الخميس 29 آب , 2024 03:57

رسالة الشاباك تشعل خلافات داخلية والنار تمتد إلى الضفة

رونين بار وبن غافير وخلفهم عصابة "فتية التلال"

الرسالة الاستثنائية التي وجّهها رئيس "الشاباك"، رونين بار، إلى رئيس الحكومة الإسرائيلية، وعدد من الوزراء، للتحذير من تطرّف المستوطنين، ومن احتمال انزلاق "الإرهاب اليهودي" ضدّ الفلسطينيّين في الضفة الغربية، ليطال إسرائيليّين أيضاً، صبّت الزيت على نار الخلافات الداخلية في إسرائيل، وزادت من سخونة السجالات والاتهامات بين أطياف المجتمع الإسرائيلي، حيث صدرت تحذيرات من خطورة "الإرهاب اليهودي" على صورة إسرائيل ومستقبلها.

وظهر الانقسام السياسي في إسرائيل حول رسالة رئيس "الشاباك" بوضوح، حيث أيدها وزير الأمن، يوآف غالانت، ومعظم أطياف المعارضة، فيما عارضها أعضاء كثيرون في الائتلاف الحكومي. أمّا رئيس الحكومة الذي لم يصدر عنه أيّ موقف علني، فقد دافع عن رئيس "الشاباك" في "تبادل كلام مع وزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير. وفي المقابل، نفّذ معارضو رئيس "الشاباك" هجمة معاكسة ضدّه، طالت أيضاً وزير الأمن، ورئيس هيئة الأركان العامة في الجيش الإسرائيلي، الفريق هرتسي هليفي، واتهموهم بالفشل والخيانة.

وعلى المقلب الآخر، بدأ كيان الاحتلال بشن عمليات عسكرية على مدن ومخيمات شمالي الضفة الغربية المحتلة. تنسجم مع الحرب على قطاع غزة، وتأتي في سياق حرب الإبادة الجماعية التي تهدف للقضاء على الوجود السكاني للفلسطينيين بفلسطين التاريخية.

مضمون رسالة رئيس "الشاباك"

حذّر رئيس الشاباك رونين بار في رسالة أرسلها إلى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الأمن يوآف غالانت من "أعمال العنف" التي يرتكبها اليهود وتؤدي إلى اختلال النظام وفقدان الأمن، كما وحذر بار من حجم الضرر الذي لحق بـ"دولة إسرائيل" على خلفية هذه الأحداث.

كتب بار: "أكتب إليكم هذه الرسالة بألم، وبقلق بالغ، كيهودي، وكإسرائيلي، وكضابط أمن، بشأن ظاهرة الإرهاب اليهودي المتزايدة التي يقودها "فتية التلال"، أرسل كذلك بار الرسالة إلى وزير العدل ياريف ليفين، ووزير التعليم يوآف كيش، ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش، ووزير الداخلية موشيه أربيل، ووزير الخدمات الدينية ميخائيل مالكيالي، والمستشارة القانونية للحكومة غالي بيهاريف ميارا.

استكمل بار رسالته بالقول: "لقد أصبحت ظاهرة "فتية التلال" منذ فترة طويلة أرضية خصبة وممتدة لأعمال العنف ضد الفلسطينيين، لا أربط بالتأكيد هذه الأفعال بمفهوم "الجريمة القومية"، فهي ليست جريمة لأن العنف يستخدم بغرض بث الخوف، أي الإرهاب".

