الأربعاء 03 كانون الثاني , 2024 10:49

الشيخ صالح العاروري شهيداً على طريق القدس

الشهيد صالح محمد سليمان خصيب (العاروري)

حدّق في وجوه الشهداء، لتُبصر أن الطريق نحو القدس، معبّدة بعشق المتمسكين بالحق المتسلحين بإيمانهم بالله، ومن ثم بعدالة قضيتهم التي يدافعون عنها، وينزفون دمهم وأجسادهم وأرواحهم من أجلها، ولا يهمهم كيف ومتى وأين يموتون، فكل ساحات المواجهة ميدانٌ لبطولاتهم. يرحلون عنّا بأجسادهم، ولكن أرواحهم وسيرتهم العطرة تبقى عالقة في الأذهان والقلوب، بعدما عجز كيان الاحتلال في تسعين يوماً من إخضاع غزة، لجأ إلى سياسة الاغتيال والتصفية الجسدية لكل من ساهم وساند عملية طوفان الأقصى دفاعاً عن شعب فلسطين ‏المظلوم، وأضاف جريمة أخرى في سجل عجزه العسكري الميداني، واستكمالاً لجريمة اغتيال القائد السيد رضي الموسوي، وعليه انتظار الرد والعقاب.

ارتقى نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس صالح العاروري، يوم الثلاثاء الواقع 2-1-2024، شهيداً، من جرّاء عدوانٍ إسرائيلي في الضاحية الجنوبية لبيروت.

في هذا التقرير، قبس من سيرة شخصية الشهيد الشيخ العاروري، ومقتطفات من كلماته حول طوفان الأقصى وأداء محور المقاومة خلال الحرب وعن عبق الشهادة وبعض من التصريحات الإسرائيلية حول الشهيد.

السيرة الشخصية للشهيد العاروري

المولد والنشأة:

ولد صالح محمد سليمان خصيب (العاروري) عام 1966 ببلدة عارورة الواقعة قرب مدينة رام الله بالضفة الغربية.

الدراسة والتكوين:

تلقى تعليمه الابتدائي والإعدادي والثانوي في فلسطين، وحصل على شهادة البكالوريوس في الشريعة الإسلامية من جامعة الخليل بالضفة الغربية.

الوظائف والمسؤوليات:

تقلد العاروري العديد من الوظائف المهمة داخل حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، من بينها عضويته منذ عام 2010 في مكتبها السياسي، قبل أن يُختار نائباً لرئيس المكتب السياسي في 5 أكتوبر/تشرين الأول 2017.

التجربة والمسار:

التحق العاروري بالعمل الإسلامي في سن مبكرة من حياته، وقاد العمل الطلابي الإسلامي في جامعة الخليل منذ عام 1985 حتى اعتقاله عام 1992، والتحق بحركة حماس بعد تأسيسها أواخر عام 1987.

وخلال الفترة الممتدة ما بين عامي 1990 و1992، اعتقل جيش الاحتلال العاروري إداريا (دون محاكمة) فترات محدودة على خلفية نشاطه في حركة حماس، حيث شارك خلال تلك الفترة في تأسيس جهاز الحركة العسكري وتشكيله في الضفة الغربية، وهو ما أسهم في الانطلاقة الفعلية لكتائب القسام في الضفة عام 1992.

وفي عام 1992، أعاد جيش الاحتلال اعتقال العاروري، وحكم عليه بالسجن 15 عاماً بتهمة تشكيل الخلايا الأولى لكتائب القسام بالضفة، لكن الاعتقال لم يوقف عمل العاروري حيث استغل تلك الفترة لتجنيد أعضاء جدد في الحركة والكتائب، وإنشاء خلايا هجومية ووضع خطط عسكرية. وفي عام 2007 أُفرج عنه، لكن الكيان أعاد اعتقاله بعد ثلاثة أشهر لمدة ثلاث سنوات (حتّى عام 2010)، حيث قررت المحكمة العليا الإسرائيلية الإفراج عنه وإبعاده خارج فلسطين.

كان أحد أهم المفاوضين لإتمام صفقة تبادل الأسرى "وفاء الأحرار" بين الحركة وكيان الاحتلال (بالوساطة) والتي تمّت عام 2011، وتحرّر أكثر من ألف أسير فلسطيني مقابل الجندي جلعاد شاليط.

وفي الخامس من أكتوبر/تشرين الأول 2017، انتُخب العاروري نائباً لرئيس المكتب السياسي لحركة حماس.

هدّد الكيان الإسرائيلي باغتياله عدّة مرات، ووجّه الرسائل إلى الكثير من الدول من أجل ملاحقته عبر "الإنتربول".

ويحمله الاحتلال مسؤولية عدّة عمليات في الضفة أبرزها خطف وقتل ثلاثة مستوطنين قرب الخليل في حزيران عام 2014. ويتهمه بإطلاق شرارة الحرب عام 2014 في غزّة والضفة. وكما أقدمت قوات الاحتلال على هدم منزله في منطقة العارورة شمال غرب رام الله.

 وبدورها وصفت وزارة العدل الأمريكية العاروري بأنه "قائد عسكري رفيع المستوى في حماس"، ووضعت مبلغاً بقيمة 5 ملايين دولار لمن يدلّ على مكانه أو يتقدّم بمعلومة عنه، وذلك بفضل دوره القديم في قيادة خلية طلابية في جامعة الخليل في بداية التسعينيات، عندما انضم لحماس.

مقتطفات من كلمات العاروري حول طوفان الأقصى:

عقب معركة "طوفان الأقصى"، التقى الشهيد العاروري الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، رفقة الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي زياد النخالة، في 25 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، بحيث جرى تقويم المواقف المتخذة دولياً ‏وإقليمياً وما يجب على أطراف محور المقاومة القيام به في هذه المرحلة ‏الحساسة، كما بحث في سبل تحقيق انتصار حقيقي للمقاومة في غزة وفلسطين ووقف العدوان على غزة وفي الضفة.

أمّا بالنسبة إلى رؤيته عن معركة "طوفان الأقصى"، أكد العاروري، في تصريحاتٍ سابقة له، أنّ هذه المعركة:


-هي معركة الرد على جرائم الاحتلال"، و"معركة القدس"، ويجب أنّ يتحرك معاً "كل أحرار العالم الذين عندهم ضمائر إنسانية".

- جاءت استباقاً لهجوم كانت تنوي "إسرائيل" شنّه على قطاع غزة فور انتهاء الأعياد اليهودية، وقال إن الخطة الدفاعية للعملية أقوى من الخطة الهجومية التي أذهلت "إسرائيل" وفاجأت العالم.

-  لا يمكن أن تمس بالمدنيين أو بالأسرى وأن تتصرف بشكل مخالف لقوانين الحرب الدولية.

- الغرب الذي يتهم المقاومة الفلسطينية بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، يتجاهل أن الحرب التي شنتها "إسرائيل" ضدهم قامت على أساس استهداف المدنيين.

- الفلسطينيين يقاتلون كي يقر العالم بحقهم في الحياة على أراضي دولتهم كبقية شعوب العالم.

- كشفت الوجه الوحشي للولايات المتحدة الأمريكية، وبينت عجز العالم كله عن أن يوفر غطاء وحماية للمدنيين والأطفال.

- إن العالم الغربي هو من أعطى الاحتلال الغطاء لهذه الوحشية الإجرامية التي كشف عن وجهه الحقيقي المجرم باستمراره في قتل النساء والأطفال عمداً.

- هذه المعركة اسمها طوفان الأقصى فهي ليست معركة غزة بل معركة القدس ويجب أن يتحرك مع هذه المعركة كل أحرار العالم الذين عندهم ضمائر إنسانية.

- الشعب الفلسطيني لن ينكسر أبداً وانتصاره حتمي.

- إنّ التهديد الإسرائيلي لي لن يغيّر قناعاتي، ولن يترك أي أثر، ولن يغيّر مساري قيد أنملة.

العاروري حول الشهادة:

- نحن مؤمنون، ونتمنى أن تُختتم حياتنا بالشهادة التي نعتزّ بها، مشيراً إلى أنّ الشهادة هي الفوز العظيم في نظر قادة المقاومة.

- إنّ قادة المقاومة جزء من الشعب الفلسطيني، ولا يتباينون عن أبناء شعبهم.

العاروري حول أداء محور المقاومة في طوفان الأقصى:

- إن أداء محور المقاومة خصوصًا حزب الله واليمن والعراق، متقدّم

- قدم لبنان وحزب الله أكثر من 60 شهيداً، آخرهم سيارة مدنية في قصف الاحتلال استشهد فيها ثلاث أطفال وجدتهم وأصيبت والدتهم بجروح، فكل يوم هناك تشييع شهداء في الضاحية وفي الجنوب والبقاع.

- اليمن يعلن بشكل رسمي الحرب ويقوم بإطلاق صواريخ ومسيرات على هذا الكيان ومع الأسف يتم التصدّي لهذه المسيرات والصواريخ من دول عربية وكذلك من الأميركيين، فلماذا تتصدى دول عربية لصواريخ ذاهبة إلى الكيان؟

- إن خطاب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله جاء أيضاً لتبنّي هذه المعركة وعدالتها ومصداقيتها وليدافع عن كل مواقفها ويرد على كل الشبهات التي أثيرت، وليرفع محور المقاومة باستمرار من مشاركته وصولاً إلى المشاركة الكاملة في هذه المعركة حتى نحسمها بإذن الله.

