منذ استقلال جمهورية آذربيجان بعد انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1991 وجد الكيان الاسرائيلي في هذا البلد ضالته، بما يمتلكه من احتياطات كبيرة من النفط واليورانيوم، والاهم موقعه الجيوسياسي لجهة حدوده مع ايران وتركيا واوروبا، ومشاطئته لبحر قزوين الغني بالموارد الطبيعية والحيوية.
وخلال هذه السنوات تحوّلت آذربيجان الى قاعدة عسكرية وأمنية متقدمة للموساد على حدود الجمهورية الاسلامية التي اعلنت بحزم ووضوح أنها لن تتحمل وجود "اسرائيل" على حدودها، وقد حذّرت "باكو" اكثر من مرة عبر الطرق الدبلوماسية، وبأنها ستتحمل عواقب انطلاق أي اعمال عدائية اسرائيلية من الاراضي الآذربيجانية، هذه الانذارات لم تغير الموقف الآذربيجاني الذي دخل الحلف التركي الاميركي الاسرائيلي، حيث كشف عضو الكونجرس الاميركي إليوت إنجل ان سلطات باكو اعطت الضوء الاخضر لاسرائيل بقصف المنشآت الايرانية النووية انطلاقًا من اراضيها، فيما تشير المعلومات الموثقة أن أذربيجان تلقت دعما عسكريًا اسرائيليًا وبخاصة طائرات مسيرة ثمنًا لوجودهم في آذربيجان، وقيامهم بعمليات عسكرية وأمنية ضد الجمهورية الاسلامية، وليس آخرها نصب اجهزة تنصت وتجسس اسرائيلية بالقرب من حدودها، فيما كشفت القناة التاسعة العبرية نقلًا عن مجلة فورين بوليسي الاميركية عن وجود 4 قواعد عسكرية اسرائيلية في مناطق اذربيجانية محاذية للحدود الايرانية، وهي قواعد قديمة من زمن الاتحاد السوفياتي، بالاضافة الى دعم اسرائيل لمجموعات قومية تطالب بانفصال اقليم آذربيجان الايراني، كما نُقل عن رئيس علماء آذربيجان "الله شكور باشازاده" قوله انه "خلال 3 سنوات سيتم تقسيم ايران الى 3 اجزاء وسنرفع في كل مكان العلم التركي".
قطع طريق التجارة البري بين ايران واوروبا عبر ارمينيا
رغم خطورة الوجود الاسرائيلي وادراك جميع الاطراف المعنية ان أي اعتداء على منشآت ايران النووية سيواجه برد قاس وعنيف من القوات المسلحة الايرانية ضد "اسرائيل"، واي دولة تتعاون معها او تسمح باستخدام اراضيها منصة لهذه الاعتداءات، إلا ان المخطط الاكثر خطورة ربما حسب الايرانيين هو اغلاق طريق الترانزيت التجاري المهم بين ايران واوروبا عبر معبر لاتشين من ارمينيا، والهدف ايجاد تغيير جيوسياسي للسيطرة على مقاطعة "سيونيك Syunik" الارمنية الملاصقة لنخجوان، وهي عبارة عن شريط حدودي يمتد مسافة 41 كيلومترا بين ايران وارمينيا، كما انه حلم عثماني للوصول الى سواحل بحر قزوين عبر خط مباشر بري مع العاصمة باكو، ولهذا قامت السلطات الآذرية مؤخرًا باعتقال أو منع بعض سائقي الشاحنات الايرانية على هذا الطريق، الامر الذي أثار استياء طهران بشدة، وطلب وزير خارجيتها امير حسين عبد اللهيان خلال لقاءه نظيره الآذري جيهون بيراموف في نيويورك حل هذه الاشكالية عبر الطرق القانونية والدبلوماسية، لكن رغم ذلك لوحظ انه وللمرة الاولى منذ 12 سنة يطلق الرئيس الاذربيجاني إلهام علييف تصريحات حادة وقاسية تجاه ايران، غير مكترث بخطورة وعواقب هذا التصعيد على البلدين والمنطقة.