وعصابة "فتية التلال" تتكون في غالبيتها من فتية يهود متطرفين يعيشون في بؤرٍ استيطانية معزولة في الضفة الغربية، من منطلقات أيديولوجية يمينية راديكالية، يميزهم شعرهم العريض الطويل، وإطلاق اللحى، وارتداء القبعات الكبيرة المحبوكة، والعمل في الأرض ورعي الأغنام. يعدّ كثير منهم أنفسهم رواد وخلفاء لليهود الذين عاشوا في مملكة "إسرائيل" في فترة الكتاب المقدس، ويرون أن الاستيطان في "أرض إسرائيل" هو الأساس المركزي لتعجيل مشيئة الله بتحقيق الفداء وفق التوراة

سجال داخلي حول الرسالة

التأييد الأبرز الذي حظي به رئيس "الشابك" على رسالته، أتى من جهة وزير الأمن، يوآف غالانت، الذي قال: "في ظل الأعمال غير المسؤولة من الوزير بن غفير، التي تعرض الأمن القومي لدولة إسرائيل للخطر وتسبب انقساماً داخلياً وسط الشعب، رئيس جهاز الأمن العام (الشاباك) يقوم بوظيفته ويحذّر من التداعيات الخطيرة لهذه الأعمال".

وبدوره، وصف وزير شؤون الشتات سابقا، نحمان شاي (من حزب العمل)، رسالة رئيس "الشاباك" بأنها حدث تاريخي، كون تحذيراته من العمليّات المدمّرة التي تمرّ بها إسرائيل هي علامة تحذير مشرقة. أما عضو الكنيست، (اللواء احتياط) أليعازر شتيرن (من حزب يوجد مستقبل)، فحذر من أن تؤدي أعمال المتطرفين اليهود، إلى ألا يتمكن جنود الجيش الإسرائيلي وضباطه من السفر حول العالم، وإلى امتناع المستثمرين من أن يأتوا إلى إسرائيل.

رئيس تحالف الديمقراطيون (العمل-ميرتس)، يئير غولان (لواء احتياط ونائب رئيس أركان سابق)، رأى أن رسالة رئيس "الشاباك " الصارمة، هي علامة تحذير وتجريم للمستوى السياسي، لأن "أذناب دولة يهودا المسيحانية والإرهابية تركّزت من خلال كراسي جلد الغزال لحكومة نتنياهو". واتهم غولان وزراء في الحكومة الحالية بأنهم يقوضون أسس الديمقراطية الإسرائيلية، ويشجعون العناصر التخريبية والإرهابيين من أجل المس بالدولة، وأمنها، وإقامة حكومة أصوليّة مسيحانية وقوميّة، على أنقاض الديمقراطيّة الإسرائيليّة الليبراليّة. وشدد غولان على أن نتنياهو يسمح بذلك، ويؤيده، فهو شريك رئيسي في الأمر.

وفي المقابل، نفذ معارضو رئيس " الشاباك" هجمة معاكسة ضده، طالت أيضا وزير الأمن، ورئيس هيئة الأركان العامة في الجيش الإسرائيلي، الفريق هرتسي هليفي، حيث أصدر بن غفير بيانا قال فيه إن رئيس "الشاباك" يُهاجم وزير الأمن القومي، لحرف الأنظار عن مسؤوليته في فشل 7 تشرين الأول، لذلك "يجب أن يرحل". واتهم بن غفير رئيس "الشاباك" خلال جلسة للكابينت، بأنه استسلم لحماس في "جبل الهيكل" (الحرم القدسي)، وأنه أسير المفهوم، قبل أن يغادر القاعة احتجاجاً.

بن غفير هاجم أيضاً غالانت، ودعاه لأن يهاجم حزب الله، بدلاً من مهاجمته شخصياً، وذكره بأنه تعهد سابقاً بإعادة لبنان إلى العصر الحجري، بينما في الواقع يعيد شمال إسرائيل إلى العصر الحجري.