- إن المقاومة العراقية أيضاً تضرب القواعد الأميركية في سوريا والعراق ونحن نشجع على المزيد، فإن ضرب الكيان من أي منطقة عربية أو إسلامية واجب مقدس في مناصرة الأقصى.

العاروري في التصريحات العبرية:

- قال الصحافي الإسرائيلي إليئور ليفي إنّ "من المهم إدراك أنّ العاروري هو استراتيجي، ويمكن وصفه بالعقل اللامع لحماس في كل ما يتعلق بتأطير الجهاز العسكري للحركة في خارج قطاع غزة". وأضاف ليفي أنّ العاروري بذلك "تحول إلى أحد المسؤولين المركزيين الذين يشغلون المؤسسة الأمنية الإسرائيلية وأجهزة استخبارية أخرى في العالم".

- قال الصحفي الإسرائيلي آفي يساخاروف، أن العاروري "عميل قادر، يتمتع بشخصية كاريزمية، مشبوه، وذكي، وله اتصالات ممتازة".

- ذكر موقع "يديعوت أحرونوت" في تقرير له، أنّ "مسؤول حماس الذي يمسك بالخيوط في الضفة الغربية صالح العاروري، هدّد بأنّ الاغتيالات ستؤدي إلى حرب إقليمية".

- وأضاف الموقع أنّ "كلام العاروري القاسي هذا، يبدو أنّه بسبب الحديث عن احتمال اغتياله"، فبحسب مصادر أمنية، فإنّ "إسرائيل مهتمة باغتياله منذ فترة لكونه يحاول قيادة الانتفاضة في الضفة الغربية".

- وتابع أنّ "موقع العاروري كأحد واضعي جدول الأعمال في الضفة، جعله قريباً جداً من المحور الذي يرى في الضفة والقدس أدوات مركزية في الصراع ضد إسرائيل".

- ووفقاً للموقع، فقد طالب مسؤولون في المؤسسة الأمنية ​​في الماضي باغتيال العاروري منعاً لسيناريو "توحيد الساحات".

- وأشار إلى أنّ المتقاعد إيتان دانغوت، الذي كان السكرتير العسكري لثلاثة وزراء أمن، ظل يدعو إلى ذلك لسنوات عديدة، قائلاً إنّه "أخطر وأهم شخص لدى حماس اليوم، ويعد شخصية سياسية وعسكرية ماهرة ومحنكة للغاية، فهو رجل مميت، وهدفه قتل أكبر عدد ممكن من الإسرائيليين".

- وفق تقارير إسرائيلية، فإن العاروري هو من أعطى بشكل أساسي الضوء الأخضر لإطلاق الصواريخ من جنوب لبنان خلال شهر رمضان الماضي، مشيرة إلى أن هذه الخطوة التي كسرت توازن الردع بين "إسرائيل" ولبنان.
- وذكر أن العاروري يعيش حالياً بالقرب من مراكز مسؤولي حزب الله في الضاحية الجنوبية في بيروت.
- وأضاف الموقع "كان أحد بنود الاتفاق الإسرائيلي-التركي في عام 2015 هو ترحيل صالح العاروري من إسطنبول، ومن ثم بعد ذلك تم الاتفاق بين إسرائيل وقطر على ترحيله من الدوحة بعد إقامته هناك لمدة عامين، وأصبح الآن مقره في بيروت، حيث أصبح الشخصية المقربة في حماس من حزب الله وإيران".
- وتابع "لم يؤد استقرار العاروري في بيروت إلا إلى تعزيز علاقته بإيران وحزب الله، وفي لبنان أنشأ قوة محلية لحماس، تتألف في معظمها من نشطاء من مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في جنوب لبنان، وجاءت هذه الخطوة في إطار فهم حماس بأن النضال ضد إسرائيل يجب أن يشمل الفلسطينيين في كافة المجالات، وليس فقط أولئك الذين يعيشون في غزة والضفة الغربية، لافتة إلى أن القوة التي أنشأها ليست جيشاً مثل حزب الله، لكن التنظيم يضم مئات العناصر الذين خضعوا لتدريبات عسكرية، بعضهم بدعم من إيران، ومخزون صاروخي وقدرة تشغيلية ثابتة".
- وأردف "على حد علمنا، لم تجر أي محاولة سابقة لاغتيال العاروري، وهناك في إسرائيل من يعتقد أن اغتيال العاروري سيؤدي إلى صراع عسكري مهم ضد حماس، وربما ضد حزب الله أيضاً.
- وختم موقع يديعوت تقريره بالقول: "خلال العام الحالي، سُئل مسؤول كبير جداً في المؤسسة الأمنية حول إمكانية اغتيال العاروري، قال: لا أريد الإجابة على هذا السؤال".

نعته حركة حماس في بيان بوصفه "قائد أركان المقاومة في الضفة وغزة ومهندس طوفان الأقصى". وبذلك تُختتم سيرته بالتحاقه بالرفيق الأعلى.


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور