمالية، كونها لا تزال ملتهبة منذ بدء الحرب على غزة. وفي محاولة لإظهار قوّة الجيش الإسرائيلي في الشمال.

- تقتصر تصريحاته على إظهار جانب واحد من الحرب وهو "التقدّم والنصر الإسرائيلي"، وينفي عن جمهوره أعداد القتلى والجرحى الذين يقتلون خلال الاشتباكات دائرة في غزة.

بناءً على ما تقدّم، يبدو أن خطاب أبو عبيدة يوحي بالمصداقيّة لاجتماع شروط الخطاب السياسي الناجح من الناحيتين العلميّة والفنيّة فيه، لا سيما من خلال منهجيّة العرض أي عرض المعلومات بتسلسل منطقي، وتقديم معلومات دقيقة وموثّقة والالتزام بتنفيذ الوعود التي يطلقها، فضلًا عن توظيف لغة الجسد واللغة العربية في الهدف السياسي للخطاب، في المقابل، يفتقد خطاب هاجاري للمصداقيّة لعدم دقّة المعلومات، وفبركة الحقائق التي يتم اكتشافها فيما بعد بسبب مساهمة مواقع التواصل في صناعة الإعلام العالمي، بالإضافة إلى الأداء السيء للغة الجسد وغياب الكاريزما ما يقود إلى انعدام مصداقيّة الخطاب.

 


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور