بعد سلسلة الطروحات التي قدمها كيان الاحتلال إلى الرئيس الأميركي جو بايدن في سبيل الضغط عليه للتراجع عن قراره بالعودة إلى الاتفاق النووي، وعدم استجابة الأخير خاصة لطرح الخيار العسكري، يسيطر جو من القلق على الجبهة الداخلية الإسرائيلية إضافة للقيادات الذين باتوا يرون ببايدن "رجل عجوز يراكم الخيبات بعد الانسحاب من أفغانستان".
صحيفة "إسرائيل هيوم" أشارت في مقال لها إلى ان بايدن قد أصبح في "ذروة هبوط حر من ناحية مكانته في الرأي العام، وذلك على خلفية أسلوب عمل ضعيف، متردد وبردود أفعال، ويحاول تقليص الأضرار دون أخذ مخاطر". معتبرة ان "على هذه الخلفية، لا يتبقى غير السخرية من تصريحات الرئيس ومساعديه عن جدوى الخيار العسكري تجاه نظام آية الله في إيران".
النص المترجم:
في أواخر فترة الولاية الثالثة للرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت، تدهورت حالته الصحية بشكل سحيق.
من أحدث ثورة اجتماعية واقتصادية خارقة للطريق في ظل درك أسفل هو الأكبر، ثم قاد الأمة الأمريكية إلى مواجهة بلا هوادة مع "محور الشر" رغم المعارضة الانعزالية من الداخل، أصبح ظل نفسه في المراحل الأخيرة من الحرب العالمية. وذلك عندما مست أمراضه الجسدية بأداء مهامه وبوعيه، بالذات في اللحظات التأسيسية لبلورة النظام العالمي الجديد.
رغم الفوارق في السياق التاريخي والجوهر، لا ينبغي أن نتجاهل أوجه الشبه التي تربط بين روزفلت والرئيس الحالي بايدن. هذان شخصان أبديا في ذروة سنواتهما فهماً عميقاً سواء في غياهب السياسة الداخلية أم في الصلة في المجال الدولي.
مثل روزفلت، أبدى السناتور بايدن هو الآخر خبرة مبهرة في كل ما يتعلق بإقامة تحالفات حزبية داخلية وحزبية ثنائية في تلة الكابيتول، وجسد بسلوكه فكرة البراغماتية والواقعية السياسية. ولكن مثلما لم يتمكن الرئيس روزفلت، رغم أمراضه وإنهاكه، من الانسحاب بعد ثلاث فترات ولاية مليئة بالإنجازات والنجاحات، بل أصر على التنافس للمرة الرابعة على المنصب الرفيع، فقد قرر بايدن أيضاً التنافس على الرئاسة في 2020 رغم عمره المتقدم وتعبه البارز.
وبعد سنة من انتخابات 3 تشرين الثاني وقبل سنة من الانتخابات الوسطى للكونغرس، بات للرئيس ذروة هبوط حر من ناحية مكانته في الرأي العام، وذلك على خلفية أسلوب عمل ضعيف، متردد وبردود أفعال، ويحاول تقليص الأضرار دون أخذ مخاطر.
تعبير راهن عن إحساس خيبة الأمل والإحباط السائدة هذه، حتى في أوساط جماهير ديمقراطية نرى في نتائج الانتخابات لمنصب حاكم ولاية فيرجينيا، التي أصبحت منذ وقت غير بعيد معقلاً ديمقراطيًا واضحاً، التي منحت في 2020 أصواتها الانتخابية لبايدن بفارق 10 في المئة على خصمه ترامب.
أمامنا "علامة دالة" عديدة الأهمية على مكانة الرئيس الداخلية المتدهورة، إذ إن حملة الانتخابات في فيرجينيا أصبحت استفتاء شعبياً عملياً على أداء بايدن، والتي انتهت بحجب ثقة واضحة مع انتصار الجمهوري غالن ينجكين. وبالفعل، أمامنا إشارة تحذير واضحة تلقي بظلالها على الحزب الديمقراطي وتضع علامة استفهام كبرى على قدرته للحفاظ على مكانته ككتلة الأغلبية في المجلسين في أعقاب الانتخابات الوسطى بعد سنة.
إن مظاهر الضعف الرئاسي هذا كثيرة، أبرزها انسحاب بائس ومفزوع من أفغانستان، الذي أثبت بأن دروس الخروج من جنوب فيتنام لم تستوعبها العاصمة الأمريكية بعد. إضافة إلى ذلك، ما بدأ بصخب شديد كحرب غير مشروطة ضد كورونا من خلال حملة التطعيمات الشاملة انطفأ بالتدريج.
في ضوء حجم الوباء وعدد ضحاياه كان يمكن أن نتوقع من القائد نفسه أن يقود حملة نشطة لتجنيد التأييد الجماهيري لخطواته، وأن يجبر "ولايات مارقة" على السير في التلم. عملياً، كانت لحظات ظهور بايدن العلنية قليلة وشاحبة ومتلعثمة.
بخلاف روزفلت في عهود عظمته، فشل بايدن تماماً في محاولاته الترويج لمبادراته من خلال التوجه المباشر للشعب الأمريكي. وتنطبق هذه الأمور أيضاً على برامجه الطموحة في جملة كاملة من المسائل الاجتماعية والاقتصادية التي استمدها ظاهراً من غياهب النسيان لمبادرات روزفلت في عهد "الصفقة الجديدة"، ولكنها سرعان ما تجمدت جراء انعدام قدرة البيت الأبيض على فرض إمرته على أجنحة حزبه.
أما في المجال العالمي، فإن أقواله عن تطلع البيت الأبيض لترميم الجهاز الصحي التقليدي في الولايات المتحدة، بقيت اليوم فارغة من المضمون.
صفقة الغواصات التي وقعتها الولايات المتحدة مؤخراً مع أستراليا من خلف ظهر الشريك الفرنسي تشكل دليلاً قاطعاً على ذلك. في مجمل الأمر، تشهد الساحة الإسرائيلية العربية أيضاً على الضعف العام للإدارة؛ فبدلاً من تثبيت منظومة العلاقات الاستراتيجية لواشنطن مع حلفائها في الخليج المهددين من إيران، أبدى بايدن موقفاً بارداً تجاه السعودية والإمارات. وقد أشار بذلك، كما ينبغي الاعتراف بأنه غير ملزم بالمخطط الذي أطلقه سلفه.
على هذه الخلفية، لا يتبقى غير السخرية من تصريحات الرئيس ومساعديه عن جدوى الخيار العسكري تجاه نظام آية الله في إيران، ذلك لأنه ليس واجباً عليهم تبني مصداقيتهم للإدارة الأمريكية، وليس على مستوى الشرق أوسطي فحسب، بل أيضاً تجاه التحديات التي مصدرها بكين وموسكو، وبالطبع واشنطن أيضاً.
المصدر: إسرائيل هيوم
الكاتب: أبراهام بن تسفي