الأربعاء 11 آب , 2021 04:13

مستقبل أفغانستان الغامض بعد سيطرة طالبان؟

بعد التقدم الكبير الذي تحرزه طالبان في أفغانستان والتي كانت آخرها السيطرة على 6 عواصم ولايات، وبالتوازي مع المباحثات التي تجري دوليا للتوصل إلى حل سياسي من شأنه تخفيف حدة المواجهات وتشكيل حكومة في ظل رؤية أخرى للحركة التي باتت تتطلع إلى المشاركة السياسية ومع حصة وازنة، بدأت الأوساط المتابعة للساحة الافغانية تدرس جديًا مستقبل البلاد في ظل هذا التقدم. 

كتب "إحسان کیاني" الخبير في شؤون السياسة الخارجية في مقال نشره مركز "تبيين" للدراسات الاستراتيجية الإيرانية" عن مستقبل أفغانستان مع تقدم حملات طالبان في أنحاء البلاد. واستعرض الكاتب في مستهل المقال موضوع "بداية هزيمة أمريكا وانسحاب قواتها من أفغانستان" ومن ثم رد فعل الدولة المركزية والدول الأجنبية إزاء توقف عمليات السلام في أفغانستان وتقدم حملات طالبان، وعرض في النهاية تحت عنوان" المستقبل الغامض" احتمالية حكم طالبان على أفغانستان.

تظهر حركة طالبان الأخيرة في أفغانستان، والتي استولت على أكثر من ثلثي البلاد، الحاجة إلى إعادة النظر في مستقبل البلاد مع استمرار الأوضاع الراهنة. فمنذ بداية ربيع هذا العام، شنت طالبان هجومًا واسعاً وتقدمت في العديد من المدن والأرياف الأفغانية وتم إخراج القوات الحكومية من العديد من المناطق الريفية. ومن أهم الأمثلة على هذا التقدم محاصرة "مزار الشريف"، والاستيلاء على "قندوز" والسيطرة على "شيرخان بندر" الواقع على الحدود الطاجيكية، و"إسلام قلعة" الواقعة على الحدود الإيرانية.

سبق وقيل إن هذه المجموعة سيطرت على أكثر من 70 بالمئة من الاراضي الأفغانية. وعلى الرغم من أن بعض القوى الشعبية والكتل السياسية قد تم تسليحها لمواجهة هذا التقدم، لكنه لا يوجد أفق واضح لانسحاب طالبان من المواقع التي سيطرت عليها.

يقوم هذا المقال بشرح المسائل المتعلقة بطالبان أفغانستان، مع اجراء تقييم للمستقبل السياسي لهذا البلد في حال استمرار تقديم طالبان في البلاد.

بداية الهزيمة

عادةً ما يكون بدء المعركة صعباً، ولكن نهايتها أصعب. في الوقت الذي تتسارع فيه وتيرة انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان، وفقًا لمعهد" الدراسات الاستراتيجية والدولية: "لا يوجد بوادر لتشكيل حكومة قوية ومتكاملة وفعالة في أفغانستان". يتم هذا الانسحاب بعد عشرين عامًا من الاحتلال إزاء الوعود المتكررة التي تراجعت باستمرار، من التغيير الديمقراطي إلى هزيمة طالبان ومن هزيمة طالبان إلى هزيمة القاعدة والآن حيث تذهب الأمور لقطع ارتباط هذين المجموعتين؛ وهذا لا يعني سوى فشل السياسات الأمريكية في أفغانستان. وإن الشعارات المستخدمة لا سيما حماية القوات الاستشارية أو شبكة المعلومات هي مجرد غطاء لهذه الهزيمة.

وبحسب رأي بعض الخبراء الأمريكيين، فإن الولايات المتحدة كانت في صدد احتواء نمو الصين منذ عهد بوش ومن ثم عهد أوباما، لكن وقوع أحداث 11 سبتمبر وصعود داعش، على التوالي، حالت دون ذلك. في خصم ذلك يعتزم بايدن اليوم مغادرة أفغانستان بأي ثمن ممكن. في الحقيقة إن اتفاق الولايات المتحدة مع طالبان لم يكن مجرد اتفاق مع مجموعة مسلحة. بل إنه دوّن على أساس احتمالية الهيمنة الكاملة على أفغانستان. لهذا السبب، جاء هذا الاتفاق في سياق منع الهجوم على المصالح الأمريكية من الاراضي الأفغانية، باعتبارها المحور الأساسي للاتفاق.

رد فعل الدولة المركزية

توقفت عمليات مفاوضات السلام، وأصيبت الدولة بالضعف والانهيار، ولم تستطع القوات الأفغانية مواجهة تقدم حملات طالبان، وأعلنت الأمم المتحدة عن التسليم الواسع للقوات الحكومية مقابل حملات طالبان. على الرغم من التدريبات واحتيازه المعدات الأمريكية على مدى السنوات العشرين الماضية، فإن الجيش الأفغاني غير قادر اليوم على الصمود أمام هجمات طالبان. ويقول معهد أبحاث كوينسي في هذا الشأن، على وجود "لائحة اتهامات بخصوص المليارات الأمريكية في إنفاقها على حفظ أمن أفغانستان".

إن التدريبات غير المتكاملة وغير المناسبة مع عدم القدرة على حفظ المواقع العسكرية وعدم دفع الرواتب هي من بعض العوامل التي قللت من قدرة الجيش والشرطة الأفغانية على الرد على هجمات مماثلة. في حين طلبا "أشرف غني" و"عبد الله عبد الله"، قادة أفغانستان المساعدة من بایدن خلال زيارتهما إلى واشنطن، لكنهما لم يتلقيا أي رد إيجابي.

ويبدو أنه مع الانسحاب الكامل للقوات الأمريكية من أفغانستان سيكون هناك سیناريوهان؛

الأول يتمثل في مدافعة افغانستان عن كل من كابل ومزار شريف بمساعدة قوة عسكرية صغيرة حيث تبقى في أفغانستان بذريعة دعم المواقع الدبلوماسية، إلى جانب الدعم الجوي الأمريكي. فيما تواصل طالبان محاصرة هذه المناطق كرافعة لمحادثات السلام. لكن السيناريو الآخر يتمثل في حرب دموية شاملة وسيطرة طالبان الكاملة على أفغانستان بعد فترة زمانية أقصاها من ستة شهر إلى سنة واحدة.

رد فعل الجهات الأجنبية

سعت موسكو بمبادرة من Troika Plus، حيث تشمل كل من روسيا والولايات المتحدة والصين وباكستان للتوسط بين كابول وطالبان. وهي مبادرة حظيت بدعم الأمم المتحدة، ولكن حتى الآن لم تحرز أي تقدم في حل القضية، على أرض الواقع، هذا في الوقت الذي تجري موسكو محادثات ثنائية مع طالبان لضمان عدم دخول القوات الإرهابية الحدود الطاجيكية. يمكن للكرملين، أيضًا من خلال منظمة معاهدة الأمن الجماعي، التي تتكون من مجموعة دول آسيا الوسطى، بما في ذلك أفغانستان، ولا سيما كازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان، وكذلك منظمة شنغهاي للتعاون، التنسيق مع الصين، لتعزيز الفوائد الضرورية في أفغانستان.

كما عقدت الصين اجتماعا ثلاثياً مع وزراء خارجية كابول وإسلام أباد تحضيراً للتعاون مع باكستان بعد انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان. تطالب الصين تثبيت الاستقرار في البلاد لمتابعة مشروع "حزام واحد، طريق واحد"، وبالطبع لا رغبة لها أن تكون ضحية أخرى لأفغانستان بدخولها هذا البلد مباشرة بعد الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة.

المسألة الأخرى بالنسبة لبكين هي أنها لا ترغب في تقوية المجموعات الإسلامية في أفغانستان فيما يتعلق بقضية الأويغور، على غرار الهند التي لا تريد سيطرة طالبان لوقف نمو الإسلاموية في كشمير والمناطق المجاورة.

