من أخطر أدوات قمع حرية التعبير، والتحكم بالخطاب العام في العالم الغربي، مصطلح "معاداة السامية" الذي يفيد عملياً، من خلال تعريفه الصادر عن التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست، انتهاكاً لحق الإنسان في التعبير عن رأيه بالإضافة إلى إقامة التجمّعات والنشاطات الداعمة للقضية الفلسطينية.
يبرز هذا القمع بشكل خاص في الاتحاد الأوروبي كفرنسا وألمانيا، وكذلك الولايات المتحدة الامريكية. وكأن تلك البلاد ما زالت تدفع فاتورة المحرقة بشكل دائم، لكنها تتسبب في إشعال محرقة على الطرف الآخر بحق الفلسطينيين.
فرنسا وقانون معاداة السامية
في عام 2023، اقترح مجلس الشيوخ الفرنسي قانون معاداة السامية والذي من شأنه أن يعاقب منتقدي "إسرائيل" والصهيونية بالسجن والغرامات الباهظة. وتنص المادة 25 من مشروع القانون على أن أولئك الذين يعترضون على وجود "دولة إسرائيل" بإحدى الوسائل المنصوص عليها في المادة 23، يعاقبون بالسجن لمدة سنة واحدة وغرامة قدرها 45.000 يورو. كما أنّ "إهانة دولة إسرائيل"، بأي من الوسائل المنصوص عليها في المادة 23، يعاقب عليها بالسجن لمدة عامين وغرامة قدرها 75.000 يورو. وقد تمت الموافقة على النص بفارق ضئيل للغاية، في برلمان فارغ تقريبا. واشتكى معارضو التشريع بشكل خاص من أن القانون يربط بين معاداة الصهيونية ومعاداة السامية.
لخص موقع "أوريان 21" الفرنسي مقالاً للباحث "لوران بونفوا" من المعهد الوطني للبحث العلمي حاول فيه أن يجرّد موقف السلطات الفرنسية التي حظرت المظاهرات، وذهبت إلى حد إصدار تعميمات لتوسيع نطاق القيود المفروضة على حرية التعبير، كلما تم تناول المسألة الإسرائيلية-الفلسطينية، فاعتبر الباحث لوران أنه "ما زالت أحداث الحرب المروعة والمثيرة للاشمئزاز في الشرق الأوسط تثير كثيراً من التعليقات منذ السابع من شهر أكتوبر الماضي، ولكن مساحة التعبير المتبقية في أوروبا، وفي فرنسا على وجه الخصوص، لا تزال تضيق بأي نوع من الدعم للحقوق الفلسطينية."
نخب ألمانية: لسنا معادين للسامية
ألغت السلطات الألمانية في عدة مدن دعوة فنانين وكتاب وأساتذة جامعيين بسبب آرائهم التي تتسم ب “معاداة السامية وكراهية إسرائيل"، كما حُظرت عدة أنشطة خلال الأسابيع الأخيرة. منها إلغاء متحف في إيسن غرب البلاد، عرضاً فنياً لأنيس دوبلان، وهو فنان من دولة هاييتي بسبب مواقفه الداعمة لفلسطين. وكذلك فَعل معرض في مدينة ساربروكن مع الفنانة اليهودية الجنوب أفريقية كانديس بريتس، التي انتقدت إسرائيل بقوة مؤخرا.
قرارات السلطات الألمانية لا تعني فقط "إنهاء عمل عدد من الفنانين، ولكن كذلك إغلاق فضاءات للمشاركة الثقافية"، بحسب لونا سبو، مستدركة أن هذه "القرارات التعسفية جزئياً هي دعوة للاستيقاظ من أجل حرية التعبير والتنوع الثقافي في ألمانيا".
الولايات المتحدة الأميركية تختبر ركائز الديمقراطية
يواجه بعض المواطنين في الولايات المتحدة سياسات تقمع حقهم في حرية التعبير وسط الاعتداءات الصهيونية المكثفة في غزة، بما يشمل حقهم في الاحتجاج والتجمع. حيث عبّر حقوقيون عن رفضهم تقييد الحق في حرية التعبير في جميع أنحاء الولايات المتحدة، بما في ذلك في حرم الكليات والجامعات.
يُنسب البيان التالي إلى تانيا غرين، مديرة برنامج الولايات المتحدة في هيومن رايتس ووتش :"المذبحة غير المسبوقة في إسرائيل وفلسطين لها تداعيات في الولايات المتحدة، وتختبر ركائز الديمقراطية بما فيها حقوق الإنسان الأساسية التي تكفل حرية التعبير والتجمع. على المسؤولين الحكوميين، وأجهزة الأمن، ومديري الكليات والجامعات، وأصحاب العمل، من بين آخرين، تكثيف جهودهم لدعم هذه المبادئ. على المسؤولين الأمريكيين حماية حرية التعبير والاحتجاج السلمي، بغض النظر عن وجهة النظر، بما يتوافق مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان".
تبدو الحدود بين انتقاد "إسرائيل" و"معاداة السامية" واهية للغاية، ويُساء تقديرها وتمييزها، خصوصاً في التشريعات الأوروبية، وفي كل الأحوال تبقى قوانين مخالفة للحريات وللشرائع، وهي تعتبر استثنائية، لأنها سلاح تستخدمه القوى الداعمة للكيان الصهيوني لمواجهة حرية التعبير حول المسائل المتعلقة بانتهاكات حقوق الانسان والقوانين الإنسانية التي يقوم بها الكيان الإسرائيلي في معركة طوفان الأقصى.
تجدر الإشارة إلى أن التمسك بمصطلح "معاداة السامية" يخدم الصهيونية السياسية ويعمق مشروعها في الغرب، ومن الضروري تذكير العالم بأن العالم العربي والإسلامي ليس لديه مشكلة مع اليهود كعقيدة أو ديانة (فصل اليهود عن الصهيونية التي عمل الغرب الأوروبي والامريكي على دمجهما)، وانما مع الصهيونية (كأيديولوجيا سياسية استيطانية واستعمارية) لأرض فلسطين والعرب والمسلمين.
الكاتب: غرفة التحرير