إن قرار حركة حماس اختيار القائد يحيى السنوار "أبو إبراهيم" بالإجماع رئيساً لمجلسها السياسي، في هذا التوقيت بالذات، أي بعد أيام من شهادة القائد إسماعيل هنية باغتيال إسرائيلي، وبعد أكثر من 300 يوماً على بداية معركة طوفان الأقصى، تخللتها بسالة واقتدار وصمود اعجازي للشعب الفلسطيني ومقاومته، وكان فيه القائد السنوار على رأس قائمة القادة الذين تسعى إسرائيل الى اغتيالهم كونها تعتبره العقل المدبّر لعملية طوفان الأقصى، يؤكّد بأن الحركة بكل أفرادها، ثابتة على خيار "مقاومة إسرائيل"، مهما غلت وكبرت التضحيات، ويثبت لإسرائيل بأنها أخطأت جداً في الحساب عندما ظنت بأنها باغتيال الشهيد هنية، ستستطيع إضعاف المقاومة الفلسطينية في غزة، بقيادة السنوار ورفاقه القادة العسكريين، وأن تحدّ من صلابة المقاومة في المفاوضات، بعد أن أظهرت البطولات في الميدان.
فالقائد يحيى السنوار بما يمتلكه من صفات ومسيرة مقاومة وأسر في المعتقلات الإسرائيلية وقيادة للحركة في قطاع غزة، قد أثبت خلال معركة طوفان الأقصى الملحمية، بأنه من أبرز قادة ورموز القضية الفلسطينية، لجهة عزيمته وعبقريته في التخطيط وإدارة المواجهات بما يوقع الخسائر الكبيرة في صفوف إسرائيل.
ولعلّ أبرز من أشار الى هذا الأمر، هو الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، عندما قال في كلمة له منذ أشهر، تعليقاً على حادثة رفع مندوب إسرائيل لصورة السنوار خلال الجلسة الطارئة للجمعية العامة في الأمم المتحدة: "أهم مشهد سياسي يعبر عن صورة انتصار فلسطين هو عندما رفع مندوب "إسرائيل" صورة القائد الكبير الشجاع الأخ "أبو ابراهيم" يحيى السنوار حفظه الله ونصره. وهذا المشهد هو صورة عن اليأس والاحباط والغضب (أي لدى الإسرائليين)".
وفي السياق نفسه، فإن هذا التطوّر المهم يؤكّد على قوة وصلابة حركة حماس ومؤسساتها، في التناقل القيادي رغم الظروف الصعبة، المتمثلة في الإبادة الجماعية التي تنفذها إسرائيل في القطاع، والتي بالرغم منها استطاع "أبو إبراهيم" إدارة الحركة والمشهد الداخلي في القطاع بكفاءة، في ظل تخفيه عن الأنظار للشهر العاشر على التوالي وترقب الاحتلال الإسرائيلي لأي فرصة لاغتياله هو وشقيقه محمد. وكأنه بذلك يؤكّد ما قاله القائد هنية قبل شهادته بساعات: "إذا غاب سيّد قام سيّد".
أبعاد هذه الخطوة المفاجئة
_ تأكيد حركة حماس بكامل أقسامها وهيئاتها، على تمسكهّم بخيار المقاومة المسلحة والسياسية، وعدم تقديم أي تنازلات لكيان الاحتلال. وهنا لا بد الإشارة الى أن السنوار يتمتع بحضور لافت على الصعيد الداخلي لحماس ولكتائب القسام (ربما يكون قد زاد كثيراً جراء هذه المعركة)، ويطلق عليه البعض وصف "الرجل الأول" في الحركة (وربما يكون الأول أيضاً على الساحة الفلسطينية).
_توجيه رسالة تحدٍّ للكيان الإسرائيلي ولنتنياهو ومنظومته السياسية والأمنية الذين يعتقدون، بأن الضغط العسكري سيفرض الهزيمة والانكسار على المقاومة الفلسطينية وفي مقدمتها حماس.
وقد أشار حزب الله لهذه النقطة في بيانه لتهنئة حماس على هذا القرار، حيث قال: "إن اختيار الأخ يحيى السنوار من قلب قطاع غزة المحاصر، الموجود مع إخوانه المجاهدين في الخنادق الأمامية للمقاومة وبين أبناء شعبه تحت الركام والحصار والقتل والتجويع هو تأكيد أنّ الأهداف التي يتوخّاها العدو من قتل القادة والمسؤولين فشلت في تحقيق مبتغاها وأنّ الراية تنتقل من يد إلى يد، مضرجة بدماء الشهداء، وهي رسالة قوية للعدو الصهيوني ومن خلفه الولايات المتحدة وحلفائها بأنّ حركة حماس موحّدة في قرارها، صلبة في مبادئها، ثابتة في خياراتها الكبرى، عازمة على المضي و معها سائر الفصائل الفلسطينية في طريق المقاومة و الجهاد مهما بلغت التضحيات".
_ تشكّل جزءاً مهماً من عملية الرد على اغتيال الشهيد هنية وغيره من قادة الحركة السياسيين، في الوقت الذي يراهن الاحتلال على إمكانية النجاح في تحويل هذه العمليات إلى مأزق تنظيمي داخل الحركة، الذي من الممكن أن يؤدي الى حصول انشقاقات وخلافات فيها.
_ اختيار السنوار، بما يمتلكه من توجه وحدوي على الصعيد الفلسطيني والعربي وعلى مستوى محور المقاومة، يشير إلى أن حركة حماس ستعمّق من هذا الأمر في المستقبل.
_ تُثبت بأن الحركة التي أحاطت عملية اختيار خليفة للشهيد هنية بغطاء كبير من السرية، عصية أمام تمكّن وسائل الإعلام وأجهزة الاستخبارات من معرفة ما يدور في أروقتها الداخلية وكيفية صنع القرار فيها.
الكاتب: غرفة التحرير