رغم الكلام الأميركي عن فرص ما بعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد، إلا أن أحداث الساحة السورية تحمل معها تحديات للولايات المتحدة، لا سيَّما في ظل الفجوات الواضحة داخل المعسكر الذي تقوده في المنطقة؛ فسرعان ما برز التباين الواضح بين تركيا و"إسرائيل"، وهما حليفا الولايات المتحدة اللذان كان لهما دورٌ مركزي في مجريات الأحداث في سورية، واللذان يسعيان إلى استثمار التطورات الأخيرة .
وفي ظل هذه المعضلة تسعى واشنطن إلى أخذ ضمانات من الجهة الجديدة الحاكمة في سورية والراعي التركي لاسترضاء الحليف «الإسرائيلي»، مقابل موافقتها على أن تصبح سورية ساحة نفوذ تركية بشكل أساس. كما تحرص المؤسسة الأمريكية من كلا الحزبين (الجمهوري والديمقراطي) على ألا يتجلى سيناريو تحويل سورية إلى ملاذٍ للإرهاب الداعشي.
في ظل الأحداث المتسارعة التي تشهدها الساحة السورية، ومع اقتراب تسلم دونالد ترامب مقاليد الحكم للمرة الثانية في البيت الأبيض، تتجه الأنظار نحو السياسة التي ستنتهجها الولايات المتحدة في الملف السوري. تفيد المؤشرات حتى الآن بأن واشنطن صادقت على مشروع الوصاية التركية في سورية، إلا أن الدراسة المعمقة تكشف بأن هذه المصادقة تحمل معها شروطاً تتصل بشكل أساس بمحاربة تنظيم داعش –وهو المطلب الأمريكي الرئيسيً- ودحر نفوذ إيران الذي هو المطلب الإسرائيلي الرئيسي. ويبدو أن أنقرة بدورها وافقت على هذه الشروط، الأمر الذي يفيد بأنه يجري التحضير لترتيب معين حول ملف الأكراد ترضى به أنقرة.
وصدر عن البيت الأبيض مواقف لافتة مفادها أن الضوء الأخضر يعطي لتركيا لتولي دور الوصي على سورية. فعقب لقائها رئيس هيئة تحرير الشام أحمد الشرع في دمشق، تحدثت مساعدة وزير الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأدنى باربرا ليف عن «نفوذ تركي تاريخي وازن» وعن مصالح تركية في سورية، سيَّما في المجال الأمني. أما ترامب فكان أكثر صراحة في تبنى هذا الموقف، حيث قال: إن تركيا تحمل المفاتيح في سورية.
ما يعزز احتمال المصادقة الأمريكية على المشروع التركي في سورية، هو أن ترامب نفسه بدا مستعداً لانتهاج مثل هذه السياسة في ولايته الأولى، فخلال مكالمة هاتفية جرت بينه وبين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أواخر عام 2018، فاجأ ترامب الجميع بمن فيهم أردوغان نفسه بقرار سحب القوات الأمريكية من سورية، وبالتالي السماح للقوات التركية بالتحرك ضد حلفاء أمريكا، الأكراد في الشمال السوري. كما تجدر الإشارة إلى أنَّ ترامب لا ينظر إلى سورية باعتبارها ملف ذي أهمية إستراتيجية على صعيد المصالح الأمريكية، إذ كان وصف البلد بأنه مجرد عبارة عن "رمال وموت".
صحيح أن خطط ترامب للانسحاب من سورية وتسليم المناطق الشمالية إلى تركيا لم تبصر النور في ولايته الأولى، لكنه صحيح أيضاً أن الرئيس الأمريكي المنتخب سيدخل البيت الأبيض هذه المرة وهو أكثر تصميماً على تنفيذ أجندته، ولا سيما فيما يتعلق بالتواجد العسكري الأمريكي في الخارج .كما تعكس الخيارات التي اختارها ترامب لفريقه للسياسة الخارجية والأمن القومي حرصه على المجيء بشخصيات تكُّن له الولاء أوًلاً وقبل أي شيء، الأمر الذي يقلل من احتمالات تعطيل مشاريعه في السياسة الخارجية أو حتى الاعتراض على هذه السياسات. وهنا تجدر الإشارة إلى أنه خاض تجربة صعبة على هذا الصعيد خلال ولايته الأولى حيث قام معاونوه بتعطيل أجندته في السياسة الخارجية في أكثر من ملف، لا سيَّما موضوع سحب القوات الأمريكية من سورية.