يمثّل أبو محمد الجولاني، زعيم هيئة تحرير الشام، حالةً لافتة في المشهد السوري، حيث قاد تنظيمه في رحلة تحوّلٍ معقدة، انطلاقاً من أيديولوجيةٍ "جهادية" عالميةٍ، وصولاً إلى خطابٍ وطنيٍّ، براغماتيٍّ، يسعى للاندماج في العملية السياسية. يهدف هذا التحليل المعمّق إلى تفكيك هذه التحولات، من خلال استعراضٍ دقيقٍ لخطابه، إجراءاته، ومواقفه السياسية، مع التركيز على التحديات والعقبات التي تواجهه، والسيناريوهات المحتملة لمستقبل "الهيئة" ودورها في سورية.
بناءً على تحليل النصوص والمحتوى، يمكن استخراج المواضيع الرئيسية والفرعية التالية التي تُظهر تحول الجولاني وهيئة تحرير الشام:
-التحول الأيديولوجي: من الجهادية العالمية إلى الوطنية/المحلية
-فك الارتباط بتنظيم القاعدة.
-التركيز على محاربة النظام السوري.
-تبني خطاب "الثورة السورية".
-التخلي عن مفهوم "الخلافة" والتركيز على "الدولة السورية".
-التخفيف من حدة التكفير.
-التعاون مع فصائل أخرى من المعارضة السورية.
-محاربة تنظيم داعش.
-تبني مصطلح "الكيان السني" كإطار وطني.
-محاولة التوفيق بين الجهادية والوطنية ("جهادية المنهج، وطنية الجغرافيا").
-التحول السياسي: من جماعة مسلحة إلى كيان سياسي يسعى للمشاركة في العملية السياسية.
-إنشاء "حكومة الإنقاذ السورية" كواجهة مدنية.
-المشاركة في مفاوضات مع جهات خارجية (تركيا، روسيا).
-إبداء الانفتاح على الحلول السياسية والتسويات.
-بناء مؤسسات الدولة وإدارة المناطق التي تسيطر عليها "الهيئة".
-محاولة حل "هيئة تحرير الشام" وإقامة كيانات سياسية جديدة.
-التحول في الصورة: من صورة الجهادي المتطرف إلى صورة القائد السياسي المعتدل.
-تغيير المظهر والتخلي عن الزي الجهادي التقليدي.
-استخدام الاسم الحقيقي (أحمد الشرع) بدلاً من الاسم الحركي.
-إطلاق حملات علاقات عامة لتحسين صورتها.
-إظهار الاعتدال في التعامل مع السكان المحليين والأقليات.
-إرسال رسائل طمأنة للأقليات الدينية والعرقية.
-محاولة الخروج من قوائم الإرهاب.
-الظهور الإعلامي المتكرر.
-الاهتمام بالجانب الاقتصادي والخدمي.
-تدجين جامعة إدلب من خلال كوادرها ومناهجها.
-الترويج لأنشطة "الهيئة" و"حكومة الإنقاذ" كإنجازات.
هذه المواضيع تُظهر جوانب متعددة من تحول الجولاني وهيئة تحرير الشام، وتساعد على فهم استراتيجيتهما وتوجهاتهما بشكل أفضل. سنحاول مناقشتها وتحليلها ضمن ثلاث محاور.
المحور الأول: التحول الأيديولوجي – من الجهاد العالمي إلى المحلية
شهدت هيئة تحرير الشام، بقيادة الجولاني، تحولاً أيديولوجياً جذرياً، ابتداءً من تبنيها فكر "القاعدة" والجهاد العالمي، وصولاً إلى التركيز على القضية السورية، ومحاولة إقامة كيانٍ سنيٍّ ذي طابعٍ وطنيٍّ.
فك الارتباط بتنظيم القاعدة:
مثّل إعلان الجولاني فك ارتباط "جبهة النصرة" بتنظيم "القاعدة" عام 2016، نقطة تحوّلٍ حاسمةٍ في مسار التنظيم، حيث سعى من خلالها إلى التخلص من "العبء" الذي يمثّله ارتباطه بتنظيمٍ مصنّفٍ إرهابياً دولياً، وفتح المجال أمام تعاونٍ محتملٍ مع قوىً إقليميةٍ ودوليةٍ. ومع ذلك، شكّك كثيرون بصدقية هذا الانفصال، واعتبروه مناورةً تكتيكيةً، للحفاظ على وجود "الهيئة" ونفوذها في إدلب.
التركيز على محاربة النظام السوري:
مع انحسار نفوذ تنظيم "داعش" في سورية، حوّلت "هيئة تحرير الشام" تركيزها نحو محاربة النظام السوري، وتبنّت خطاب "الثورة السورية"، في محاولةٍ لربط نفسها بالمعارضة السورية، وكسب تأييدٍ شعبيٍّ.
التخلي عن مفهوم "الخلافة" والتركيز على "الدولة السورية":
تخلّى الجولاني تدريجياً عن خطاب "الخلافة الإسلامية"، وبدأ يتحدث عن "الدولة السورية"، وضرورة بناء مؤسساتِ دولةٍ، تضمن حقوق جميع السوريين، بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية أو العرقية.
تخفيف حدة التكفير والانفتاح على الأقليات:
خفّفت "هيئة تحرير الشام" من حدة خطابها التكفيريّ، وبدأت تُظهر انفتاحاً على الأقليات الدينية والعرقية في سورية، من خلال اللقاءات مع وجهاء هذه الأقليات، وإرسال رسائل طمأنةٍ، تؤكد على ضرورة التعايش والتسامح. إلا أن هذه الخطوات لم تُقابل بثقةٍ كاملةٍ من قِبَل الأقليات، التي لا تزال تخشى من ماضي "الهيئة" المتطرف.
محاربة تنظيم داعش:
ساهمت معارك "هيئة تحرير الشام" ضد تنظيم "داعش" في تعزيز صورتها كقوّةٍ تُحارب التطرف، وساعدتها على كسبِ بعضِ التأييدِ من قوىً إقليميةٍ ودوليةٍ.
رسائل التهدئة والطمأنة:
وجّه الجولاني رسائلَ تهدئةٍ وطمأنةٍ للسكان المحليين، والأقليات، في محاولةٍ لنفيِ مخاوفهم من "هيئة تحرير الشام"، وإظهارِ التنظيم كقوّةٍ تحمي الجميع.