لم تنحصر تداعيات عملية "نفق الحرية" على المؤسسة الأمنية الاستخباراتية الإسرائيلية فقط، بل قلبت المشهد على الساحة الفلسطينية. فبعد أن كانت السلطة الفلسطينية بشخص رئيسها محمود عباس تحضر لاستثمار المرحلة الماضية ويستمر رئيس وزراء الاحتلال نفتالي بينت بدعايته الإعلامية عن نتائج زيارته مع الرئيس الأميركي جو بايدن أصبحت الأوضاع في الداخل الفلسطيني "كمن يجلس على قنبلة موقوتة" كما وصفتها الأوساط العسكرية الإسرائيلية.
صحيفة هآرتس أشارت في مقال لها إلى ان "الاضطرابات في السجون والمواجهات والاعتصامات التي جرت في أرجاء الضفة تشكل إشارة لما سيأتي... على إسرائيل أيضاً أن تواجه الواقع الجديد الآن".
النص المترجم:
تركز الاهتمام في غزة ورام الله مؤخراً على محاولات محمومة لجلب أكبر قدر من التسهيلات للفلسطينيين، مع استغلال زخم رياح الخطاب السياسي في المنطقة. صحيح أن الفصائل الفلسطينية في غزة وعلى رأسها حماس، هددت بالتصعيد، لكن كان واضحاً للجميع أن لا مصلحة لأي منهما في القتال. سفير قطر، محمد العمادي، قام برحلات مكوكية بين غزة ورام الله والقدس، والتقى ممثلين من كل الأطراف، ودفع قدماً بتحقيق تسهيلات مهمة.
كان الرئيس الفلسطيني محمود عباس، في ذروة استعداده لإلقاء خطاب سياسي في الأمم المتحدة ليجمل شهراً ناجحاً من ناحيته: اللقاء مع وزير الدفاع بني غانتس، والحوار المباشر مع حكومة إسرائيل، وتسهيلات مدنية واقتصادية، وحوار مفتوح مع إدارة واشنطن، وتوقع لقاء مع الرئيس بايدن، وقمة ثلاثية في القاهرة مع الملك عبد الله والرئيس السيسي، وأيضاً توقع في رام الله لتطورات في الساحة العربية التي ستؤدي إلى تداعيات اقتصادية إيجابية على الفلسطينيين.
ولكن هرب السجناء الستة من سجن الجلبوع التهم جميع الأوراق. لم تؤخذ هذه الاحتمالية في الحسبان ضمن أي سيناريو، ولم يكن إطلاق سراح سجناء قريب في الوعي الفلسطيني مطلقاً. من ناحيتهم، الإمكانية الوحيدة لإطلاق سراح سجناء لم يقضوا كل عقوبتهم، لن يكون سوى بصفقة تبادل أسرى. ولكن هرب السجناء الستة من أحد السجون المحصنة جداً، لم يكن بحدث يؤخذ في الحسبان.
إذا كان الأمر هكذا فليس من الغريب أن الأخبار عن هرب السجناء تثير هزة أيضاً في النظام السياسي وفي الرأي العام وفي الخطاب الجماهيري كله. قضية السجناء، حتى قبل الهرب، تحتل مكانة مهمة في قلب الإجماع الفلسطيني، ولا يتم سماع أي رأي ضد السجناء. وكذلك السلطة الفلسطينية، لا تمس بأي حال من الأحوال بالسجناء. هذا هو السبب بأن حظي الهرب بتأييد كل أطراف الطيف السياسي الفلسطيني، من حركة فتح وحتى حماس، وبالطبع من الجهاد الإسلامي والفصائل الأخرى.
رواية إسرائيل التي تدعي أن الأمر يتعلق بسجناء خطيرين وأيديهم ملطخة بالدماء، ليس لها أي أهمية في الخطاب العام الفلسطيني. بالعكس، هؤلاء السجناء يعتبرهم الرأي العام الفلسطيني أبطالاً نجحوا في التغلب على أحد الأجهزة الأمنية الأكثر تطوراً في العالم وتحرير أنفسهم. طلب الفلسطينيون منهم توفير الحماية للسجناء عند الحاجة، وعدم التعاون مع عملية تعقبهم. رد إسرائيل، بالأساس داخل جدران السجون، أثبت كم هي واسعة تداعيات هذا الحدث، وأنها لا تقتصر على هرب السجناء الستة فقط. قرار توزيع السجناء الأمنيين بين السجون المختلفة تسرب إلى الخارج خلال دقائق، وأثار ردوداً كثيرة.
