الإثنين 13 أيار , 2024 03:18

التغطية الإعلامية الإسرائيلية للحرب: قرارٌ بالانفصال عن الواقع!

يقوم كيان الاحتلال على مبدأ التجنيد والعسكرة. وبعد تجنيد المستوطنين حتى بات من الصعب إيجاد مدنيّاً واحداً في إسرائيل، تعمد الحكومة عند كل حرب او حدث أمني إلى تقييد وسائل الاعلام برقابة أمنية ترقى إلى مستوى التجنيد الفعلي. اذ تعتبر المؤسسة الأمنية والسياسية أن ذلك قد يكون عاملاً مساعداً في كسب الحرب. وفي محاولة لتقديم صورة مشابهة لما يجري، قد يكون من المعقول اسقاط الحالة الإعلامية الإسرائيلية اليوم على مثيلتها الأميركية بعد 11 أيلول سبتمبر عام 2001.

تبرز الهوّة العميقة بين التغطية الإعلامية الإسرائيلية ووسائل الاعلام الأخرى ومنها تلك التي تعتمد على المصادر الفلسطينية، بشكل واضح.  حتى باتت الأنباء التي تنقلها الأولى، ليست فقط مغايرة لما يجري على أرض الواقع عن طريق تحريف وتزييف الأخبار، بل على انكارها كأنها غير موجودة، تماماً كتحييد عدد المدنيين الفلسطينيين الشهداء الذي تجاوز عددهم الـ 34 ألفاً، عن مجال التغطية.

أسباب عدة تقف وراء الأداء غير السَوي لوسائل الاعلام الإسرائيلية. واذا كان القرار بالزام الصحفيين بانتهاج سردية معينة للحرب على غزة، هو أحد أهم تلك الأسباب، إلا ان الشارع الإسرائيلي الذي عُجن على التمييز الإنساني وأنه أعلى مرتبة من الفلسطينيين والعرب، هو أحد الأسباب أيضاً.

يصف مستشار الأمن القومي السابق إيال هولاتا ما يجري على أنه حالة من "الانفصال" التي خلقتها "صدمة 7 أكتوبر، والتي أنتجت عزل الإسرائيليين داخل الكيان، وفصلهم عن عالم لا يفهم خوفهم من عودة حماس". هذا تحديداً ما تعمل وسائل الاعلام الإسرائيلية على ترسيخه. ليس فقط بتحريض الشارع الإسرائيلي ضد العالم بأسره وتحفيز شعور الانتقام الأعمى، بل أيضاً عبر تقديم صورة مفادها أن المعاناة هي ما تلقاه المستوطنون في 7 أكتوبر، مع إخفاء مع يعانيه الفلسطينيون منذ 8 أكتوبر إلى اليوم. لذلك، بالكاد يتم تغطية ما يجري داخل القطاع.

تقول مخرجة الأفلام الوثائقية عنات ساراغوستي: "إنهم يغطون الفلسطينيين فقط في إطار الأمن. بالكاد ترى أي امرأة او أي طفل. النظرة هي أنهم جميعاً حماس". مضيفة "الأمر لا يتعلق بالعاطفة، بل بالسياسة... غالبية الإسرائيليين لا يفهمون كيف أصبح العالم ضدنا فجأة، أو لماذا لسنا الضحية التي يجب دعمها، كما كنا في 7 أكتوبر، عندما جاء جميع قادة العالم إلى هنا في قافلة لإظهار الدعم".

يأتي في الاطار نفسه، تعليق الصحفي الإسرائيلي يوسي كلاين الذي كتب في تغريدة على منصة X: "الرقم الأكثر تحريماً في إسرائيل هو 34000. لا يمكنك التحدث عن ذلك، ولا يمكنك ذكره، وإذا قام شخص ما يتحدث عن طريق الخطأ، فعليه أن يضيف بازدراء: "وفقاً لمصادر فلسطينية".