تحتاج أفغانستان إلى مبادرة أوسع وأعمق وأكثر تعقيداً تستند بشكل عام إلى اللاعبين الإقليميين. يسعى اليوم معظم جيران أفغانستان إلى تحقيق السلام والاستقرار في البلاد كهدف رئيسي لهم. ربما باستثناء باكستان، حيث ترغب بدعم طالبان كوسيلة ضغط، لكن هذه الحكومة أيضا لا رغبة لها بالحكم المطلق لطالبان على البلاد. حتى الأنصار السابقين للمجموعة في منطقة الخليج الفارسي ليس لديهم الفرصة للتدخل على نطاق أوسع على غرار فترة الاحتلال السوفياتي وما بعده، لأسباب بما في ذلك الصراع في اليمن. لقد أدركت جميع الجهات الأجنبية الفاعلة تقريبًا حقيقة طالبان. لا سيما بعد الاتفاق بينها وبين الولايات المتحدة، حيث أصبحت هذه القضية أكثر علنية ورسمية، وقد نظمت المحادثات الثنائية أو متعددة الأطراف مع هذه المجموعة. لا يبدو حتى في حالة سقوط الحكومة واندلاع الحرب الأهلية، أن يكون هناك رد فعل عسكري جاد إلا في نطاق حفظ أمن الحدود، من جانب الجهات الإقليمية.

المستقبل الغامض

في الحقيقة لا يمكن حكم أفغانستان من دون طالبان، ولا يمكن للأخيرة السيطرة على البلد وإدارته بسلام واستقرار وحدها. بالنظر إلى المكانة الاجتماعية لطالبان في أفغانستان وافتقار المجموعة إلى الحافز العالمي الوطني لتوسيع أنشطتها، هناك إمكانية بأن طالبان قد تقيد عمل المجموعات المسلحة الأخرى وذلك لاكتساب نوع من الشرعية من جانب الجيران ولا سيما أن جزءًا من قيادة المجموعة، باتت قلقة من التدخل الأجنبي بذريعة مكافحة الإرهاب، ولآن تجري محادثات مع الحكومات الأخرى للحصول على ضمانات على أساس حفظ أمن الحدود في البلاد.

إحدى الفرضيات تقول إنه يجب التمييز بين طالبان كحركة وطالبان في إطار الحكومة. لأنه يتعين على حركة طالبان في مقام الحكم ممارسة بعض الكفاءة للبقاء في السلطة لا سيما في ضوء الفساد والبطالة والافتقار إلى المنافع التجارية المتنوعة، ينبغي النظر في ملاحظات الحكومات الأجنبية والمؤسسات الدولية التي تؤثر على صندوق النقد الدولي والبنك الدولي لتجنب العقوبات المتعددة الأطراف والحصول على المساعدة المالية.

لكن فرضية أخرى، ليست بعيدة عن الحقيقة، هي أن قدرة طالبان على تشكيل حكومة مستقرة ومتماسكة مشكوك فيها بسبب الاختلافات الأيديولوجية والتنظيمية الداخلية؛ حيث لا يزال هناك جزء من هذه الشبكة القريبة من شبكة حقاني تصر على وجهات النظر الأكثر أصولية مقارنة بالحداثة لا سيما بموضوع النساء، في حين ان المشرفيين على القسم السياسي والتي تشارك في حوار مع وسائل الإعلام والحكومات الأجنبية ترغب أن تكون أكثر توازناً.  إن تحويل طالبان من " إطار حركة إلى إطار حكومة" في الوقت الذي أمضت أكثر من 20 عامًا في ساحة المعركة وبعيدًا عن الخبرة في الحكم، سيكون لها تكاليف سياسية واقتصادية باهظة على أفغانستان. كما لا ينبغي صرف النظر أن معارك دامية وقعت بين طالبان والحكومة المركزية على مدى السنوات العشرين الماضية، وهذه المرة ربما تتهم طالبان، بعد استيلائها على السلطة، العديد من الشخصيات والجماعات السياسية من قبائل مختلفة بالتعاون مع قوات الاحتلال الأمريكية وذلك بهدف الانتقام.

في حين أنه من غير المرجح أن تقوم طالبان بالاستجابة لطلب نزع سلاحها وتعليق هدفها" الإمارة الإسلامية"، ولكن ربما إذا لم يكن هناك إجماع على ايجاد حل سياسي، فسيكون هناك حكم ذاتي بحكم الواقع بين المناطق التي تسيطر عليها طالبان، لا سيما مناطق البشتون، والمناطق العرقية الأخرى على المدى المتوسط والحكومة المركزية التي تستمر في الحكم في بعض المناطق المحدودة


المصدر: المصدر: آینده افغانستان با پیشروی طالبان

الكاتب: إحسان کیاني




روزنامة المحور