الاضطرابات في السجون والمواجهات والاعتصامات التي جرت في أرجاء الضفة تشكل إشارة لما سيأتي. ودعت منظمات فلسطينية إلى يوم غضب في أرجاء الضفة ومسيرات باتجاه نقاط الاحتكاك مع الجيش الإسرائيلي. وتدل أحداث أيار الماضي على أن الأمر يتعلق بتطور مع إمكانية كامنة لتفجر عال وقدرة استنزاف لجهاز الأمن في إسرائيل. والتوقيت لا يفيد في تهدئة النفوس: الحديث يدور عن منتصف أيلول، وهو وقت قصير قبل الذكرى السنوية للانتفاضة الثانية في الأول من تشرين الأول، الأمر الذي قد يصب الزيت على النار.
لا يمكن للسلطة الفلسطينية وأجهزة أمنها السماح لأنفسهم بالظهور كمن ساعدوا إسرائيل في إلقاء القبض على السجناء الفارين. ولكنها أيضاً لا تستطيع أن توفر لهم الحماية، سيناريو مشابه للانتفاضة الثانية التي اختبأ فيها مطلوبون في كنيسة المهد في بيت لحم، أو في مبنى المقاطعة مع ياسر عرفات – هذا سيناريو أصبح غير ممكن بعد مرور عقدين.
حتى لو لم تستعن إسرائيل بالسلطة الفلسطينية، فإن إلقاء القبض على السجناء الستة الفارين في أراضي السلطة هو تحد مهم قد تكون له تداعيات قاسية، وإذا مات السجناء أثناء العمليات، فقد تصبح التداعيات أكثر أهمية. يشارك في هذا الخوف أيضاً شخصيات فلسطينية رفيعة قالت للصحيفة بأنهم يفضلون هروب السجناء إلى دولة مجاورة أو إلى قطاع غزة لتجنب الحاجة إلى مواجهة تداعيات إلقاء القبض عليهم في الضفة.
في المقابل، لن تسمح التنظيمات في غزة لنفسها بالبقاء غير مبالية إزاء ما يحدث. إذا كانت أحداث أيار قد قادتهم إلى إطلاق الصواريخ، فالمؤكد أن الخطر أيضاً قائم الآن عندما يدور الحديث عن سجناء. فرؤساء حماس والجهاد الإسلامي والمتحدثون بلسانهما وضعوا سقفاً مرتفعاً جداً؛ أن أي مس بالسجناء سيؤدي إلى رد. والتصعيد، إذا ما حدث، فسيدفن كل إنجازات سفير قطر في المنطقة كلياً. كما أنه من المتوقع أن يتبخر حوار تبادل الأسرى. هرب السجناء سيناريو معقد لم تكن القيادة الفلسطينية مستعدة له، وستضطر الآن إلى دراسة خطواتها طبقاً للتطورات في الأسابيع القريبة القادمة.
ولكن هذه الورطة ليست قضية القيادة الفلسطينية في رام الله وفي غزة فقط، بل على إسرائيل أيضاً أن تواجه الواقع الجديد الآن. لجنة تحقيق واستخلاص دروس بخصوص سلوك الشاباك هي موضوع داخلي، لكن الخطوات التي يتم القيام بها ضد السجناء في السجون ستؤثر أيضاً على الضفة والقطاع، وربما أيضاً على استقرار الائتلاف الحكومي في إسرائيل. ومعركة كبيرة في غزة أو تصعيد واسع في الضفة يتوقع أن يؤثر أيضاً على الجمهور العربي في إسرائيل. عملية البحث عن زكريا الزبيدي والشركاء الخمسة ليست عملية أمنية فحسب، بل حدث سياسي يجب على بينيت وعباس والسنوار أن يدرسوا خطواتهم في إطاره جيداً.
المصدر: هآرتس
الكاتب: جاكي خوري