في حين، أن تجريد المدنيين الفلسطينيين في غزة من انسانيتهم، لا يعود إلى الحرب الحالية، بل هو نتاج عقود من الانفصال عن الواقع، الذي روجت له وسائل الاعلام الإسرائيلية، بإدارة أمنية سياسية، حجبت خلالها حياة الفلسطينيين خاصة خلال الحروب، وكأن لا قتلى منهم ولا معاناة لهم ولا أطفال وأسرى ومفقودين وثكالى. وبالتالي، تأطير العنف الإسرائيلي على أنه محض "دفاع عن النفس".

تتبنى وسائل الاعلام رواية الجيش الإسرائيلي دون اعتراض أو محاولة تسريب. وعادة ما توسم أخبارها التي تعد حصرية بكلمة "سمح بالنشر".  وتقول ساراغوستي بأن "الإسرائيليين الذين يشاهدون الأخبار التلفزيونية لا يتعرضون على الإطلاق لما يجري في غزة. لا نرى الفظائع والأنقاض والدمار والأزمة الإنسانية. العالم يرى شيئاً مختلفاً تماماً".

من ناحية أخرى، مُنع الصحفيون الدوليون من الدخول إلى القطاع للتغطية. وعلى الرغم من الضغوطات التي يمارسها عدد من المنظمات الصحفية الدولية منذ أشهر حتى الآن، لم تستجب حكومة الاحتلال بعد.

ويؤكد المحرر الدولي لقناةBBC، جيريمي بوين، أنه "كان من الصعب حقاً تغطية الأحداث، لأن الطرف الرئيسي فيها - وهو ما يحدث في غزة- لا يمكننا الاقتراب منه". ولناحية الإنتاج الاعلامي، قال إنه "في بعض الأحيان يبدو الأمر وكأننا نتسلق الوحل، في محاولة لإنتاج المواد اللازمة لإعداد تقرير للأخبار التلفزيونية". وأضاف أنه "من الصعب جداً أن تكون مراسلاً تلفزيونياً لقصة لا يمكنك رؤيتها بنفسك".

وعلى الرغم من أن العاملين في وسائل الإعلام الدولية هرعوا إلى إسرائيل -وقد منحت الأذن لما لا يقل عن 2.800 مراسل منذ بدء الحرب-، إلا أنه لم يسمح لأي منهم بدخول غزة إلا في عدد قليل من الجولات الخاضعة لرقابة مشددة بقيادة الجيش.

الواقع، ان الأزمة الأساسية في السردية الإعلامية تكمن، أولاً، في أن الحكومة قررت استخدام وسائل الإعلام الإسرائيلية كناطق باسمها، وأداة لبث "المعنويات وتعزيز الروح الوطنية" وهذا يعني التزامها المتطرف بالبيانات الصادرة عن الجيش وتلك التي يقولها المسؤولون.

هذا الأداء المدروس وغير العشوائي لوسائل الاعلام يمكن ملاحظته بسهولة عند قراءة الاحداث التي تعد مفصلية في مسار الحرب وسرديتها. على سبيل المثال، عند الإشارة إلى الانفجار الذي وقع في المستشفى الأهلي في مدينة غزة والذي أدى إلى ارتقاء المئات من الشهداء المدنيين الفلسطينيين، فإن وسائل الإعلام الإسرائيلية كانت حريصة جداً على الإشارة إلى أن مصدر الانفجار غير معروف. في الوقت عينه، تبنت وسائل الإعلام نفسها قصصاً لم تدقق في صحتها، ونشرتها على صفحاتها الأولى، كمزاعم عن ارتكاب حماس فظائع في 7 أكتوبر ومنها الاعتداء على الأطفال، وهي الادعاءات التي تداولها الرئيس الأميركي جو بايدن وعاد في وقت لاحق لينفيها.


الكاتب:

مريم السبلاني

-كاتبة في موقع الخنادق.

-ماجستير علوم سياسية.




روزنامة المحور