منذ 54 عاماً، توّج محمد رضا بهلوي نفسه امبراطوراً على إيران، بعد سخط بريطانيا على والده رضا بهلوي، أنهى حياته السياسية وأجبره على نقل مقاليد الحكم إلى ابنه الأكبر الذي درس في سويسرا وعاش حياة البذخ بشكل جعله ينفصل عن واقع الشعب الإيراني الذي أمعن والده بالتنكيل فيه وزيادة الهوة بين الطبقات.
ارتمى محمد رضا بهلوي في أحضان الولايات المتحدة وكيان الاحتلال وبريطانيا، حتى تفوّق على والده في توطيد علاقاته مع "إسرائيل" واستقبال البعثات التجارية، كما سعى جاهداً لمواجهة الحركات الوطنية، والتقرب أكثر من المعسكر الغربي خلال الحرب الباردة، كما جهد لبناء علاقة قوية بما كان يعرف حينها بدول الكتلة الشرقية.
حكم الشاه: بذخ وفساد وعمالة
مرتكزاً على جهاز المخابرات "السافاك" الذي كان يعد الأقوى في المنطقة، وما تقدمه واشنطن من دعم استخباراتي أيضاً، كان الشاه مطمئناً من ان هذه الأجهزة كفيلة في اجهاض أي حركات مناهضة له عن طريق القمع والاعتقال والقتل.
انطلق الشاه إلى مرحلة جديدة من الترف والبذخ كانت حديث العالم بأسره طيلة فترة حكمه، ولعل أبرز شاهد على الفحش في الثراء وطريقة التعبير عنه، كان في احياء مناسبة مرور 2500 عاماً على تأسيس دولة قورش، حيث تم نقل الورود على متن طائرات من فرنسا ووزعت خلاله المجوهرات على الحاضرين، كما تم تقديم الوجبات في مواعين وأطباق من ذهب، وتم استبدال مكان أعين الخراف على الموائد باللآلئ والأحجار الكريمة، في حفل وصف بأنه "أبذخ حفل عرفه التاريخ على الاطلاق"، في الوقت الذي كان ينام فيه الشعب الإيراني في الشوارع دون مأوى أو أدنى مقومات الحياة الكريمة.
هذا الثراء الفاحش وما صاحبه من واستيراد الأعراف والعادات من الغرب، ترجمه الشاه بطريقة كان يسعى فيها لتقديم نموذج الدولة "المتحررة"، إلى حد وصل فيه الانحلال الأخلاقي إلى أعلى درجاته، من تجارة المخدرات إلى منع الحجاب وإلغاء الاحتفالات الدينية، ووصول الاعتداءات الجنسية والاجتماعية من سرقة وقتل إلى أعلى المستويات.
الشاه أداة واشنطن لا صديقاً لها
ليلة رأس السنة من عام 1977 استقبل الشاه الرئيس الأميركي جيمي كارتر في حفل عشاء، حيث أشاد الأخير بأداء الشاه مخاطباً إياه "بفضل قيادتكم العظيمة، يا جلالة الإمبراطور، أصبحت إيران واحة استقرار في وسط منطقة من أكثر المناطق اضطراباً في العالم". كانت هذه الكلمات تعبر إلى مسامع الشاه وكأنها النصر بعينه، ورغم انه كان يعرف جيداً كيف أطاحت وكالة الاستخبارات الأميركية بالرئيس الفييتنامي نغو دين ديم وقتلته عام 1963 مع انها هي من أوصلته إلى الحكم في انقلاب أعدته بنفسها، إلى ان "جنون العظمة" كان قد وصل عند الرجل إلى حد الاطمئنان اللاوعي والذي دفع ثمنه لاحقاً في صيف 1979 بعد عامين بالتحديد.
في اتصال هاتفي بين مستشار الأمن القومي هنري كيسنجر وكارتر قال الأخير معلّقاً على طلب دخول الشاه إلى الولايات المتحدة بعدما كانت الثورة الإسلامية في إيران قد قلبت الموازين في البلاد لصالح الشعب الإيراني، وكان يعاني من مرض السرطان "تباً للشاه... لن أسمح له بدخول أميركا ما دام هناك مكان آخر يمكن أن يؤويه"، وأقفل الخط، لكن الإجابة كانت قد وصلت.
12 عاماً من حكم الشاه اختصرها كارتر بحادثتين ووصفّها الشاه نفسه قبل وفاته بـ 3 أشهر بكلمتين "ليس لأمريكا صديق".
الكاتب: غرفة التحرير