مناورات "فاتحو خيبر" الضخمة تلجم الاندفاعة الاسرائيلية من بوابة آذربيجان
استشعار ايران للخطر الاسرائيلي على حدودها الغربية دفعها لاجراء مناورات عسكرية هي الاضخم منذ ثلاثين عامًا في شمال غرب البلاد، شاركت فيها قوات قتالية غير مسبوقة ودبابات وطائرات عامودية ومسيّرة من الجيش الايراني، قال عبد اللهيان اثناء استقباله سفير آذربيجان لدى طهران إنها "رسالة تحذير قوية لاسرائيل، ونحن لا نتحمل أبداً حضور الكيان الصهيوني قرب حدودنا، وسنتخذ ما نجده مناسبا لأمننا القومي"، فيما أكد قائد القوة البرية في حرس الثورة الاسلامية محمد باكبور "ان ايران لن تسمح بأي تغيير جيوبوليتيكي في هذه المنطقة، وان اي تحركات خاطئة في الحدود المجاورة لايران سيؤدي الى تشكيل ازمات جديدة في المنطقة، وتعرف دول الجوار افضل من غيرها اسباب قيامنا بهذه المناورات"، الرسالة وصلت للمعنيين في تل ابيب وواشنطن، واسطنبول كما باكو التي سارع سفيرها في طهران الى التعبير عن رغبة بلاده والرئيس علييف بالتهدئة مع ايران، والتعاون معها ومع روسيا.
الجدير ذكره ان تركيا وآذربيجان كانتا تعتزمان اجراء مناورة عسكرية مشتركة في هذه المنطقة لكن الرد الايراني كان اسرع .
مجموعات ارهابية تدخل ايران من الحدود الآذربيجانية
العامل الاسرائيلي لم يكن السبب الوحيد لاطلاق مناورات "فاتحو الخيبر"، فثمة معلومات مؤكدة لدى ايران بان مئات المسلحين التكفيريين تم نقلهم من سوريا الى آذربيجان خلال الحرب التي دارت رحاها حول اقليم قره باغ بين ارمينيا واذربيجان، وقد أمسكت الاستخبارات الايرانية بخيط هام جدًا يؤكد تسلل مجموعات ارهابية، ونقلها السلاح الى ايران من الاراضي الاذربيجانية، وتؤكد طهران ان وجود هؤلاء الارهابيين المرتبطين بالاسرائيليين بطريقة او بأخرى على مقربة من الحدود الايرانية يشكل تهديدًا للأمن القومي الايراني، ولن تتهاون مع هذا التهديد ابدا.
التصعيد الأخير وصلته بالاتفاق النووي!
تصاعد حدة الازمة بين ايران وآذربيجان لا يبدو انه بعيد عما يجري من ضغوط ورسائل متبادلة مرتبطة بالاتفاق النووي او بالملفات الاقليمية وساحات الاشتباك مع امريكا، فمن اللافت أنه بعد وصول السيد ابراهيم رئيسي الى رئاسة الجمهورية عبر الانتخابات، وتأكيده حرص ايران على سياسة حسن الجوار، بدأت حكومته الثورية تواجه ازمات جديدةومفتعلة، فكانت أولاها انسحاب القوات الاميركية من افغانستان، ووصول حركة طالبان الى السلطة، وكان المخطط ان تشكل افغانستان بؤرة توتر جديدة لايران، الا ان حنكة ورصافة المسؤولين الايرانيين واحتواءهم لحركة طالبان حالت دون ذلك حتى الساعة، واليوم تفتعل باكو ( مدعومة من تركيا وامريكا واسرائيل) أزمة جديدة مع طهران، يبدو أنها تأتي في سياق المسعى الاميركي لافشال السياسة الجديدة لحكومة رئيسي في الملفات الخارجية، وفرض حصار اقتصادي جديد على ايران، وهي على صلة مباشرة بالموقف من الاتفاق النووي ومفاوضات فيينا، حيث تستعجل واشنطن طهران للعودة الى المفاوضات، وقال وزير خارجيتها انتوني بلينكن "ان الايرانيين شاهدوا ضعفنا في افغانستان لهذا نحن نلتمس اليوم عودتهم الى المفاوضات النووية"، اما طهران فهي تؤكد انها لن تتفاوض من اجل التفاوض، وليس لديها ترف الوقت، انما هي تريد خطوات عملية تقوم واشنطن بتنفيذها، وهي الرفع العملي والفعلي للحصار الاميركي الظالم المفروض عليها، لهذا فان مفاوضات فيينا المرتقبة في نسختها السابعة مرهونة بمدى التزام ادارة بايدن بما تم الاتفاق عليه، وهو البدء بالخطوات العملية لازالة الحصار، وعودة جميع الاطراف الى الاتفاق النووي.
هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة رأي الموقع
الكاتب: مدير ورئيس تحرير موقع الخنادق
-إعلامي وباحث سياسي.
- استاذ الإعلام في الجامعة اللبنانية.
-دكتوراه في الفلسفة وعلم الكلام.
- مدير موقع الخنادق الالكتروني.