الهجوم الأقسى على رئيس "الشاباك" أتى من جانب عضو الكنيست، تالي غوتليف (من الليكود)، التي وصفت رئيس "الشاباك" بأنه "خطر على دولة إسرائيل، ففشله وإهماله الإجرامي"، بحسبها، جلب على إسرائيل جحيم السابع من تشرين الأول. وأضافت غوتليف بأن دماء القتلى الإسرائيليين على يدي رئيس "الشاباك"، ومع ذلك يتجرأ على انتقاد مستوطني الضفة الغربية، والتشهير بهم في زمن الحرب، كما أنه يتحدث بوقاحة عن الوزير بن غفير. واتهمت غوتليف "الشاباك" بأنه يُلحق الضرر بحرية يهود من خلال الاعتقالات الإدارية، "فقط لإخافتهم".

ووسعت غوتليف من مروحة هجومها، لتطال هيئة أركان الجيش الإسرائيلي، واتهمتها بأنها تُلحق الضرر الشديد بمنعة المقاتلين، وتخون الأمانة بتسريبها "تحقيق" حول مسلكية مقاتلين شجعان. وانتقدت غوتليف ايضاً رئيس هيئة الأركان العامة في الجيش الإسرائيلي، الفريق هرتسي هليفي شخصياً، واتهمته بأنه المسؤول عن صفر استعداد الجيش الإسرائيلي لهجوم مفاجئ (كما حصل في 7 تشرين الأول)، كما اتهمته بالتقصير في التعامل مع الأحداث في ذلك اليوم.

ومن جهته رأى المستشار الاستراتيجي السابق لرئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، أفيخاي حداد، أن التصميم والشغف الحادّ والعدوانيّة الذي يظهرهم بار وغالانت ضد المستوطنين وممثليهم، لم يكونوا حاضرين في السابع من تشرين الأول.

العمليات العسكرية في شمال الضفة

حدثان مهمّان تقاطعا على رسم صورة مُقلقة إسرائيلياً لواقع الضفة الغربية ومآلاته: الأول، الإنذار الذي أصدرته شعبة الاستخبارات العسكرية "أمان"، بشأن واقع أمني متفجّر تتوقّعه الشعبة في الضفة الغربية، قد يصل إلى حد انتفاضة شاملة؛ الثاني، عملية "تل أبيب"، التي أيقظت مخاوف الإسرائيليين من عودة فصل العمليات الاستشهادية داخل "الخط الأخضر"، وثبّتت مخاوف المؤسّسة الأمنية والعسكرية، من ديناميات التصعيد الخطرة في الضفة الغربية.   

جرعة القلق السياسي والأمني من مشهد الضفة الغربية، تلقّت دفعاً إضافياً من المُعطيات والأرقام "الجنونية" لمستوى الإنذارات والعمليات التي تجري يومياً في الضفة الغربية، وتأخذ منحىً تصاعديا -كمّا ونوعا- مع تكثيف استخدام العبوات الناسفة.

في هذا السياق اشتعلت جبهة الضفة وانسجاماً مع الحرب على قطاع غزة، التي تأتي في سياق حرب الإبادة الهادفة للقضاء على الوجود السكاني للفلسطينيين بفلسطين التاريخية.

وقد تمتد هذه العملية العسكرية إلى جميع مناطق الضفة، وهي تعتبر الأوسع منذ عملية "السور الواقي" عام 2002، وتنسجم مع سياسات حكومة اليمين المتطرف برئاسة بنيامين نتنياهو، التي لوحت مع بدء معركة طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 إلى تهجير الفلسطينيين، بذريعة أنهم يشكلون خطراً وجودياً على استمرار المشروع الصهيوني. 

إذن، أصحبت الضفة في قلب النار، وتزداد عمليات الجيش الإسرائيلي بشكل تصاعدي مع بدء الإعلان عن العملية العسكرية وليس معلوماً إن كانت عمليات عسكرية سريعة من حيث التوقيت، ستسعى إسرائيل إلى تحقيق أهدافها بتغيير الواقع الأمني في مدن ومخيمات شمالي الضفة، وتكثيف عمليات الاغتيال لقادة المقاومة كان آخرها اغتيال القائد "أبو شجاع"، أم ستأخذ وقتاً طويلاً على غرار الحرب في غزة.


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور