الإثنين 30 كانون الاول , 2024 03:00

الذكاء الاصطناعي: هكذا هندست إسرائيل الابادة الجماعية في غزة

استغل كيان الاحتلال حربه على قطاع غزة لتجربة مختلف أنواع الأسلحة التي كانت حتى الأمس القريب في المصانع وتحت الاختبار، أو تلك التي يحتاج لمعرفة أوجه القصور فيها وتقييمها، وهذا أحد اهم الأسباب التي أنتجت مئات الآلاف من الشهداء والجرحى. في حين يعتبر الذكاء الاصطناعي والذي تولى مهمة تحديد الأهداف العسكرية والأمنية، الأداة الأكثر تسهيلاً لارتكاب الابادة الجماعية بحق الفلسطينيين.

منذ الأسابيع الأولى للحرب، نفذت الأهداف التي كان الجيش الاسرائيلي قد جمعها، والتي يعتقد أنها ذات صلة بأماكن تواجد عناصر من حركة حماس او مخازن أسلحة، ولأجل ذلك، كان يحتاج لتحديث مستمر لاعادة ملئ بنك أهدافه، وهو الأمر الذي أسنده إلى أداة ذكاء اصطناعي تسمى "حبسورا" - أو "الإنجيل" - والتي يمكن أن تولد بسرعة مئات الأهداف الإضافية، وعمد إلى دمج الذكاء الاصطناعي بالعمليات الاستخبارية للجيش.

يكشف تحقيق أجرته صحيفة واشنطن بوست الأميركية، عن نقاش حاد داخل أعلى المستويات في جيش الاحتلال، بدءاً من سنوات قبل 7 أكتوبر، حول جودة المعلومات الاستخباراتية التي جمعها الذكاء الاصطناعي، وما إذا كانت توصيات التقنيات قد حظيت بتدقيق كاف، وما إذا كان التركيز على الذكاء الاصطناعي أضعف القدرات الاستخباراتية للجيش الإسرائيلي.

أمّنت هذه التقنية الكثير من البرامج، منها ما يختص بجمع الخوارزميات التنبؤية، والذي يسمح للجنود الاسرائيليين بالاستعلام بسرعة عن مجموعة هائلة من البيانات المعروفة داخل الجيش باسم "البركة". وتضيف الصحيفة أنه من من خلال مراجعة رزم البيانات من الاتصالات التي تم اعتراضها ولقطات الأقمار الصناعية والشبكات الاجتماعية، تحدد الخوارزميات إحداثيات الأنفاق والصواريخ والأهداف العسكرية الأخرى. وباستخدام التعرف على الصور في البرنامج، يمكن للجنود اكتشاف أنماط خفية، بما في ذلك تغييرات طفيفة في سنوات من لقطات الأقمار الصناعية لغزة التي تشير إلى أن حماس دفنت قاذفة صواريخ أو حفرت نفقاً جديداً على أرض زراعية، مما أدى إلى ضغط عمل كامل لمدة أسبوع في 30 دقيقة.

مخاوف حول أداء تقنيات الذكاء الاصطناعي

أثار استخدام هذه التقنيات انقسامات حادة بين الأجهزة الأمنية والجيش والمستوى القيادي، بعدما تداول في الأروقة انتقادات حول عملها ومدى الدقة التي تتوخاها في تحديد الأهداف، خاصة فيما يتعلق باستهداف المدنيين. مثلاً، لم تشير التقارير التي يتم تسليمها إلى القيادة العليا إلى كيفية اشتقاق المعلومات الاستخباراتية - سواء من المحللين البشريين أو أنظمة الذكاء الاصطناعي - مما يجعل من الصعب على المسؤولين تقييم النتيجة، وفقا لمسؤول عسكري كبير سابق تحدث إلى الصحيفة. ووجد تدقيق داخلي أن بعض أنظمة الذكاء الاصطناعي لمعالجة اللغة العربية بها أخطاء، وفشلت في فهم الكلمات والعبارات العامية الرئيسية.

في عهد قائد وحدة الاستخبارات السابق، يوسي سارييل، أعيد تشكيل 8200 للتأكيد على المهندسين، وخفض عدد المتخصصين في اللغة العربية، وإقالة العديد من القادة الذين يعتبرون مقاومين الذكاء الاصطناعي، وحل بعض المجموعات التي لا تركز على تكنولوجيا التنقيب عن البيانات.

بعد فشل الاتصالات خلال حرب عام 2006 ضد حزب الله في لبنان، أعاد الجيش الإسرائيلي حساب استراتيجيته لتبادل المعلومات والبيانات. في ذلك الوقت، لم تكن وحدات الاستخبارات تشارك المعلومات مع الجنود في ساحة المعركة، كما قال بن كاسبيت، كاتب عمود إسرائيلي في المونيتور، والذي يكتب كتابا عن الوحدة 8200. لمنع مثل هذه الصوامع، طور الموساد، وكالة التجسس الإسرائيلية، و 8200 قاعدة بيانات - "البركة" - لإيواء جميع الاستخبارات العسكرية في مستودع واحد. وتوضح الصحيفة أنه مع بدء طفرة "البيانات الضخمة" في وادي السيليكون، بدأ المهندسون الإسرائيليون في تجربة أدوات التنقيب عن البيانات الجاهزة التي يمكنها ترجمة وتحليل اللغتين العربية والفارسية.

لكن التقنيات، لم تكن على قدر التوقعات، كانت تواجه تحديات مختلفة. على سبيل المثال، غالباً ما يستخدم عناصر حماس كلمة "بطيخ"، كرمز للقنبلة، على حد قول أحد الأشخاص المطلعين. لكن النظام لم يكن ذكياً بما يكفي لفهم الفرق بين محادثة حول بطيخ حقيقي ومحادثة مشفرة بين الإرهابيين. "إذا كنت تلتقط ألف محادثة في اليوم، هل أريد حقاً أن أسمع عن كل بطيخ في غزة؟".

وعلى الرغم من تدريب الخوارزميات للبحث في آلاف صور الأقمارالصناعية لتحديد نوع معين من الأقمشة التي استخدمها مقاتلو حماس لإخفاء الحفر بحثاً عن صاروخ مدفون. إلا أنها كانت غير قادرة على تحديد عدد المدنيين الموجودين في مكان ما قبل استهدافها، واذا كانوا أطفالاً أم رجالاً. اذ انها اعتمدت في تحليل ذلك، قبل أي هجوم مفترض، بتحليل شبكة الخليوي وفقاً لبرج الاتصالات القريب من المكان، دون الأخذ بعين الاعتبار أن يكون مَن في داخل المبنى أو المخيم هم أطفال او نساء لا يمتلكن هواتف أو رجال مسنين لم يستطعوا شحن هواتفهم. وهذا ما جعل كيان الاحتلال يعتبر المجازر التي ارتكبها بحق مئات الآلاف مجرد "اضرار جانبية"، حللها الذكاء الاصطناعي على أنها كذلك.


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور