لم تقبل قيادة حزب الله أن يمر عيد العرش اليهودي من دون أن ترسل هدية خاصة لبنيامين نتنياهو. ففي أولى خطوات المرحلة الجديدة التي توعدت بها غرفة عمليات المقاومة، إخترق سرب من الطائرات بدون طيار، الحدود اللبنانية-الفلسطينية، لتجتاز اكثر من ٧٠ كم في عمق العدو الإسرائيلي، متخفية عن الدفاعات الجوية الإسرائيلية التي لم تحرك ساكنا، ووصلت الى أهدافها بنجاح، من جملتها، قاعدة جليلوت العسكرية التي تضم مقر وحدة 8200 التابعة لمقر الاستخبارات، إضافة الى هدف نوعي، حطم كل الإنتصارات الوهمية التي تباهى بها الاحتلال، بل وأعاد هاجس السابع من اكتوبر الى أذهان المستوطنين. وفي ظل عجز جيش العدو الإسرائيلي بقدراته الدفاعية والهجومية في التصدي لطائرة بدون طيار إستهدفت منزل رئيس حكومة الإحتلال بنيامين نتنياهو في مدينة قيسارية، والتي تعتبر أكثر المدن جمالية في الكيان، والثقل السياحي فيه.
وبعيدا عن مدى صحة بيان مكتب نتنياهو الذي نفى تواجد الأخير وعائلته في منزله المفضل، إلا أن هذا الهجوم النوعي هو الأكثر قساوة على العدو الإسرائيلي منذ بدء العدوان على لبنان، خاصة وأن المستهدف هو أعلى شخصية رسمية، سياسية وعسكرية في الكيان المؤقت، تقود هذه الحرب. فضلًا عن أن المكان المستهدف فيه ليس ثكنة او موقع عسكري، بل المنزل الأساسي له، الذي يفترض أنه الأكثر أمان وحماية. بيد أن مسيّرة واحدة أطلقتها المقاومة نحو هذا الهدف، نجحت في التوغل والوصول الى هدفها بدقة، وهذا ما اعترف به البيان الإسرائيلي.
إن هذا الفشل العسكري، لم يعد سرا، بل بات هاجس الطائرات بدون طيار يشكل تحديا قاسيا للمؤسسة الامنية والعسكرية للعدو الإسرائيلي، في ظل تجاوز هذه الطائرات للمنظومات والراردات المنتشرة من الحدود مع لبنان وصولا الى ايلات، وعلى الرغم من الجهد الكبير الذي تبذله وزارة الجيش والشركات العسكرية والدول الحليفة على رأسها الولايات المتحدة، لعلاج هذا الفشل، إلا أنها عاجزة عن تحقيق أي تقدم حقيقي وملموس. بالمقابل، فإن حزب الله لا يزال يخبئ الكثير من المفاجآت خاصة فيما يتعلق بسلاح الجو.
تحمل هذه العملية جملة من الدلالات التي يجب التوقف عندها، حيث أنها تؤكد ما هو مؤكد بأن المقاومة الإسلامية اللبنانية- حزب الله نجحت في استيعاب الصدمات التي تلقتها في الضربة الأولى، كما ذكر موقع الخنادق سابقا، بل وتواصل ادارة المعركة بذكاء وحنكة عالية، وبمسار تصاعدي مدروس. بالمقابل، فإن التعرض لمنزل نتنياهو، يبدد مزاعمه وادعاءات جيشه بتدمير قدرات حزب الله وتأثير إغتيال قادته على القيادة والسيطرة التي زعم الإحتلال بتفكيكها.
وبالعودة لعملية بنيامينا النوعية، ومقاربتها بعملية قيسارية، نلاحظ أن حزب الله يمتلك قدرات استخبارية عالية يسيِّلُها في الميدان بشكل متناسق مع القدرة التي يختارها، والأهداف الموضوعة وفق الخطة والمسار التصاعدي. وبالتالي فإن هذه العمليات ستستمر وستتصاعد، خاصة وأن نتائجها تتكلل بالنجاح وبأقل التكاليف، فحزب الله لم يستخدم بعد صواريخه النوعية والاستراتيجية، او الأسراب الكبيرة من المسيرات المتنوعة، بل لا يزال مكتفيا بعدد ونوع محدود من المسيرات.
وكان لهذا الحدث وقع إعلامي كما العسكري، حيث أن الاعلام العبري تلقف الخبر بطريقة صعبة وصادمة، فبالرغم من أن الرقابة إمتنعت عن نشر الحدث، إلا أن إجراءات الشرطة ونجمة داوود وفرق الإطفاء التي توجهت الى منزل نتنياهـو وأغلقت الشوارع المحيطة، أفشلت الجهود الحثيثة في إخفاء الحدث. ومن جهة أخرى، زعزع هذا الهجوم الثقة التي منحها الجيش الإسرائيلي للإعلام حول تدهور قوة حزب الله، ولذلك سنشهد في قادم الأيام العناوين والمقالات التي ستنهش الرواية التي قدمها نتنياهو وغالانت، لذلك حاول نتنياهو وفريقه الإعلامي وبشكل مستعجل إظهار ايران انها التي تقف خلف الهجوم وليس حزب الله، خوفا من الهجوم الإعلامي والشعبي.
وعليه، فإن عملية قيسارية، كما عمليتي بنيامنيا وهرتسيليا، هي من جملة العمليات التي تأتي في سياق المرحلة الجديدة التي أطلق عليها نائب الامين العام لحزب الله "إيلام العدو"، والتي توعدت غرفة العمليات بتنفيذها. ومما لا شك فيه أن ما ينتظر الكيان المؤقت في هذا المرحلة سيكون أشد قسوة عليه، كما أنها لن تكون المرحلة الأخيرة...
الكاتب: غرفة التحرير